علي شريعتي: فكر الوعي الذي لم يأخذ حقّه

لم يكن غياب الدكتور علي شريعتي، بعد مقتله في لندن عام 1977 بظروف غامضة، ينذر بإنطفاء صدى صوت هذا العالم والمفكر الايراني، الذي تجاوزت أعماله المئة مؤَّلف، في وقت كان إرثه الفكري والثقافي حول الإسلام وتاريخ الشيعة قد اتخذ من المجتمع الإيراني، وخصوصا الوسط الشبابي، مركزا له بدون تحديد هوية مكانية واحدة، بعدما كانت محاضراته التي القاه في حسينية الإرشاد – طهران تطبع في كراريس وتسجل على أشرطة، لتوزَّع بالآلاف في كافة أنحاء إيران.

والده محمد تقي شريعتي، أحد المفسرين المعروفين للقرآن الكريم، ومن كبار المفكرين والمجاهدين الإسلاميين، والمؤسس "لمركز نشر الحقائق الإسلاميَّة"، الذي اضطلع بمسؤولية توعية الجماهير بالدور الحقيقي للدين في المجتمع.
ولد علي شريعتي في شهر كانون الأول من العام 1933، في قرية "مزينان"، إحدى مدن محافظة خرسان. بدأ نشاطه السياسي مبكراً. إنضم إلى جناح الشباب في الجبهة الوطنية وهو في المدرسة الثانوية. في العام 1954 دخل كلية الآداب في جامعة مشهد وانضم إلى حركة المقاومة الوطنية، بعد سقوط حكومة مصدق، حيث أقام حلقات دراسية لمناقشة قضايا الإسلام، مستعيناً بجهود والده في هذا المجال. ثم سجن لمدة ستة أشهر، ولم يكن بعد قد تخرج من الجامعة، بعدما ضُرِبت حركة المقاومة الوطنية بعنف من قبل السلطة وتم تشتيتها، في العام 1958.
بعد تخرّجه من الجامعة بدرجة امتياز في الأدب أُرسل في بعثة دراسية إلى فرنسا في العام1959، حيث درس تاريخ الأديان، وعلم الاجتماع والآداب، واختار علم الإجتماع الديني ميدانياً لتخصصه، ونال الدكتوراه في علم الإجتماع الديني، كما نال دكتوراه ثانية في تاريخ ومعرفة الأديان.
ظل علي شريعتي مناضلا ًمن أجل تنظيم الحركة الإسلامية في الخارج ولعب دوراً في تكوين النواة الأولى للجمعيات الإسلامية للطلبة الإيرانيين. كما كان من أبرز الناشطين في دعم الثورة الجزائرية، ودخل السجون الفرنسية دفاعاً عنها. وقد تعرّف شريعتي في فرنسا على مناضلي العالم الثالث من أمثال إيماسيزار، وفرانز فانون، الذي ترجم إلى الفارسية قسماً من كتابه "معذبو الأرض".
عاد شريعتي إلى إيران في العام 1963، وألقي القبض عليه على الحدود. ثم أطلق سراحه بعد فترة، وعين معلماً في المدارس الابتدائية في إحدى القرى النائية. لكنه لم يستسلم في منفاه وواصل نشاطه الثقافي ملقيا الدروس والمحاضرات العامة ذات الهدف التنويري الديني. وكان صدى صوته المخلص يترجم بعدد المشاركين في ندواته ومحاضراته، الذي لا يقل عن ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف. بعدها استسلمت السلطة لنفوذ شريعتي، فنقلته مدرساً في جامعة مشهد. وحين ضاقت السلطة ذرعا من نشاطه مجددا، فأحالته على التقاعد.
في وقت كانت حسينية الإرشاد قد تأسست في طهران جعلها مركزا لمحاضراته الى أن اعتقلته السلطة ووالده، ليبقى في السجن ثمانية عشر شهراً متعرضاً لأبشع صنوف التعذيب، بعدما أغلقت حسينية الإرشاد في العام 1973. أُطلق سراحه في العام 1975، ووضع تحت المراقبة ومنع من أي نشاطات علنية. وبعدها غادر طهران متوجهاً إلى لندن مروراً ببلجيكا وفرنسا في آذار 1977. وقتل بعد شهر من سفره إلى هناك بطريقة غامضة. ونقل جثمانه إلى سوريا بمبادرة من الإمام السيد موسى الصدر، ليدفن إلى جوار مرقد السيدة زينب بنت الإمام علي بن أبي طالب(ع).
مثّل فكر الدكتور علي شريعتي أحد مضلعات المثلث الذي قامت عليه الثورة الإيرانية سنة 1979 وأطاحت بحكم الشاه. إلا أنه – ولأسباب متعددة – لم يلقَ حظه من الاهتمام بالقدر الذي تستحقه أفكاره، خصوصا أنّ الكثير منها يرتبط بشكل مباشر بما يطرح من إشكاليات ثقافية وفكرية في العالم العربي والإسلامي، والجدير ذكره أنّ فكره تقاطع في أكثر من نقطة مع شخصيات فكرية مثل ابن خلدون ومالك بن نبي، ومحمد إقبال، وسيد قطب، مع فوارق الزمان والمكان والظرف الاجتماعي.

السابق
خليل: اقتربنا من تشكيل الحكومة ولم يعد هناك أي مبرر للاعاقة
التالي
بييتون : إدانة القمع السوري واجب أخلاقي