حزب الله وإيران.. من الذي يدفع الثمن؟

يحتفل حزب الله في لبنان لسنوات بـ«انتصاره» على العدو الصهيوني. وقد تم إحياء ذكرى ذلك اليوم الأسبوع الماضي في الجنوب الذي يسيطر عليه حزب الله.
الجديد في الأمر هو رواية أحد قياديي حزب الله عن كيفية نشوب الحرب وعن المسؤول عن العمليات التي قام بها التنظيم. هذا القيادي هو السيد هاشم صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، الذي وصفته صحيفة «كيهان» الإيرانية بأنه الرجل الثاني في حزب الله. وبحسب بعض المصادر اللبنانية، من المتوقع أن يكون صفي الدين، وهو ملا في الأربعينات من العمر، خليفة نصر الله. وأوردت صحيفة «كيهان» في عددها الصادر بتاريخ 31 مايو (أيار) خبرا عن اجتماع بين صفي الدين ووفد من قوات الباسيج شبه العسكرية المكلفة بحماية نظام الخميني. وجاءت زيارة الوفد إلى لبنان للمشاركة في الاحتفالات. وطبقا للصحيفة، صرح صفي الدين لوفد قوات الباسيج بأن فضل «الانتصار» يعود إلى آية الله علي خامنئي، «المرشد الأعلى» الإيراني. ونقلت عنه الصحيفة قوله: «من دون التوجيهات المباشرة والمستمرة لآية الله العظمى خامنئي وإشرافه، لم يكن ليستطيع حزب الله الانتصار على العدو الصهيوني وأميركا».

واستطرد القيادي بحزب الله قائلا: «ليس آية الله خامنئي بالنسبة إلينا مجرد زعيم، بل مثل أعلى في الحياة ورمز الصمود والمثابرة وأستاذنا ومعلمنا». وأخذ صفي الدين يؤكد، منذ البداية وحتى النهاية، أن القتال كان «تحت القيادة المباشرة لخامنئي وإشرافه». ويعني هذا أن خامنئي أعطى أوامره باختطاف الجنديين الإسرائيليين، وهو ما أشعل فتيل الحرب.

دائما ما كان يتخذ القادة الموالون للخميني في طهران الاختطاف واحتجاز الرهائن كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية داخل إيران وخارجها.

كلمات صفي الدين المداهنة التي وجهها لخامنئي ليست جديدة أو مفاجئة، فقد امتدح نصر الله في الماضي الملا الإيراني مستخدما أعظم كلمات الثناء. ويعيد تصريح صفي الدين للأذهان التوصيف الذي كان يطلق عليه، وهو ذراع نظام الخميني في لبنان.
تم تأسيس حزب الله في طهران عام 1975، أي قبل أربع سنوات من حكم الملالي.

ومن بين مؤسسي التنظيم: الملا هادي الجعفري وعلي أكبر محتشمي واثنان من «المتشددين» هما عباس دوزدوزاني وعباس زماني. بعد تولي الملالي الحكم في إيران، قرروا افتتاح مكاتب له خارج إيران. عام 1982 تم تعيين محتشمي سفير الخميني في دمشق وصدرت الأوامر بتأسيس مكتب لحزب الله في سوريا ولبنان.

أوضح الرئيس السوري حافظ الأسد أنه لن يسمح بإنشاء مكتب لحزب الله في سوريا، لكنه وعد بمساعدة إيران في تأسيس مكتب للحزب في لبنان.

