سقوط التفاهم أمام عقدة التصلّب

 سألوه مرة: لماذا ربحت الحرب الكونية الاولى، وخسرت انتخابات مجلس العموم البريطاني؟
ورد ونستون تشرشل: لقد ربحت الحرب، لان العالم كله او معظمه وقف ضد الغزو الهتلري. لم يهضم احد في العالم، ان يحتل هتلر جزيرة نائية عن بلاده، وان تخسر الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عن اراضيها، انجازاتها الدولية.
الا انه استدرك: اما كيف خسرت انتخابات مجلس العموم البريطاني، فهذا شأن داخلي، وقد يكون البريطانيون على خطأ، وقد يكونون على صواب، لكنه قرار داخلي، والحق في الخطأ، مثل الحق في الصواب.
هكذا، تقبل السياسي العجوز، هزيمته الانتخابية، بعد انتصاره في الحرب العالمية الثانية على ابواب مستقبله السياسي.
الا ان اللبنانيين، لا يتقبلون بقاءهم خمسة اشهر من دون حكومة.
وللمرة الاولى في حياتهم يشعرون ان الطريقة التي اسقطت فيها الاقلية المعارضة، الاكثرية الحاكمة، طريقة دستورية، لكنها غير ديمقراطية.
ويعتبرون ان اخراج سعد الحريري، من الحكم وهو في أوج تألقه عالميا، كان مؤامرة سياسية اكثر منه مغامرة حزبية. ولذلك، فقد شعر نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري ان والده استشهد مرتين، مرة لدى اغتياله، وهو يشق طريقه بين البرلمان وقريطم، ومرة عندما جردوه من السلطة، وهو يدخل الى البيت الابيض الاميركي، للاجتماع الى الرئيس باراك اوباما، وحضر من واشنطن الى باريس، وعرج على نيويورك لعيادة الملك عبدالله بن عبد العزيز، ليقطف جنى عمره السياسي، هزيمة حكومية مغطاة بمظاهر دستورية.
بعد قرابة خمسة اشهر على التكليف، تعذر تأليف الحكومة على الرئيس نجيب ميقاتي، وتكشفت نتائج باهتة لا باهرة في الميزان السياسي.
ويقول العارفون بالاسرار، ان الاكثرية الجديدة التي نشأت في البلاد، على انقاض الاكثرية الحكومية السابقة، لم تحسن التصرف بملك حصلت عليه، على غير انتظار. ذلك ان المعارضة السابقة لجأت الى اساليب مشكوك في نزاهتها، لتنزع السلطة من الرئيس سعد الحريري، وراحت تتصرف، وكأنها حصلت على الحكم، وحدها، لا بالتعاون مع افرقاء وقوى خارجية وداخلية.
والجميع او معظم الافرقاء، يدركون ان للتغيير الحكومي ثلاثة اسباب هي: احداث تجديد في الاصطفاف السياسي، وخلق اتفاق الدولة بديلا من الرهان على الوفاق السعودي – السوري، ونزع قسم من الاكثرية السياسية القائمة وضمها الى الاقلية السابقة لتصبح اكثرية جديدة.

ولو سارعت الاكثرية الجديدة الى خلق حكومة منها، مطعمة بوجوه تتمتع بالكفاءة والنزاهة، لكانت نجت بريشها كما يقولون. لكنها اضاعت الوقت المتاح للتأليف، بين شروط صعبة، امام الرئيس المكلف. وهذا ما جعل عملية التأليف تتعثر.
ويقول العارفون ان الاكثرية الجديدة بزعامة حزب الله وحركة امل و التيار الوطني الحر افاقت متأخرة على ما يعتبرونه مغالطات رافقت الشروط الوزارية على الرئيس ميقاتي، وابدت مرونة في التأليف، بعد فوات الوقت.
ويضيفون بانهم لم يفهموا معاني الانعطافة الجنبلاطية بالخروج من 14 اذار، الى الخيار الاستقلالي، لا الى 8 اذار، وما يشوبها من اخطاء تمرست بها خلال الحقبات الممتدة من اتفاق الطائف الى تسوية الدوحة.
وثمة خطأ ثان لم تحسب له الاكثرية الجديدة حسابا، الا وهو ان التغيير الذي حصل، مدينة في تحقيقه الى انتقال الرئيس ميقاتي، والى وزير الاقتصاد الوطني والتجارة محمد الصفدي والنائبين احمد كرامي ونقولا فتوش.
تركت الاكثرية الجديدة، الوقت ليلعب لعبته في سوريا، وانتقال حرب التغيير الى حماه ودير الزور، وامتداد المعارك وسقوط الشهداء، في معظم المناطق، لتدرك انها امعنت في التعقيد، وان المطلوب منها، اللجوء الى التسهيل لا الى التصعيب.
ويبدو ان ثلاثة امور تجاهلتها الاكثرية الجديدة، وهي: اولا الموقف القطري الذي كان الى جانب سوريا، والسعودية، في مرحلة الحوار بعد الخلاف، وعندما سقط التوافق بين الرياض ودمشق، سقط الوفاق العربي.
الثاني: الرجوع التركي عن التأييد المطلق لدمشق، ووقوفه، في منتصف الطريق بين السلطة السورية والمعارضة الممتدة الى معظم المناطق الحساسة وما ترتديه من نقاب مذهبي.
الثالث: زوال التأثير لسياسة الممانعة السورية للعدو الصهيوني. في اي توجه يرمي الى السلام المقنع بالقرارات الدولية.
وفي ذكرى نكسة العام 1967، اتضح ان سوريا، باتت تدرك ان الاصلاحات هي طريقها في السياسة، الى التصالح مع مختلف مميزات الشعب السوري، في النزوع الى الحريات.
ولعل اقدام الرئيس السوري بشار الاسد على تأليف لجنة حوار مع المعارضة، كان خطوة لا بد منها، للمصافحة اذا لم تكن للمصالحة. لان الحوار يمهد للوصل بعد طول انقطاع عن الحوار والى الكلام.
وفي رأي العارفين بالاسرار، ان اللعبة السياسية الان صعبة ومعقدة، لكن الرئيس الدكتور بشار الاسد مؤهل، لامتصاص الغضب السوري، من سقوط الضحايا بالعشرات.
بقي ان يعرف حلفاء سوريا في لبنان، ان عليهم الانحناء امام العاصفة، لانها اذا امعنت في الهبوب، اقتلعتهم من جذورهم. لان الواجب يلزم الجميع بالوقوف الى جانب النظام العلماني في سوريا، في وجه العاصفة الاصولية او المتعصبة، ضد القومية العربية والتفاهم في اطار التنوع، وهو الرمز الاساسي للنظام السوري، قبل وقوعه في عثرات جديدة. 

السابق
أطباء بلا حدود: 3 مراكز للنفس والجسد
التالي
ماذا ينتظر السياسيون ليتحركوا قبل انفجار البركان عندنا؟