هل يصدر مشروع قانون العنف الأسري؟

يكشف الحراك المفتعل والمعارض لإقرار مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري، الذي يناقش في اللجان النيابية الفرعية حالياً، بنية مبيتة لتقزيم القانون، الذي سبق أن أقره مجلس الوزراء في 26 نيسان من العام 2010.
وبدا وزير العدل إبراهيم نجار، الذي خرج من دار الإفتاء أمس الأول بعد زيارة «استمزج فيها رأي مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني حول مشروع القانون»، مختلفاً عن الوزير نفسه الذي وضع «حماية النساء من العنف الأسري» في صلب إنجازات وزارته على اللافتات الإعلانية التي احتفت بجردة حساب لولاية نجار في وزارة العدل.

ويأتي رأي المفتي قباني، بعد موقف نائب الأمين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الصادر قبل حوالى 15 يوماً، محدداً برفضه الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من مشروع القانون. وتنص الفقرة على انه «يعاقب بجرم العنف الأسري من أكره زوجته بالعنف والتهديد على الجماع بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين». ويضاف موقفا المفتي والشيخ قاسم إلى بعض التحركات لجمعيات وجهات دينية ترفض المشروع.

فقد خرج الوزير نجار من عند المفتي قباني ليقول إن الأخير يرى أنه «من المستحسن عدم إيجاد قانون خاص بموضوع العنف الأسري، بل دمج المواد التي هي في صلب المشروع في قانون العقوبات أو في قانون أصول المحاكمات الجزائية».
ولا تأتي «غربة» نجار عن ذاته ومواقفه، بسبب نقله وجهة نظر المفتي قباني، بل مما أضافه إلى كلامه. فقد أثنى وزير العدل على رأي المفتي قائلاً: «وجدت أن هذا الاقتراح هو جيد جداً فعلاً، ويمكن الاستعاضة عن قانون واحد بإدخال مواد المشروع في صلب قانون العقوبات أو في صلب قانون أصول المحاكمات الجزائية». وبرر نجار ذلك بالقول: «لأنه بالنتيجة المهم هو تأمين سلامة التعامل بين أعضاء الأسرة على نحو يؤمن الطمأنينة للرجل والمرأة على حد سواء».

وحمل كلام نجار إشارة إلى ما يشبه «الانقلاب» الذي حصل على مرّ دراسة القانون.. وكما قال نجار أمس الأول، انه «بالطبع هذا المشروع المحال من الحكومة كان موضع دراسة معمقة من الحكومة السابقة، وكذلك أيضا من الحكومة المستقيلة الآن».
ولذا، يمكن السؤال عما تغير ليعاد النظر في مشروع القانون بعدما درسته الحكومتان السابقتان (ومن بينهما المستقيلة حالياً)، خصوصاً أنه، وفق نجار نفسه، «تم تأليف لجان وتم استمزاج رأي المراجع الدينية والمذهبية».

وهنا، يطرح سؤال أخر نفسه: إذا كان موقف المراجع الدينية، التي «استمزج» رأيها، رافضاً لوضع قانون خاص لحماية النساء من العنف الممارس عليهن داخل أسرهن، فلماذا لم تعلن هذه المواقف في حينه؟ لا بل عمدت القوى السياسية، ومن بينها «أصدقاء» نجار في «القوات اللبنانية»، إلى التباهي بدورها في دعم إقرار القانون، وإيصاله إلى مجلس الوزراء، تمهيداً لمساندته في المجلس النيابي.

وإذا كان الرأي قد أقرَّ حينها، كما قال نجار، على انه «لا بد من تعديل قانون العقوبات وإدخال إصلاحات وتشديد العقوبات، كي لا يحصل أي مزج أو خلط ما بين الأحوال الشخصية من جهة، وتشديد عقوبات العنف المنزلي من جهة ثانية»، فلماذا درست هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل (وهي تابعة للوزير نجار)، وبتكليف منه، مشروع القانون، كقانون مستقل، لا بل أضافت إليه العقوبات وتشديدها، ووضع عقوبة الإعدام في صلبه، على الرغم من اعتراض واضعي القانون والجهات التي سعت إليه. علماً بأن الوزير نجار يرفض عقوبة الإعدام، كما أعلن أكثر من مرة بنفسه، وكما كرّس ذلك في اللافتات الإعلانية التي روّج فيها لولايته في وزارة العدل.

