موضة “بتنذكر وبتنعاد”

عندما تتكلم عن الستينات ستفكّر على الفور بالفساتين القصيرة الأنيقة، برقصة التوسيت وبصالات السينما الممتلئة شباباً وحياة. أما إذا شاهدّت أيّ فيلم مصوّر من فترة الثمانينات فلا يمكن لعينك إلا أن تلاحظ الغرّة المرتفعة من على جبين السيدات والآنسات اللواتي يرتدن المعقول وغير المعقول من الكشكش، السراويل المرتفعة حتى الاختناق، والألوان السبعة جميعها مجتمعة في فسيفساء غريبة الأطوار. وبعيداً عن لبنان الذي كان يعاني من حروب أهلية في تلك الفترة، عاشت البلاد الأخرى حروبا من نوع آخر. مايكل جاكسون ومادونا يسيطران على عالم "الواكمان" ومحلات بيع الأشرطة، إنه زمن الكاسيتات، الحواجب الكثيفة والثورات الاجتماعية الهوجاء، إنها فترة "فشّة الخلق".. إنها الثمانينات.

جيل تلك الحقبة أدرى بمظاهرها، هم من يتذكّرون بحنين وندم في آن تلك المرحلة المتّشحة بالغرابة، كلٌ على طريقته وحسب ما مرّوا به من تجارب "ثمانينية". فماذا يتذكّرون من تلك المرحلة؟ وماذا تعني لهم.

جورج وهو من جيل الثمانينات "البحت" كما يصف نفسه، يقول بأن تلك الفترة لم تكن صعبة بسبب الحرب وحسب وإنما من كل الجهات. هو يتذكر شكله: شعر طويل يصففه بنوع من الزيت "الدارج" في وقته، بنطال ضيق أو "لاصق" إذا صح التعبير.. والمشوار بالتأكيد إلى.. "الديسكو"، يشرح جورج مشيرا إلى أن سامانتا فوكس ومارادونا يتقاسمان جدران غرفته حتى الآن.

سينتيا المتابعة دوماً لتغيرات الموضة، تذكر تفاصيلاً يعاد طرحها في الأسواق على أنها موضة هذه السنة. تقول: "الموضة تعيد نفسها كالحزام العريض فوق الملابس، الكروشيه الدارج هذا الموسم، والسراويل الضيّقة وبخصرها العالي". لكن المشكلة في تلك الفترة حسب تعبيرها، هي المبالغة في كل شيء، فالضيّق كان مبالغا فيه ويُلبس في الوقت عينه مع الواسع، الملوّن والشكّ كلهم مع بعض، أما الآن فإن العناصر "تدرج" من جديد، ولكن باعتدال.

تصف سينتيا شكلها في تلك الفترة. هي لا تنسى الغرّة المرتفعة والتي كان يطلقون عليها إسم "البونجور"، تقولها ضاحكة بكل قوة ، تتذكّر بأن داخل محل تصفيف الشعر كانت جميع الفتيات تشبهن بعضهّن، وكانت تتنافس هي وصديقاتها بمن ستعلّي غرّتها أكثر. تعود بها الذاكرة إلى أيام الجامعة وتقول بأن هاتف البيت المحمول كان من عناصر الرفاهية، ولكنها لا تنسى الهاتف بالأرقام "المبرومة" حيث كانت عملية طلب الرقم، مع الأخذ بعين الاعتبار إعادة الطلب والخطأ في طلب أيّ رقم، عملية صعبة ومتعبة. ما زالت تحتفظ ببعض قطع الثياب من تلك الفترة وأهمها "فستان أبيض كشكش" كان "دارجاً" جداً في تلك الفترة، وقد خاطته في وقتها بعد أن شاهدت الممثلة كيم بايسينغر وهي ترتدي واحداً مشابهاً، وقد كانت من أشهر الممثلات حينها.

تحتفظ سينتيا أيضا بجميع الصور التي تذكّرها بتلك الفترة، وهي من روّاد سهرات الثمانينات التي تقام اليوم، لأن الموسيقى لم يأت مثلها، حسب وصفها، ولأن الذكريات معلّقة هناك، على حائط الماضي الجميل.

لعلي، 48 سنة، قصة أخرى مع تلك الفترة الغريبة، فهو يحبّها جداً، لان الأسعار كانت مقبولة والعيشة كانت أفضل من الآن، أما من ناحية الموضة فهو يراها مقبولة بعض الشيء. يخبرنا علي بأن جميع سراويل الجينز خاصته كانت ممزقة، لأنه كان "الجغل" في وقتها. الشعر الطويل والذي درج منذ سنتين كان الموضة الأبرز في الثمانينات، كان يملك "ستيريو" كبيرا، ولسماع الموسيقى على الطريق كان يضعه على كتفه ويسمع الموسيقى وهو يتمشى، مشهد لا يفارق ذكرياته أبداً. واليوم، على "الآيبود" الخاص به، مجموعة كبية جداً من أغاني تلك الفترة، وإن وصفه أصدقائه بالمتأخر موسيقياً فهو لا يبالي. يسمعها طوال الوقت، لأنها موسيقى أجمل أيام عمره، كما يقول.

أما حنان، وهي لا تتجاوز الـ25 من عمرها، فتعرف الثمانينات عبر موسيقاها الرائعة كما تصفها، فأغاني مادونا وكايلي مينوغ وغيرهم ما زالت مطلوبة حتى اليوم في السهرات، وقد نظّمت هي منذ سنة سهرة ثمانينات رقص الجميع فيها، حتى الأجيال الجديدة، على موسيقى "ثريلير" الشهيرة لمايكل جاكسون وغيرها من الأغاني.

حنان تعشق بعض التفاصيل الصغيرة من موضة الثمانينات، كالبوتين الطويلة فوق السروال، و"الحلق" المبروم الكبير الذي عاد ودرج. لكن السراويل العالية الخصر هي كارثة كبيرة حسب وصفها، فهي تظهر تفاصيل الجسم وتعرّضه. تقول ساخرة "اشكر ربي لأنني أعيش في عصر السراويل المتدنية الخصر، والأيبود".
وتضيف حنان بأن للثمانينات جماليتها كجميع الفترات، فهي المرحلة التي مهّدت لمرحلة التطوّر التكنولوجي، لذا كانت ضرورية. وإذا خيّرت بأن تعيش مرحلة سابقة فهي لا تختار الثمانينات أبداً وإنما الستينات وأوائل السبعينات، عصر الرقي والجمال والأناقة الكلاسيكية. أما في الأفلام، وهو مجال اختصاصها في الجامعة، فتقول حنان بأن المجد كله حصدته فترة السبعينات مع سلسلة أفلام خالدة كـ"غريس" و"إتي"، أما الثمانينات فقد كانت سيئة جداً من حيث نوعية الصورة والمواضيع المطروحة. أما موضة الشعر، فتعلّق عليها بالجملة التالية: "تنذكر وما تنعاد"، فهي لا تتحمّل بأن ترى نفسها منكوشة الشعر لكي تكون على الموضة.

السابق
إعتصام اليازا رفضا للموت على الطرقات
التالي
إعجاب الشباب بالنجوم:هوس يتجاوز المنطق