بداية من عام 1984 خصصت الحكومة الإيرانية بندا في ميزانيتها لـ«نشر الثورات في الخارج» بمعنى أنها تمول تنظيم حزب الله ومكاتبه في 17 دولة، فضلا عن جماعات أجنبية أخرى تعمل لحساب طهران. وكان لدى وزارة الخارجية الإيرانية، حتى عام 1998، مكتب هدفه «تصدير الثورة الإيرانية». ما الجديد في زعم صفي الدين أن خامنئي كان يسيطر «لحظة بلحظة» على حزب الله على الأقل خلال الحرب مع إسرائيل؟
يعني ذلك أنه يمكن لزعيم دولة أجنبية أن يزج بلبنان إلى حرب بكل ما تؤدي إليه من عواقب دون استشارة الحكومة اللبنانية التي تتمتع بالشرعية. ويؤكد تصريح الملا اللبناني مزاعم البعض بأن حرب 2006 كانت في واقع الأمر حربا بالوكالة شنتها إيران ضد إسرائيل. لقد تم استغلال لبنان كقاعدة عمليات، والشعب اللبناني هو الذي دفع الثمن من دمه وأمواله في نهاية المطاف. وتاريخ لبنان حافل بالأمثلة على الأحزاب والأطراف السياسية التي كانت على علاقة وثيقة بقوى خارجية. وتعتبر مصر، إبان حكم عبد الناصر، والعراق، إبان حكم صدام حسين، وليبيا، إبان حكم معمر القذافي، وبطبيعة الحال سوريا وإسرائيل، من بين تلك القوى الخارجية التي استخدمت لبنان كساحة للحروب بالوكالة.

لكن لم تكن أي من تلك الحروب تدار «بقيادة مباشرة» من قوة خارجية. وكان لإيران نفوذ في لبنان على مدى سنوات كثيرة من خلال الشيعة، فقد أرسلت حكومة الشاه الإمام موسى الصدر، الملا الذي يتمتع بقبول لدى الناس، من أجل تنظيم الشيعة في لبنان والتصدي لليسار الذي ينتشر بين الطبقات المحرومة والمهمشة والمساعدة في مقاومة ضغوط الفلسطينيين الذين كان يقودهم ياسر عرفات.

وسرعان ما ظهرت «حركة المحرومين» التي أسسها الصدر بحسب توجيهات طهران. وبمجرد أن أوجد الصدر لنفسه مكانا بارزا في لبنان، امتنع عن إرسال تقارير إلى طهران، ثم أصبح من معارضي نظام الشاه فيما بعد، وأقام تحالفا مع الرئيس الليبي معمر القذافي انتهى نهاية مأساوية باغتياله على أيدي الليبيين.

ويرى «خبراء» لبنانيون أن سعي الأطراف السياسية اللبنانية إلى الاستعانة بقوى خارجية ذات نفوذ أمر حتمي. وقد أوضحوا أن لبنان، باعتباره بلدا صغيرا وضعيفا محاطا بقوى معادية، لا يمكن أن يحظى بهوية خاصة به. ونتيجة لذلك تعتمد «كل طائفة» في لبنان في بقائها على دعم من ينتمون إليها في الدول الأخرى الأكبر. لكنني أرفض هذا التعريف؛ فأنا أعرف لبنان جيدا وتابعت ما مر به من تطورات منذ عام 1969، وهو العام الذي أجريت فيه، لأول مرة، مقابلة مع بعض قادته من بينهم موسى الصدر وتشارلز هيلو وعمر كرامي وبيار الجميل وتقي الدين الصلح وكمال جنبلاط وكميل شمعون. لقد كنت مقتنعا حينها بأن للبنان هويته وزاد اقتناعي منذ ذلك الحين.

كونت انطباعا بأن أكثر الشيعة يدركون أن حزب الله يخدم المصالح الإيرانية أكثر من مصالح الشيعة، ناهيك عن لبنان ككل. لكن يحظى حزب الله بقبول لدى الشيعة لثلاثة أسباب. الأول: أن حزب الله يمتلك أسلحة وأموالا كافية ليفرض نفسه على الساحة ويمنع ظهور أي بديل من داخل الشيعة. السبب الثاني: أن حزب الله يقدم خدمات لا تستطيع الحكومة اللبنانية تقديمها للشعب بفضل الأموال المقبلة من إيران. أما السبب الثالث فهو نظر شيعة لبنان لإيران باعتبارها الضامن الوحيد لأمنهم؛ لذا لا يرغبون في هدم الجسور التي تربطهم بطهران أيا من كان الذي يتولى السلطة بها. ومن الأمور التي تمثل مفارقة: مخاطبة صفي الدين للبنانيين بقوله إن الخسائر في الأرواح التي بلغت 2000 وفي الأموال التي فاقت مليارات الدولارات مقابل لا شيء، ليست خطأ حزب الله، بل نتيجة لاستراتيجية خامنئي التي تتسم بالمجازفة.

السابق
القوّات – برّي: مَعارك بالرصاص ..المَطاطي!
التالي
الصحوة العربية أحرجت العالم