قبل أن يفوت الأوان.. ويندم بشار

قياسا بطبائع السن الشبابية وبنوعية النظرة إلى الحياة وأسلوب التعامل مع الآخرين وكذلك الوقوف على تقاليد مجتمعات تنبذ العنف وتؤمن بالديمقراطية وفقا لقاعدة الحق والواجب من جانب الفرد مواطنا عاديا كان أو مسؤولا، ووفقا لمبدأ الثواب والعقاب يبدأ على من هم في القمة ويصل إلى بقية عباد الله… قياسا بهذه الأمور وغيرها كثير، فإن من المفروض المأمول في الدكتور بشار الأسد أن يكون منتميا إلى الجمهور العريض الذي يطالب بالتغيير والحياة الكريمة وبسلطة القانون المتجرد بديلا لسلطة الأمن المتجبر.

وفي تقديرنا أن الترحيب الشعبي السوري والعربي عموما بتوليه الرئاسة كان على الأساس الذي نشير إليه. فهو شاب فيما الأنظمة العربية محكومة بقيادات طال مكوثها وتكدست أخطاء إداراتها السياسية واتسعت مساحة الفساد والإفساد، ولأنه شاب لا يمكن أن تكون عقليته مثل عقلية شياب حكام كثيرين، أي بما معناه أنه سينهج نهج التغيير نحو الأصلح في الحد الأقصى أو مباشرة التصحيح خطوة خطوة تفاديا للصدمات وربما للمفاجآت. وعندما يفعل ذلك في سوريا فإن حكاما كثيرين سيحذون حذوه كي لا تقول شعوبهم إننا نريد من حاكم وحكومات وبرلمان بلدنا ما يحدث في سوريا.

الذي فاجأ أبناء الأمة أن الدكتور بشار بعدما بات رئيسا لم يعتمد المأمول منه، لكن نوعية حياته الخاصة وإطلالاته العفوية على الناس في مطاعم أو مناسبات ذات طابع اجتماعي، وكذلك مشاركة زوجته في نشاطات علمية، تركت انطباعا مفاده أن هذا الرئيس الشاب يستحضر بعض ما رآه واكتسبه وعاشه خلال إقامته في لندن فيحاول أن يراه سائدا في سوريا. لكنه يجد على ما يجوز الافتراض نفسه متجاوبا مع التنظير الأمني الذي يقوم على التحذير مما هو أعظم، مع أن مبدأ الثواب والعقاب وفق سلطة القانون تغني عن هذا التنظير. أليس الذي حدث على سبيل المثال للرئيس عبد الناصر في مصر تأكيدا لما نقول؟

عندما بدأت رياح التغيير في تونس افترضنا أن الرئيس بشار سيعيد النظر في أمور كثيرة وذلك على أساس أن واقعة بسيطة حدثت جعلت الهيلمان الأمني لحكم الرئيس زين العابدين لا يشكل الردع للانتفاضة الشعبية. كذلك افترضنا أن الاحتكار العائلي للمكاسب والمناصب لا يشكل درعا للألوف الغاضبة التي نزلت إلى الشارع. وبعد الموقف الذي اتخذه الجيش في تونس بات واضحا كل الوضوح أنه حتى الجيش في أكثريته بات يضيق ذرعا بالحاكم وأنه فقط في حالة انتظار للسبب الموجب البعيد عن الصفة الانقلابية لكي يعبر عن ضيقه. ثم جاءت الانتفاضة وحقق الجيش مبتغاه: ليس شريكا في الانتفاضة لكنه في الوقت نفسه ليس حاميا للحاكم. وفي لمح البصر بات زين العابدين، الذي مارس من القهر للزعيم السلف بورقيبة ولسياسيين رجال دولة محترمين مثل محمد مزالي، خارج البلاد غير مأسوف عليه ولا على الحزب الذي وظفه كغطاء لزعامته وليس من أجل خدمة البلاد والعباد.

