نهاية فترة السماح !

ثمة مفارقة لافتة ومثيرة للعبر الساخرة في تقلبات المواقع والسياسة، اصطحبتها "أزمة الأكثرية" في أيامها الأخيرة. هذه الأكثرية تكابد في بعض جوانب صراعها مع الاختبار الذي رتب عليها ان تكون في واجهة قيادة الحدث الداخلي في هذه المرحلة بعضا مما سبق لقوى 14 آذار ان كابدته في مراحل سابقة كثيرة، اذ كانت ترمى بالجملة بتبعات خطوات او سياسات يتبعها طرف واحد فيها من دون قدرة لحلفائه على التنصل منها لو كانوا غير مقتنعين معه ضمنا.

شيء كثير من هذا لاح في الانفعال الذي غلب على التشبث بعقد جلسة لمجلس النواب بدت اقرب الى مكاسرة شخصية اكثر منها الى اي شيء آخر. ولأن لبنان مفطور على هذا الحجم الساحق من الشخصنة السياسية التي تنتهك الاصول، يمكن تجاوز الامر بحد ادنى من "العلاقات العامة" القسرية او الطوعية. لكن ما يستحيل تجاوزه بعد وقعة الجلسة الفاقدة النصاب هو ان تسقط الاكثرية في انفعال ادهى هذه المرة وهو ان تكون وضعت نفسها في مرتبة مكاسرة مع نفسها من دون ضمانات حاسمة في الذهاب الى نهاية المطاف تماما.

واقع الحال أن أقل ما رتبته عملية احتواء انفراط الأكثرية على قواها هو ان تمضي الى استيلاد الحكومة مهما كان الثمن لان دون ذلك سيعني فتح مسارب الاحتمالات الجذرية المعاكسة تماما لكل المعايير المعتمدة في تأليف هذه الحكومة. وقد غامرت قوى الاكثرية فعلا في تصوير المعنى "الشخصي" وإبرازه الى صدارة الاسباب الساحقة والحاسمة التي تحول دون تفريج ازمتها ومعها الازمة الحكومية ومن خلالهما ازمة البلاد، بما يعني تقنين الازمة وتحجيمها الى مجرد "تواصل شخصي" كان مفقودا، ومع حصوله انفتحت ابواب الانفراج. لذلك لن تكون فترة السماح المتاحة امامها اكثر من ساعات او ايام قليلة فقط. لكن بعد ذلك سيكون الامر في منقلب خطير، هو انكشاف ما يتجاوز الانفعال بلحظة الخشية على انفراط عقد الاكثرية الى الغلاف الاوسع الذي يشي هذه المرة بالازمة الصامتة المعتملة بعمق والمتصلة بتحولات ضخمة تتجاوز الحدود. مع اقتراب ازمة التأليف من طي شهرها الخامس لن يكون انتصارا مدويا ان تولد حكومة في لبنان، ولكنه قطعا لن يكون حدثا عاديا وسط نيران الشرق
الاوسط والعالم العربي. وسيتعين على الاكثرية ان تدرك تكرارا مغزى "التوقيت الذهبي" الذي لا يزال بابه مفتوحا امامها، وانما هذه المرة من دون فترة سماح اضافية. فبمعزل عن كل الاسباب الخارجية الماثلة بقوة في ازمة التأليف، أقدمت الاكثرية بنفسها البارحة على "دحض" الاسباب التخفيفية والتبريرية بما يمنعها بعد ذلك من الاحتماء او العودة الى هذا المخبأ الجاهز لتبرير اخفاق جديد. وما دامت ادبيات العودة الى "حكومة ائتلاف وطني" او ما شاكلها معدومة تماما حتى الآن، فأقل ما وضعت الاكثرية نفسها في "أسره" هو ان تعلن حكومتها بقرار "استقلالي" ناجز يعيد البلاد الى اختبار الانضباط بالأصول!

السابق
النهار: السفيرة عساكر تطالب من جنيف بشمول التحقيق اختفاء الصدر
التالي
اللواء: سليمان يلتقي الصفدي ووهبي والنواب السابقين ودعوة للمشاركة بقداس مار شربل