إصبح “اكسسوار” تذهب الى الجنة؟

يضحكني موقفي "التاريخي" من موضوع وهب الأعضاء. وهو الأمر الذي يضحكني في وعيي ويغلبني في عاطفتي، اذ أعيش دائماً مشاعر متناقضة مع الإرادة حياله. أشعر بالألم فور سماع الأمر، وتتراقص في مخيلتي صور دموية. أنا، في الحقيقة، لا أطيق رؤية الدم، حتى ما ترسب منه في بعض الأطعمة من اللحوم. لذا جاءت ردة فعلي رافضة التوقيع على طلب وهب للأعضاء، حملته اليَّ ذات يوم الزميلة رلى معوض. وهي، منذ ذلك التاريخ، تعيّرني به كلما تحدثت مع أصدقاء في الموضوع.
وغالباً ما تفعل، وتعود الى سؤالي عما اذا كنت بدّلت رأيي بعد مرحلة عمرية امتدت لنحو عشر سنين. ولا أعلم ما اذا كانت تربط هذه المدة بنضج ما لدى كلينا، كما لا أعلم ما اذا كان النضج يرتبط فعلاً بالعمر.

قفز الموضوع مجدداً أمامي، وأنا أتصفح أمس مجلة عنونت مقالاً "وهب الأعضاء في قاموس الطب والدين والأخلاق والقانون"، وحاولت ان تعالج الملف من كل جوانبه، وهي معالجة لا تهمني على الإطلاق، اذ ان اقحام الدين والمقدسات في كل نواحي الحياة يجعلها معقدة، بل منغلقة على الآخر، كأن يفتي أحدهم بعدم جواز قبول العضو المتبرع به اذا كان من ملحد وكافر، أو كأن يمنع رجل دين التبرع بحجة تشويه الجسد، ذاك الفاني المتحول تراباً تدوسه الأقدام.

أما الأخلاق فحدّث ولا حرج، فالبعض يبيع كل أعضائه في الحياة، أو بالأحرى يؤجرها للإستعمال الرخيص. وكثيرون يرهنون ضميرهم، أو حتى يبيعونه، فهل تقف حدود الأخلاق عند التبرع بعضو منقذ لحياة آخرين، فيما لا تتوانى الأخلاق عن دفع أياد ممتدة للقتل والرشى، وألسن تخرب البيوت، وارجل تدوس الكرامات؟

مفهوم الأخلاق مطاط مطاط.

ما يهمني هو القانون، حتى لا نتحول سلعة للبيع والشراء، كأن يختطف أولاد لبيعهم قطع اكسسوار، أو ان يعمد طبيب أثناء اجراء جراحة الى سرقة كلية، أو ان تستغل حاجة الفقراء في بيع أعضاء لهم، وحتى أولادهم ونسائهم.
صحيح ان القانون غير مطبق، وغير محترم، في بلدي، لكنه يجب ان يكون، حتى اذا ما أراد أحدهم ان يطبقه يجد المادة الأولية التي ينطلق منها.

لدى متابعتي التحقيق الصحافي اياه، تأكدت من ان الشعار الذي نتحدث فيه، وربما نتبناه، عن ان "العطاء أكثر فرحاً من الأخذ" لا يمكن ان يتحقق اذا ما عاش كثيرون التناقض الذي عانيت منه، والذي منعني زمناً من التوقيع على طلب التبرع، وهو قد يظل توقيعاً بلا معنى اذا لم يشهد مراحله المكملة لجعله واقعاً.

أحببت اليوم ان أكسر تحدي رلى المستمر لي، وان أثبت بوثيقة تراجعي وانتصاري على احدى نقاط ضعفي، وان أدعو كل قارئ الى التفكير ملياً في النفع الذي يمكن ان يعود على انسان، فينقذ الميت حياة انسان حيّ، ويزرع الفرح في محيطه، وهكذا يسلك الإنسان طريق جنة ما قد لا تتفق مع النظرة، أو النظرات الدينية، الى الجنة اياها التي يحتكرها الدين ورجاله ويدعون ان مفتاحها في أيديهم.

السابق
الانباء: مجموعات أصولية على الساحل الجنوبي!!
التالي
إذاً، مَنْ يُعرقل ويعطّل؟