نظام فقد صوابه

عندما يجد الرئيس السوري بشار الاسد وقتاً كافياً لاستقبال النائب وليد جنبلاط ويرفض أن يرد على مكالمة هاتفية من الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون يكون الامر في منتهى الغرابة. بالطبع، يجب وضع حسابات أتباع النظام السوري في لبنان جانباً من أجل التأمل في ما آلت اليه أحوال هذا النظام.
في خضم حرب لبنان التي اندلعت ربيع العام 1975 كان انصار أحد أمراء الحرب في ذلك الزمن يتباهون بأنه اجتمع في فيينا بضع ساعات مع المستشار برونو كرايسكي في سبعينات القرن الماضي. ثم يتبيّن لاحقاً أن أمير الحرب لا يتقن أي لغة أجنبية ويفتقد الى أي مستوى فكري. فكان السؤال لاحقاً عما كان الحديث الذي دار بينه وبين ذلك الزعيم الأوروبي مدى ساعات؟ التفسير الذي استقر أخيراً أن حكاية اللقاء الطويل من بنات مخيلة جماعة الامير الذي كشفت خزائنه عندما توارى عن لبنان انها مليئة بالاحذية والثياب ولا رف كتب بينها.
المشهد المفجع للنظام السوري يقرأ اليوم من عنوانه. أما مشهد أتباعه في لبنان فلهم أكثر من عنوان. على رأس القائمة يجلس "حزب الله"، فهو في مرحلة سقوط منصته الاقليمية يتصرف كأنه قادر على البقاء في موقع الامساك بناصية لبنان. ولكن الواقع يشير الى نقيض ذلك تماماً. ففي الخامس من حزيران الماضي أثبت انه ليس خصماً لثورة سوريا فحسب بل هو أيضاً خصم لثورة فلسطين بعدما أقفل في وجهها الحدود الجنوبية إحياء لذكرى النكسة. أما في محاولة تشكيل الحكومة الجديدة فيتصرف كأنه صاحبها، يريد أن يأخذ من حصة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ليوزّر فيصل كرامي، ومن هيبة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ليوزّر عدنان السيد حسين الذي خذل سليمان عندما كان من حصته في الحكومة المستقيلة. ويفرض معادلة الـ20-10 في تركيبة الحكومة تواطؤاً مع حليفه العماد ميشال عون ويستعد للذهاب الى حرب أهلية لتعديل اتفاق الطائف نكاية بالطائفة السنيّة.
بعد "حزب الله" يمارس الرئيس نبيه بري باتقان دور الكومبارس في تغطية مرحلة الانهيار لنفوذ النظام السوري في لبنان، فلا يكتفي بعد تجربته المشينة في عهد الرئيس اميل لحود بتعطيل المجلس، بل يحاول اليوم تعطيل الرئاستين الاولى والثالثة. ويبقى على اللائحة من الاتباع الاصيلين العماد عون الذي عرَّته برقيات الويكيليكس التي نشرتها "الجمهورية" حتى من ورقة التوت، فظهر فيها متقدماً الصفوف استرضاء لواشنطن واوراق اعتماده هي قدرته على السيطرة على "حزب الله" إذا ما وصل الى رئاسة الجمهورية.
في زمن كهذا، لا بد أن الأمين العام للأمم المتحدة سيسعى الى طلب موعد مع جنبلاط ليعرف ما يدور في سوريا، ما دام الاخير أفلح في لقاء الاسد بينما عجز بان عن مكالمته هاتفياً. انه زمن فقدان الصواب عند النظام السوري وعند أتباعه في لبنان ايضاً.

السابق
بييتون : إدانة القمع السوري واجب أخلاقي
التالي
إعادة فتح الطريق في قانا