شيعة لبنان بعد سوريا: قوى جديدة!

 تفرض الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة في سورية نفسها كحدث تاريخي مفصلي في مستقبل سورية. فقد دخل هذا البلد الاقليمي والمتشعب في مرحلة جديدة يصعب التكهن بمدياتها السياسية والامنية. ذلك ان النظام لم يعد قادرا على تقديم اجابات الا القمع والقتل، وهي اجابة تعبر عن قصور في البحث عن اجابات من صنف آخر. لذا تفقد القيادة كل يوم اصدقاء اقليميين ودوليين، فيما يتراجع حلفاؤها نحو رسم خريطة مصالحهم مجددا آخذين في الاعتبار ان احتمال سقوط النظام، او تضعضعه وضعفه، يتقدم على بقائه او صموده. يتساوى في ذلك الحلفاء القريبون والبعيدون، وان اختلفوا في استمرار دعم النظام بجرعات متفاوتة كل بحسب مصالحه.
على ان تقديرات بعض الحلفاء لا تذهب الى حد الاعتقاد ان سورية، التي فقدت اجنحة اقليمية خلال ما يجري في داخلها اليوم، يمكن ان تشهد في المدى المنظور تغييرا للنظام. هذا ما يتم تداوله في دوائر قيادية ضيقة في حزب الله وامتدادا الى ايران، اذ يقدر الحزب، على ما نقل عن مسؤول كبير فيه، ان سورية دخلت في نفق مظلم لن تخرج منه قبل سنوات، وهو تقدير يستند الى اقتناع لدى قيادته ان النظام يمتلك اوراق قوة لن يتخلى عنها بسهولة، في مقابل غياب مشروع معارض قادر على تولي زمام الامور. لذا سورية ستنهمك بالداخل في المرحلة المقبلة اكثر ، وذلك ان كان محل ضرر لمحور الممانعة، فهو يوفر لحزب الله وحتى ايران ان تكون حاضرة وفاعلة في لجم التداعيات على موقع الحزب.
اذن حزب الله ليس في موقع الانكفاء نحو الداخل اللبناني في ظل ما يعتبره استهدافا له، سواء على صعيد دوره العسكري والامني فضلا عن السياسي والاقليمي، وهو لا يعاني ازمة اخلاقية فيما يشاهد من حصد لارواح السوريين بدم بارد. والى ذلك ايضا لا يولي التحديات اللبنانية بالا اذا كانت ستحد من دوره الاقليمي، وتقيد حركته على هذا الصعيد. لكن امتحان ارتخاء القبضة السورية عن لبنان، بسبب ما يجري، سيفرض مسارا جديدا.
فتصدع الدور السوري اقليميا بدأ يلقي بظلاله لبنانيا وفلسطينيا، وما جرى في مخيم اليرموك من انتفاضة شعبية ضد احد اهم الاذرع السورية في المخيمات الفلسطينية، "القيادة العامة"، بسبب تظاهرة النكسة الجولانية، صورة مكبرة لما عبر عنه الكثير من اللبنانيين ولا سيما الجنوبيين منهم الى جانب اكثرية الفلسطينيين في لبنان، من رفض او عدم حماسة لتكرار مشهد يوم النكبة في مارون الراس. والثابت ان عموم الفلسطينيين واللبنانيين لا يريدون ان يكونوا ورقة رخيصة في يد النظام السوري، يستخدمها حين يشاء ولحساباته الدموية الخاصة في وجه اسرائيل.
يستدرج هذا المثال، لبنانيا، اسئلة حول موقع المقاومة ودورها، فمع ارتخاء الخاصرة اللبنانية الشرقية – الشمالية، لن يوفر خطاب المقاومة الذريعة الملائمة لتبرير الواقع المتهالك، وذلك نحو مزيد من التفسخ في بنيان الدولة ومؤسساتها. وسيفتح الباب امام اسئلة المقاومة، ليس من باب المزاودة الفارغة، بل من زاوية تحصين المجتمع والدولة.
فاللبنانيون عموما والشيعة خصوصا، لا يستطيعون التسليم برؤية مسقطة على رؤوسهم في حماية المجتمع والدولة. مجتمع منهك بأثقال الفساد المستشري، والفلتان الميليشيوي المتحكم بالبلاد والعباد، الى جانب ظاهرة التعديات على الاملاك العامة، وغياب المحاسبة،(اليست هذه من فتائل الثورات في الدول العربية؟) وانهماك العديد من اصحاب السلطة "المحرومين" وحتى "المستضعفين" بكنز الثروات وسرقة الاملاك العامة الى الحد الذي بات ما يسمى "الاقطاع" في الذاكرة الشيعية محل ترحم على سيرته.
ارتخاء القبضة السورية يفتح الباب امام اعادة التفكير مجددا بلبنان الدولة، تفكير لا يقتصر على الجانب الشيعي فحسب، بل يتعداه الى لبنان عموما، وارتخاء القبضة السورية لا يعني بطبيعة الحال غلبة 14 آذار، بل سيفتح الباب على أفق جديد بالضرورة، يفرضه التغير الحاصل في سورية. افق مفتوح على الحد من استخدام سلاح التخويف المذهبي او الطائفي، واعادة طرح القضايا الوطنية الاساسية على وتر الثورات العربية، على ايقاع المحاسبة التي جرى تغييبها ليس في الموازنة العامة فحسب، بل في كل الشؤون العامة.
إستخدمت الشعارات الكبرى وسيلة لمصادرة الحقوق الطبيعية للناس، ولحماية المفسدين في البلد. وازاء هذا التحول الذي تتحسسه القوى السياسية، يمكن ملاحظة ان الرشوة و"العصبية" هما سلاحا المسؤولين للجم انفجار الاوضاع الاجتماعية في وجوههم. اما في المسألة الشيعية، فثمة ما يؤشر الى ان ما جرى من تداعيات مارون الراس وفي تعامل الثنائية الشيعية في قضية الاملاك العامة، وما يصيب البيئة الشيعية من فوضى وصولا الى الانتفاضة الشعبية في سورية، يجعل الشيعة اكثر تحسسا لانتمائهم الوطني ولضرورة الدولة، ولتراث عريق ينتمون اليه جعلهم منحازين الى كل مظلوم في وجه كل ظالم ايا كانا الظالم والمظلوم.
لن تكون الاحادية الشيعية في منأى وحماية بعد التغييرات السورية، وربما العجز عن تشكيل الحكومة، رغم الأكثرية النيابية، إحدى أولى الإشارات، والتاريخ يؤكد أن ثمة قوى جديدة ستولد قريبا في هذه البيئة وسواها من البيئات.
 

السابق
تركيا تحتوي المعارضة في سورية وإيران تنقل نفوذها الى لبنان
التالي
السياسة: “الباسيج” يتولون قنص المدنيين في سوريا وينشرون الرعب في الشوارع