ماذا يريد الغرب من سورية؟

في 1 آب دخل غورو الى دمشق وتوجه الى قبر صلاح الدين الايوبي، وخاطبه: «يا صلاح الدين انت قلت لنا إبان الحروب الصليبية أنكم خرجتم من الشرق ولن تعودوا اليه وها أننا قد عدنا، فانهض من قبرك لترانا هنا في سورية».
يمثل كلام غورو حقداً غربياً دفيناً ضد سورية، حقد لم تمحه مئات القرون. ويلتقي معه حقد يهودي يعود لأكثر من ألفي عام مدوّن في النص التوراتي بسيل من الشتائم واللعنات ضد دمشق وبابل وكنعان ولبنان والعديد من المدن والحواضر.

حرب الغرب ضد سورية بدأت منذ أكثر من قرنين مع الرحالة والمبشرين ومع الغزو الاقتصادي والثقافي وتدخلات القناصل بحجة حماية الأقليات الدينية والاتنية. ووصلت ذروة هذا التدخل خلال الحرب العالمية الأولى، باتفاق تقسيم سورية الى دول عدة، واعطاء اليهود وعداً بمنحهم فلسطين (سورية الجنوبية)، واحتلالها بعد انتهاء الحرب الأولى تحت مسمّى الانتداب.

انخدع كثير من المثقفين والسياسيين آنذاك، بقيم الثقافة الغربية، التي تنادي بالحرية والعدالة والاخاء والمساواة والديمقراطية والانسانية ودولة القانون. وتعاونوا مع الغرب ظناً منهم أنهم بذلك يحققون تحرير بلادهم والنهوض بها.
لكن ثبت بالدليل القاطع أن الغرب لا يؤمن بأي قيم انسانية تتجاوز نطاقه، ولا تحركه دوافع دينية ولا دوافع أخلاقية، يتحرك فقط من خلال مصالحه وأطماعه في الهيمنة والسيطرة.

إذا كنا نجد بعض العذر للمثقفين المخدوعين بقيم الغرب آنذاك، فلا مجال لأي عذر لمثقفي وسياسيي الحاضر المنساقين بسياسة الغرب، ولا يمكن اتهامهم بالانخداع، انهم ببساطة ووضوح عملاء صغار.
استخدم الغرب ولا يزال يستخدم الدوافع والغرائز الدينية والعصبيات المحلية خدمة لمصالحه هو وليس لمصلحة أي جماعة أخرى.

لم يرد الغرب أن يرانا شعباً وأمة، فنحن بنظره مذاهب وطوائف وعشائر وإتنيات، ويحاول الإمساك بهذه الجماعات، كل جماعة بمفردها.

انتقال مركز الهيمنة في النظام الغربي من فرنسا وبريطانيا الى الولايات المتحدة الأميركية، لم يغيّر في قيم واهداف الغرب ولا في استراتيجيته، بل ازداد حدة وشراسة لأنه مدرك تماما أن الوقت لا يعمل لمصلحة استمرار هيمنته على شعوب المنطقة وعلى خيراتها ومواردها. وهذه هي النقطة الأبرز في استراتيجيته لاستمرار هيمنته وتفوقه ومنع صعود قوى عظمى منافسة على الساحة الدولية.

تاريخ الامبراطوريات قديماً وحديثاً يظهر أهمية السيطرة على الهلال الخصيب، (الذي يشكل عقدة الاتصال للعالم القديم أوروبا وآسيا وافريقيا)، لتأمين استمرار الامبراطورية واستمرار هيمنتها.
الغرب كاذب ومنافق وتاريخه القديم والحديث يفضح كل ادعاءاته، فهو لا علاقة له بالقيم الانسانية ولا بالقيم الدينية والأخلاقية ولا بحقوق الانسان.
لم يشهد التاريخ منذ بدايته وحتى اليوم مجرمين وإرهابيين مثل دول الغرب وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
فلتكف هذه الدول عن الكذب والخديعة وادعاء الحرص على الديمقراطية وحقوق الانسان.
ولينتبه المواطنون جيداً ولا ينساقوا بالاعلام الكاذب الذي يريد جرّهم الى الاقتتال المذهبي والطائفي والاتني والعشائري خدمة للمشروع الأميركي الصهيوني واستمرار هيمنة الغرب على حياتنا ومقدراتنا.
لينتبه المواطنون جيداً الى طريق الاصلاح الحقيقي ودعاته الصادقين المنطلقين من مفاهيم وقيم وطنية تعرف ماذا تريد وتعرف عدوها الحقيقي، ولا تصدق من يدّعي الاصلاح وهو مرتبط بالغرب وينسق معه ويتلقى دعمه وأوامره.
ماذا يريد الغرب الاستعماري من سورية؟
ماذا تريد فرنسا وبريطانيا وتركيا؟ هل يريدون استعادة ماض غير مشرّف، كنّا نراهن على تجاوزهم له؟
ماذا تريد أميركا من سورية؟ هل تريد تحقيق الاصلاح وإقامة الديمقراطية، وهي الوالغة في دماء ملايين الشهداء في العراق وفلسطين ولبنان والمصفقة بوقاحة للهمجية الصهيونية والرافضة لأبسط حقوق الشعب الفلسطيني؟
أي غبي وأحمق يصدق أن أميركا والغرب يريدون الخير لنا؟
ينقل فيليب حتي عن أحد المؤرخين: كل انسان في العالم يفتخر أن له وطنين بلده وسورية.
ويذكر توينبي في دراسته للتاريخ أن سورية ردّت على تحدي روما بالمسيحية وبالإسلام
رسالتين تجتمعان على الارتقاء بالقيم الانسانية والأخلاقية بعيداً عن التعصب والانغلاق والعنصرية.
اسهامات سورية في بناء الحضارة الانسانية لا تحصى باتجاهها العملي واتجاهها الروحي والأدبي.
سورية ليست رقماً يضاف في تعداد المجتمعات والدول.
سورية هي قيمة انسانية وأخلاقية وحضارية لذاتها وللعالم. انتصروا لها فتنتصروا لذاتكم وللانسانية. وهي حتماً ستنصر بما تمثل من قيم الخير والانفتاح وستنهزم كل قوى الشر وشياطينه في الداخل والخارج.

السابق
البناء: بعد سقوط الحلقة الأولى ..محاولات متجددة لزيادة الضغوط سياسياً ضد سورية
التالي
القوّات – برّي: مَعارك بالرصاص ..المَطاطي!