رأيان في غِياب سعد الحريري!

في أكثر الظروف حَراجة، يغيب الرئيس سعد الحريري عن لبنان. والمفارقة تكمن في أنّ سبب هذا الغياب يرتبط عضويا بالظروف التي تمرّ بها المنطقة، والتي يتأثّر فيها لبنان.

وليس سرّا أنّ خصوم الحريري يتمنّون عودته سريعا، وان حلفاءه بدأوا يضيقون ذرعا من الغياب الطويل، الذي سبّب برأيهم الكثير من التقصير في إدارة المرحلة الانتقالية التي يمرّ بها البلد، والتي كان يفترض فيها أن يكون الحريري في السراي رئيسا لحكومة تصريف الاعمال، قادرا، بحُكم الوجود المادي، على التصَدّي للأزمات، ومنها ازمة الاتصالات على سبيل المثال لا الحصر، وهي أزمة أظهرَت ان من قام بالمهمة فيها هم حُلفاء الحريري، فيما هو غائب كليّا عن الصورة.

ويتردد حلفاء الحريري في الإعلان عَلنا عن استيائهم من غيابه لأسباب عدة، منها ما يتصل بمعرفتهم بحقيقة المخاطر الأمنية التي تحيق به، والبعض منهم لا يريد ان يضغط باتجاه تحمّل مسؤولية عودة تتحول الى كارثة اذا ما اصاب الحريري اي مكروه، والبعض الآخر عاتب لأن المخاطر الامنية تتهدد الجميع وليس الحريري فقط، ولأن أركانا في 14 آذار ما زالوا محاصرين بالإجراءات المُشددة ذاتها التي ما زالوا يتبعونها منذ العام 2005 والى اليوم، لعلمهم أن الاسترخاء في الوقاية الأمنية، ولو لساعات، يمكن ان يكلف صاحبه الكثير، وبالتالي "الكل في الهَمّ الأمنيّ شَرقُ". لكنّ العذر الأمني لا يمكن ان يبرر الغياب الطويل الذي بات يؤثر في حركة 14 آذار، بحيث بدت وكأنها شلّت؛ فلا مبادرات ولا مواقف ولا اتصال بالقاعدة الشعبية، بل اختباء مستمر انتظارا لمرور العاصفة الإقليمية، وتحديدا انتظارا لتبَلور الصورة في سوريا، سواء لجهة سقوط النظام، مع ما يعنيه ذلك لبنانيا، أو لجهة استمرار الأزمة، وما تعنيه من ضغوط سورية تمارس على لبنان.

في المقابل، فإنّ هناك من يرى في غياب الحريري عن لبنان في هذه الفترة فوائد لا تحصى، أوّلها ان هذا الغياب يحبط أي مخطط لاستهداف حياته، خصوصا ان جهات دولية (اميركا) وعربية قد حذّرت من وجود معلومات عن نِيّة باستهدافه (هو ومجموعة من الشخصيات، من بينها وسام الحسن)، والاستمرار في الغياب ضروري في هذه الفترة، لأنّ تداعيات ما يحصل في سوريا وما يتمّ التهديد به في لبنان، لا يتركان مجالات للاتكال على النوايا الحسنة، ولا يُمليان الا اعتماد الاحتراز الوقائي الى الدرجات القصوى.

والغياب مطلوب سياسيا، في ظِل الحملات الإعلامية والسياسية التي تشنّها القيادة السورية وحلفاؤها في لبنان على تيار المستقبل، بهدف جَرّ الحريري الى مواجهة لا يريد ان يدخل بها، لكي لا يعطى هؤلاء هدفا مجانيا هو تعبير عن معركة فرعية والهائية يريدون فتحها مع 14 آذار تنفيسا للاحتقان في الداخل السوري، ولهذا السبب تعمّد الصمت لفترة طويلة، ما أدّى الى إفراغ المعركة الوهمية والإلهائية من أي مضمون، ويتوقع ان يستمر الحريري في صمته حتى اتّضاح الصورة في سوريا، وهي الصورة التي بدأت تتضِح مع الاستعداد لصدور اول قرار عن مجلس الأمن الدولي بخصوص قمع الثورة السورية.

قد يقود الحريري طائرته ويهبط فجأة في بيروت في أي وقت، وقد يؤخّر العودة، لكنّ الواضح ان الحركة السياسية للحريري ولـ 14 آذار باتت مرتبطة ارتباطا وثيقا بما يجري في المنطقة، ولم تَعُد مسألة تشكيل الحكومة ولا أي من الملفات الداخلية، على أهميتها، سوى ملفات انتظارية. فالجميع يراقب ما يجري من حولنا، والجميع ينتظر ليبني الموقف على اساس تطور الأحداث، فهل يُلام الحريري إذا قرّر، في فترة غموض الرؤية، أن يبقى في برج المراقبة ؟

السابق
لماذا لم تنفجر في دمشق؟
التالي
الانباء: ميقاتي وحزب الله بانتظار التطورات الإقليمية