أيّ “ضرب” أكله وئام ورفاقه؟

-لم يكن مناسبا لهيبة الرئيس بشّار الأسد أن تنتشر الموجة الأخيرة من "التفاؤل" بتشكيل الحكومة إلى حيث انتهت. هذه المرّة لم يقتصر الأمر على وعود القوى الداخليّة بحصول انفراج، بل تمّ انتزاع وعد من فم الأسد، عبر وليد جنبلاط.

إذا كان صحيحا أنّ أركان الأكثرية الجديدة لا يزالون جميعا حلفاء لدمشق، فليس من عادات دمشق أن تعطي حلفاءها إشارات لا يلتزمون تنفيذها. وهذا يعني واحدا من اثنين لا ثالث لهما: إمّا أنّ هذه الأكثرية التي اجتمعت قبل أربعة أشهر على إسقاط حكومة سعد الحريري تشقّقت وتتنازعها اتّجاهات ومصالح مختلفة، وإمّا أنّ الرئيس السوري لم يعد مسموعا لدى أكثر من طرف في هذه "الغالبيّة"، بحيث بات "حلفاؤه الخلّص" أقلّية عاجزة عن تأليف حكومة.

كلام داخل الجدران

في الحالين، هناك سبب واحد مقنع، وهو أنّ هذه "الغالبية" التي جمعتها ذات يوم على عجل، مصلحة إزاحة الحريري من الحكم، تعيش قراءات ومراهنات متناقضة في ما يتعلق بالوضع السوري. ويستفيد بعضها من انشغال الأسد، أو من غرقه يوما بعد يوم في الشأن السوري الداخلي، وعدم قدرته على فرض الخيارات التي يريدها في لبنان.

بعض قوى "الغالبية الجديدة" يهمس اليوم: انتهى العهد السوري في لبنان! لكنّ قائلي هذا الكلام لا يجرؤون على البوح به… لأنّهم لا يريدون إحراق المراحل أو إحراق الأصابع إذا ما تمّت تسوية معيّنة وغير محسوبة في اللحظة الأخيرة بين الأسد والقوى الإقليميّة والدوليّة، مع أنّ ذلك بات مستبعدا.

يوجّه وئام وهّاب رسائله من دون تحفّظ: "أكلنا الضرب" بتكليف ميقاتي، فهو لن يؤلّف الحكومة المطلوبة. وإذا خيّروني اليوم بين ميقاتي وسعد الحريري، فمن دون شك سأختار الحريري.

"ليس في مشروعنا"

المحسوبون على سوريا مباشرة يقولون جميعا كلاما مماثلا منذ أربعة أشهر، وأحيانا يصل إلى العلن، ويلتزم "حزب الله" التحفّظ في هذا المجال لأنّ وضعه مختلف، لكنه يطلق حليفه العماد ميشال عون ليقوم بالواجب.

لا يقول وئام وهّاب ما هو "الضرب" الذي أكله حلفاء دمشق بتكليف ميقاتي. لكنّ بعضهم لا يتورّع عن الهمس: إنّه يحمل مشروعا مناقضا تماما لمشروع الأسد و"حزب الله". وقد وقع "الحزب" نفسه ضحيّة الاستعجال في تسميته رئيسا مكلّفا. كنّا يومذاك تحت ضغط إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري عشيّة الإصدار المتوقّع للقرار الاتّهامي، ولم نستطع إيصال عمر كرامي، فجاءت التسوية خلال ساعات بقبول ميقاتي بدلا منه.

ويضيف هؤلاء: لم يكن خافيا علينا أنّ ميقاتي يرتبط بعلاقات وطيدة مع أوساط دوليّة كانت وراء إصدار القرارات التي تستهدف سوريا والمقاومة، بدءا من القرار 1559 والمحكمة الدوليّة. فهو صديق شخصي لتيري رود لارسن الذي كان وراء التسوية التي أوصلته إلى رئاسة الحكومة في العام 2005. لكننا اعتقدنا أنّ ميقاتي أو أيّ رئيس آخر للحكومة نتمكن من إيصاله، يبقى أفضل لنا من سعد الحريري. فنحن وسوريا قادرون على تأليف الحكومة التي نحظى فيها بالغالبيّة، وتنال ثقة المجلس النيابي الذي لنا فيه الرئاسة والغالبية. وعندئذ سيكون رئيس الحكومة مضطرّا إلى السير في الخيارات التي تقرّها الغالبيّة ورئيس الجمهورية كذلك.

الحريري أفضل؟

ما لم يكن في الحسبان، يقول هؤلاء، هو انشغال سوريا في حالها، لقد أفقدنا ذلك قدرة على فرض خياراتنا، بدءا من تأليف الحكومة. ويتمادى الرئيس المكلّف في فرض شروطه إدراكا منه أنّ قدرتنا ستضعف يوما بعد يوم إلى حدود تسمح له بتأليف الحكومة التي يريدها، أي تلك التي لا نحظى فيها بأيّ موقع قادر على اتّخاذ قرار، لا أمنيّ ولا عسكريّ. وسنكون عندئذ في حال حصار، وستنقلب المعادلات الداخلية لتجعلنا مجدّدا مجرّد أقلّية.. فقدت حتى الدعم الإقليمي.

حلفاء الرئيس الأسد لا يرون فارقا كبيرا بين مشروعي الحريري وميقاتي تجاه سوريا و"حزب الله". وعندما يعلن وهّاب تفضيله الحريري على ميقاتي، فإنّه لا يبالغ كثيرا . ففي "العهد الحريري" صنع وهّاب وحلفاؤه كلّ أمجادهم وكانوا يشعرون وهم أقلّية، بأنّهم يمسكون بالبلد. فيما هم اليوم "أكثريّة" لا حول لها ولا قوّة. ويقول أحد "الرفاق": نعم، نحن اليوم "أكثرية وهميّة" وعاجزون حتى عن تأليف حكومة. وعندما تحدّث السيّد حسن نصرالله عن أكثرية 14 آذار الوهميّة كان هذا الفريق أكثر تماسكا وتمثيلا من فريق الغالبيّة القائم حاليّا.

"ترويض" أيّ كان!

"الضرب" الذي "أكله" وئام وهّاب ورفاقه ودمشق في 25 كانون الثاني الفائت، لا يكمن فقط في الاختيار المتسرّع لرئيس الحكومة الذي يحمل مشروعا مناهضا، بل في المراهنة يومذاك على أنّ الأسد قادر على ترويض أيّ كان حين يأتي إلى موقع السلطة في لبنان، خصوصا إذا لم يكن منطلقا من حيثيّات شعبيّة مهمّة داخل طائفته كالحريري.

هذه النظريّة بدأت صحيحة في نسبة معيّنة يوم تكليف ميقاتي، لكنّها تفسّخت يوما بعد يوم بفضل التحوّلات الداخليّة السورية. ولذلك بات منطق الترويض جزءا من عهد انقضى، أو في طريقه… إلى الانقضاء؟

السابق
المفتي يدعو “العقلاء” إلى التغيير
التالي
السفير: مهزلـة التأليـف تتوالـى فصـولاً..العقدتان الكرامية والإرسلانية تنتظران