وعندما عصفت رياح التغيير بالنظام في مصر افترضنا أن الرئيس بشار، الذي لم يتأمل بما فيه الكفاية ما جرى في تونس، ستكون الحالة المصرية أمثولة من مصلحته التأمل في كل نواحيها لا أن يقتصر التأمل على نظرة كيدية إلى حد ما، كأن يقال في سياق تنظيرات بعض المحيطين بالرئيس بشار إن الذي جرى في مصر هو بما معناه وضع السياسة العربية لمصر على السكة نفسها للسياسة السورية. وهذا يعني أن المشكلة في سوريا لا تتجاوز ما لخصه عبد الله الدردري نائب رئيس الوزراء عشية اليوم الخامس للتظاهرات المستمرة في درعا بالقول «إن مطالب المواطن هي مطالب بسيطة فهو يريد زيادة الرواتب والعمل وأن يعامل بطريقة لائقة في أي مؤسسة وأن تكون هناك شفافية في التعامل مع المواطنين». ثم أكدت ذلك في اليوم التالي الدكتورة بثينة شعبان التي أشارت إلى اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث ترأسه الرئيس بشار وانتهى إلى أن الرئيس في صدد محاربة الفساد ودراسة إنهاء العمل بقانون الطوارئ وإعداد مشروع لقانون الأحزاب وآخر للإعلام. وقرن الرئيس النية للإصلاح بإصدار مراسيم تشريعية تقضي بزيادة الأجور والرواتب والمعاشات وتعديل معدل الضرائب بحيث يتم رفع الحد الأدنى المعفى من الضريبة من الدخل الصافي.

لو كانت هذه هي المطالب التي يتطلع إليها السوريون بأمل إلى الرئيس بشار كي يحققها، لما كان هناك موجب للتطورات المؤسفة والدامية والتأديبية التي حدثت وبدا فيها منطق السلطة الأمنية والعائلية والحزبية متقدما على منطق النوايا البشارية، ولما كانت المطالب تستوجب غرفة عمليات عسكرية وإنما خلية أزمة، ولما كان اللجوء إلى الدبابات هو بديل اللجوء إلى لقاءات يدعو الرئيس إليها وتحت خيمة الوحدة الوطنية. ومن المؤكد أن هذه اللقاءات كانت ستنتج وفاقا يؤسس للعملية الإصلاحية، خصوصا أن بشار الأسد هو بحكم المنصب رئيس لكل السوريين وليس لحزب البعث الحاكم، فضلا عن أن التطورات التي سبقت الاضطرابات السورية، في كل من تونس ومصر، حيث الحزب الواحد هو الحزب الحاكم، أثبتت أن الحزب المستأثر يتهاوى في لحظة اتساع الغضب الشعبي ولا يعود يفيد الرئيس حتى إذا كانت الحال شبيهة بالظاهرة اليمنية حيث الرئيس علي عبد الله صالح يقاوم الأحزاب المعترضة بحزبه الموالي له والباقي على هذا الولاء حتى إشعار آخر.

يزداد المرء مثل حالنا تأملا في المشهد السوري ويلازمه الاستغراب كيف أن الرئيس بشار لا ينحاز إلى الذين رأوا فيه لجهة العمر الفتي والمعايشة خارج التقاليد الموروثة وبذلك لا يعود أسير مفاهيم من شأنها تعقيد الأمور وزيادة منسوب النزف. وقد نجد من يرى أنه قد فات الأوان، لكنني من الذين يرون أن لحظة صحوة كفيلة بجعل هذا الرئيس الشاب ينتقل من سرداب غرفة العمليات إلى التشاور تحت خيمة خلية أزمة يصغي فيها كثيرا ويأخذ بالحل الذي يبقيه رئيسا لكل السوريين وليس لحزب دون سائر الأحزاب وعائلة دون سائر العائلات وطائفة دون سائر الطوائف ودولة في المحيط الإقليمي دون سائر دول المنطقة وخاصة الدول الشقيقة. وبالتأمل العميق لما أصاب زين العابدين تونس ومبارك مصر وصالح اليمن ومعمر ليبيا وكذلك في المصير الذي انتهى إليه بن لادن، تتأكد حقيقة الحقائق، وهي أن في التفهم السلامة وفي العناد الندامة. ومرة أخرى نقول: لا بد من وقفة قبل أن يفوت الأوان.

السابق
العريس الاحتياطي!
التالي
قانون جديد للتعليم العالي