إعجاب الشباب بالنجوم:هوس يتجاوز المنطق

"في العام 1994 أعجبت بشريط أغان بعنوان "ورود الدار". منذ ذلك الحين قادني إعجابي بها إلى متابعة أدقّ همساتها التي سرعان ما تتسلّل من الأذن لتستقر بالقلب. هي ليست شمس الاغنية اللبنانية فحسب، بل شمس لبنان وفجر الحرّية. فمن يسمع مواويلها تعانق روحه السماء، وتبتسم له الحياة". بكلمات تنضح حنانا يطيب لأحمد صيداوي (25 عاما) التحدث عن إعجابه بالفنانة نجوى كرم. قد يعتبر بعضهم أنّ قصة صيداوي "حالة استثنائية" أو قد يصفها "بالشواذ"، إلا أنها، في الواقع، تعكس ظاهرة اجتماعية، تخفي في طيّاتها آلاف الروايات لشبان وشابات بلغ إعجابهم بفنانين وفنانات حد الولاء، وشكّلوا مجموعات تعرف بالـfans.

نجوى كرم… مدرسة

ما يزيد في تعلّق صيداوي بالفنانة كرم، اللقاءات المتكرّرة التي جمعته بها بعيدا من الأضواء، فيوضح: "لا شك في أنني لا أفوّت أي فرصة لمتابعتها مباشرة وهي تتماوج كالحورية على خشبة المسرح، إلا أنني ألتقيها بين وقت وآخر في مكتبها، ضمن جمعة مخصصة للمعجبين". ويتابع بكل حماسة: "لا أتردد في الفرار من عملي للقاء السيدة نجوى في ما لو كان الموعد يتضارب مع وظيفتي". ويضيف: "بحكم طبيعة عملي، أحلم بأن يأتي يوم قريب وأصفّف لها شعرها".

خصال متنوعة تعلمها صيداوي من نجوى، فيقول: "هي إنسانة متواضعة، معطاء إلى أقصى الحدود، لا تغترّ بشهرتها، ولا تبهرها الأضواء. كما أنّني تعلمت منها القوة، التحدي والمثابرة في الحياة، فهي إنسانة اشتغلت على نفسها وضحّت كي تبلغ ما هي عليه اليوم".

في هذا السياق، يلفت صيداوي إلى أنّ الانتماء إلى فنان أفضل "ألف مرة من الولاء لزعيم سياسي، الذي سرعان ما ينسى من أوصله إلى المنصب الذي بلغه". إلا أنه لا ينكر، في الوقت عينه، أنّ المناكفات بين الشباب موجودة في أي مكان، فيوضح: "أخيرا، تملأ الغيرة معجبي الفنانة إليسا لأن نجوى على صداقة متينة بهيفا وهبي. لذا، بين وقت آخر يرتفع السجال بين المعجبين على صفحات الفايسبوك".

رامي عياش أكثر من فنان

إلسا فغالي (21 عاما) واحدة من أشد المعجبين بالفنان رامي عيّاش، منذ أكثر من سبع سنوات: "أمر جميل أن تبدأ علاقتك بفنان لمجرّد إعجاب به عبر شاشة التلفاز، ومع الوقت تتطوّر لتصبح صداقة ولقاءات متكررة". بشيء لا يخلو من الغبطة، تتحدث إلسا عن طبيعة الفنان رامي "الشببلكية"، مثنية على روحه الطيّبة وتقديره للمعجبين، فتقول: "لا يكفي أن تعرف الفنان عن بعد وتعجب بصوته، لا بد من أن تقترب لتكتشف جمالية نفسيته، وهذا ما اختبرناه مع رامي الذي علّمنا التواضع والمثابرة على الصلاة والإيمان". وتضيف: "إكتسبنا من رامي أن الإنسان مهما علا شأنه يجب أن يبقى قريبا من الله".

وتثني إلسا على حرص رامي على إشراك معجبيه في تحضيراته الفنية التي يقوم بها: "غالبا ما يهتم رامي برأينا في ما يحضّره وراء الكواليس قبل أن يصدر إلى الأسواق. مرات عدّة يسمح لنا بمتابعة تصوير فيديو كليباته، للاستماع إلى وجهة نظرنا". وتضيف: "اللافت في الأمر أن رامي لا يبخل علينا باهتمامه. يوم دخل والدي المستشفى كان أوّل المتصلين ليعرض مساعدته، ويضع إمكاناته في خدمة أسرتي".