وبذلك، تشير المراحل التي مرّ بها مشروع القانون إلى أمرين: إما أن رفع صوت المعترضين عليه، ومن بينهم المراجع والجهات والأحزاب الدينية، وبعض الجمعيات التابعة لها في المجتمع المدني، قد «أثمرت» تغييراً جوهرياً برأي وزير العدل والمشرعين اللبنانيين، بما فيها الموقف الرسمي برمته، أو أن القرار بعدم إقرار القانون كان متخذاًً منذ البداية، وأن ما سوّق سابقاً على انه إنجازات وتأييد، لم يكن إلا في صلب «اللعبة» السياسية في البلاد، والظهور بمظهر المؤدين للحراك المدني برمته.
ترتسم تلك الصورة في المشهد المحيط بمراحل السعي لإقرار مشروع القانون.. ولكن ماذا عن صلب ما يجري؟

لا يختلف اثنان حول أن اعتراض المرجعيات الدينية والجهات التابعة لها على مشروع القانون نابع من إصرارها على التمسك بإبقاء شؤون الأسرة والمواطنين بعهدة المحاكم الدينية من شرعية وروحية ومذهبية، وتجنب إقحام المحاكم المدنية في قضاياها.. وبالإضافة إلى التمسك بالامتيازات التي تركتها الدولة لطوائفها عبر قوانين الأحوال الشخصية الطائفية. وتتخوف المراجع الدينية، ومن معها، من أن يشكل القانون خطوة على طريق إقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، عبر بدء المحاكم المدنية بالتخصص بشؤون وقضايا يعتبرونها من صلب صلاحياتهم، بالإضافة إلى بعض النقاط التي يعتبرونها متناقضة مع الأديان، وما تشرعه على مستوى العلاقة بين الرجل والمرأة، وسلطة الرجل على الأسرة.
ولكن، إلى أي مدى يتعارض مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري مع المحاكم الدينية؟

للإجابة عن السؤال، يمكن اللجوء إلى أهل الاختصاص، وبالتحديد إلى بعض محاضرات القاضي جون القزي التي تناول فيها مشروع القانون، مع الإشارة إلى أن الرئيس القزي هو من واضعيه.
يشير الرئيس القزي في محاضرة له قدّمها سابقاً في «بيت المحامي»، إلى أن المادة الأولى من مشروع قانون العنف الأسري الواقع على النساء، تنص على «مراعاة قواعد اختصاص المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية»، أي ان أي نص قانوني يتعارض مع صلاحيات هذه المحاكم لا يطبق في مشروع القانون.

ويؤكد القزي أن المادة الأولى من مشروع القانون (مراعاة اختصاص المحاكم الدينية كافة)، تعني ان «المشرّع يأخذ بعين الاعتبار عدم الاقتراب من اختصاص المحاكم الدينية، وهو ما يفيد قانونياً بالنأي عن اختصاصها». فلماذا الخوف من القانون؟
يومها، ذكَّر القزي في معرض دفاعه عن تخصيص العنف الأسري الواقع على النساء بقانون مستقل، بالإشارة إلى انه تم الاستناد في مشروع القانون إلى المقاربة عينها التي اعتمدت في قانون الأحداث الرقم 422 الخاص بحماية الأحداث المخالفين للقانون. وأشار القزي إلى توفر الأرضية نفسها التي بني عليها القانون 422 في بناء قانون العنف الأسري، لافتاً إلى الإجراءات الحمائية والأخرى الرادعة، أي الوقائية منها والعقابية.

وتطرق الرئيس القزي، في عدد من محاضراته التي نشرت يومها في وسائل الإعلام، إلى بعض المواد الأخرى في مشروع القانون ليقول انها «تتعاطى بالعنف الواقع على المرأة بطابعه الجزائي غير المشمول بالاختصاص الديني، ومنه على سبيل المثال لا الحصر، إيذاء المرأة بطريقة تتسبب بإدخالها إلى المستشفى، ما لا تقاربه جزائياً المحكمة الدينية، أو إذا عمد الرجل إلى سجنها داخل البيت، ومارس عليها العنف النفسي والمعنوي والجسدي والجنسي».

