مأزق الخيارات الانتحارية ومخرج الحلّ الواقعي

 ليس أمراً قليل الدلالات أن ترافق حرب جسر الشغور تظاهرات جمعة العشائر وان يندفع رجب طيب أردوغان في تصعيد الموقف التركي الى حدّ توزيع الاتهامات على شخصيات على قمة النظام. فلا شيء، كما يبدو، يوقف الاصرار على التظاهر منذ ثلاثة أشهر. لا القمع والاعتقالات، ولا رزمة الاصلاحات المقررة، ولا تأليف هيئة تستعد لبدء حوار وطني. واذا كانت المواجهة الأمنية والعسكرية مع المجموعات المسلحة تفرض نفسها، فان تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين الذين يرفعون شعار سلمية، سلمية، حرية، حرية، واحد، واحد، الشعب السوري واحد تفرض نفسها أيضا. واذا كانت المؤامرة الخارجية كبيرة، حسب الخطاب الرسمي، فان الأزمة الداخلية كبيرة أيضا، والشرط الأساس للقضاء على المؤامرة هو حلّ الأزمة الداخلية وضمان الوحدة الوطنية.
ذلك ان سوريا تغيّرت عملياً، بصرف النظر عن الشكل النهائي لتبلور الصورة. تغيّرت ايجابا في حال نجح سيناريو التزامن والتلازم بين مسارين: مسار العمل الأمني والعسكري لضمان الاستقرار المهم لسوريا والمنطقة، ومسار الاصلاح السياسي والاقتصادي. وتغيّرت سلباً في حال تدافعت الأحداث نحو سيناريو الكارثة، حيث الخسارة للجميع. وتغيّر موقع أو دور الحزب القائد للدولة والمجتمع، سواء بقيت المادة الثامنة من الدستور أو جرى تعديلها، لأن الحزب بقي في الظل وسط الأحداث، في حين تسلطت الأضواء على مجتمع يريد أن يقود نفسه وقوى أمنية وعسكرية تدير أو تُدار بها حماية النظام.

والوضع السوري بات مدولاً، ولو لم يصدر قرار في مجلس الأمن تدفع نحوه أميركا وأوروبا. فهو مدول بالحديث عن مؤامرة خارجية لها أذرع سلفية وارهابية مسلحة. ومدول بالعقوبات التي فرضتها أميركا ودول الاتحاد الاوروبي على كبار المسؤولين. ومدول بالرهان على الدورين الروسي والصيني لاغلاق باب القرار في مجلس الأمن. ومدول بلجوء مواطنين الى تركيا التي تتصرف على أساس أن ما يحدث في سوريا هو بالنسبة اليها قضية داخلية تركية لا فقط خارجية.
وكما في كل أزمة هناك خطر وفرصة معاً. الخطر هو الدوران في المأزق واندفاع الطرفين في خيارات انتحارية تقود الى حرب أهلية مدمرة لا أحد يعرف كيف تكون الصورة بعدها. والفرصة هي المخرج الواقعي والعقلاني من المأزق عبر تسليم الجميع بالانتقال الى التعددية الديمقراطية والمشاركة السياسية الواسعة. ولا أحد يجهل دور الوقت والارادة السياسية في توسيع نافذة الفرصة التي يضيق الوقت من حولها، وفي مواجهة الخطر الذي يتسع له الوقت.
والهمّ السوري هو همّ لبناني في منطقة خرجت من الجمود الى التغيير. 

السابق
مهزلة مواجهة إسرائيل في الجولان!
التالي
قضايا الأغذية الفاسدة: المطلوب عقوبات زجرية