نانسي… إختصار للفن

من جهتها، تعتبر جويل عون (19 عاما) "أن الفنانة نانسي عجرم بصوتها العذب تختصر الفن في لبنان. لذا، لا حاجة إلى الاستماع لغيرها متى كان المرء يبحث عن كلمات تعشقها الأذن". علاقة وطيدة تجمع جويل بالفنانة نانسي، فهي تنتظر على أحرّ من الجمر اللقاء المخصص بالمعجبين، "نانسي أكثر من فنانة، فهي سيدة لبقة، لائقة، تحترم الآخرين، ولا تبغي السوء لأحد، ولا تسمح لنا بالتصادم مع معجبي فنانين آخرين".

على رغم الانتقادات التي تسمعها جويل من بعض المحيطين بها والمجتمع، نظرا إلى الحرص الكبير الذي تبديه في متابعتها لأعمال نانسي، تؤكّد "أنّ ذلك لن يقدّم أو يؤخّر. ما نقوم به ليس "صغر عقل"، كما يعتقد بعضهم، أو "هوس" نتيجة نقص في مكان ما، بل هو نوع من التعبير عن الاهتمام وإعجاب بالفنانة المفضّلة".

وسط ذروة انشغالاتها بين متابعتها تحصيله الجامعي وانتمائها الحزبي، تجد جويل وقتا تخصصه لمتابعة نانسي، فتقول: "إذ لزم الأمر نهرب من الجامعة، ونعطّل أشغالنا مقابل تمضية الوقت بالقرب منها. شوفة نانسي بتسوى الدني كلها".

رأي علم النفس

تعتبر الاختصاصية في علم النفس العيادي والمعالجة النفسية كارول سعادة، "أنّ الإنسان في طفولته يبحث عن التمسّك بمثال يقتديه، فيشكل الوالدان هذه الصورة المثالية. وفي المراهقة، يختبر المرء مرحلة من الرفض والانقلاب على كل ما كان متمسكا به. لذا يعود للبحث عن صور جديدة ونماذج أخرى يحذو حذوها". وتتابع موضحة: "عادة يوجه المرء خياراته تبعا لاهتماماته السياسية، الفنية وغيرها وفق البيئة التي يعيش فيها".

في هذا السياق، توضح سعادة "أنّ المسألة طبيعية، ولا تستدعي الخوف أو القلق ما لم تخرج عن إطارها الطبيعي. لكن متى بدأ إعجاب الشاب بفنانه المفضل يؤثر في نمو شخصيته، والحد من استقلاليته، على نحو من الهوس، حينها لا بد من التنبّه". وتضيف: "حجم التعلق بالآخرين يحدّ من هوية الشخص وقد يفقده جزءا من شخصيته. لذا، لا بد من التمييز جيدا بين الإعجاب بالفنان أو الغرام به إلى حدّ الإدمان".

أما عن خلفيات هذا التعلق، فتوضحها سعادة: "بحثا عن القدوة أو الأمان أو السعادة أو الطمأنينة… لا يمكن حصر الأسباب، لكن، نحن كشرقيين، عاطفيون، نميل إلى التعلّق والتأثّر بالآخرين". وتضيف: "ربما قد يسعى المرء من خلال تعلقه بفنان أو بأي شخص آخر، لإخفاء مشكلات نفسية يعجز عن حلها فيجد مهربا في هذا الإعجاب".

مع انطلاقة المهرجانات الصيفية، وبدء فقدان بطاقات التذاكر، تبرز بوضوح ظاهرة تعلّق الشباب بالفنانين الذين يتحملون مسؤولية كبيرة، نظرا إلى طبيعة البصمات التي يتركونها في شخصية المعجبين بهم. لكن على حد تعبير سعادة: "لو كانت توكل مهام ريادية وأدوار قيادية لأبناء هذا الجيل، لكانت اهتماماتهم تبدّلت، ولم نكن لنراهم ملتحقين بفنانين أوتابعين لسياسيين!"

السابق
موضة “بتنذكر وبتنعاد”
التالي
لقاءان لبنانيان ـ فلسطينيان في صيدا