ويتوقف القزي عند تدابير الحماية التي تلحظ، وفق مشروع القانون، ضرورة أن يؤمن المدعى عليه، لدى تعنيفه الضحية – المرأة، مسكناً آمناً وموازياً لها ولأولادها بانتظار البت بالدعوى، مؤكداً أنه حتى بهذا الإجراء، «لم يقترب من مسائل النفقة والحضانة، ولم يتطرق إليها، بل جرت الإشارة إلى أنها مشمولة باختصاص المحاكم الدينية». حتى أن واضعي المشروع لم «يخترعوا» أو «يبتدعوا» مصطلح المسكن الموازي، بل أخذوه من قانون الإيجارات.

وبالنسبة إلى إرغام الزوجة على العلاقة الجنسية، لا يمنع القانون حق الرجل بذلك، ولكنه يشترط حصول العنف، أي أن يعمد المدعى عليه إلى ضرب زوجته وتعنيفها وإيذائها للقيام بالعلاقة الزوجية، مشيراً إلى أن «جميع الأديان ترفض هذا العمل ولا تشرعه». ويلفت القزي إلى أن مواد قانون العقوبات الخاصة بالإيذاء تقول بمعاقبة من أكره غير زوجه، ولا تشمل الزوجة.

ويتحدث الرئيس القزي في محاضراته عما يسميه «السياسة التشريعية الواضحة التي سمحت بوضع قانون خاص بحماية الأحداث»، وهم جزء من الأسرة، كما يمكنها أن تسمح بقانون للعنف الأسري الواقع على النساء، وبإنشاء محكمة أسرية، علماً انه أكد انه تواصل مع رجال دين مسيحيين ومسلمين واستمزج رأيهم حول الموضوع، مع الأخذ بملاحظاتهم التي وصفها يومها بالمفيدة، لا سيما، وفق القزي، أن الهاجس هو نفسه، ويتلخص بالحفاظ على الروابط الأسرية، والنأي بالعائلة عن أي عثرات أو تشويه قد يحوّل المسار الأسري عن طريقه السويّ.

وبناء عليه، دعا القزي إلى استراتيجية وطنية لحماية الأسرة ولإقرار تعديلات في قوانين الأحوال الشخصية، كونها تطال أطياف المجتمع كافة.
وبالنسبة إلى المطالبة بتضمين بعض مواد مشروع قانون العنف الأسري في قانون العقوبات، يرى قانونيون، ومن بينهم قضاة، أنه لا يمكن تخصيص المقاربة في قانون عقوبات عام، فطالما انتقد الحقوقيون المادة 562 الخاصة بجرائم الشرف (العذر المحل والمخفف للرجل، والتي ألغيت في لجنة الإدارة والعدل النيابية) لأنها تميز بين الرجل والمرأة، فلا يمكن ان نضع في القانون العام، تشريعياً، عقوبات مخصصة لفئة معينة من الناس.

ويرى قانونيون أن المادة 26، وهي المادة الأخيرة من مشروع قانون العنف الأسري، والتي أضافها مجلس الوزراء لدى إقرار المشروع، تحمل في طياتها بزور تفجيرها، لأنها تحتوي على تناقضين واضحين وجليين.
وتنص المادة 26 من مشروع القانون على انه «تلغى جميع النصوص المخالفة لأحكام هذا القانون»، من جهة، ثم تضيف: «وفي حال تعارض الأحكام الواردة في هذا القانون مع احكام قوانين الأحوال الشخصية وقواعد اختصاص المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية، تطبق أحكام الأخيرة بكل موضوع».

ويأتي التناقض في الجملة الأولى التي تلغي كل النصوص المخالفة للقانون من جهة، ومن ثم تعود وتعطي المحاكم الدينية وقوانين الأحوال الشخصية الأفضلية عليه من جهة ثانية، خصوصاً أن المادة الأولى من مشروع القانون سبق أن نصت على ضرورة «مراعاة أحكام المحاكم الشرعية والروحية والمذهبية».. وهنا، يبدو التكرار القانوني غير الجائز، واضحاً.

وكانت أمس، قد عقدت اللجنة الفرعية الخاصة بدراسة مشروع قانون حماية النساء من العنف الأسري في اللجان النيابية المشتركة، اجتماعاً استمعت خلاله إلى ملاحظات الجهات المعترضة على مشروع القانون، وتسلمت مذكرة بها.

السابق
بري: بامكان ميقاتي ان يتحكم بوضع البلد
التالي
3081 مرشحا خضعوا لامتحانات البريفيه في صيدا