لماذا رَكب الإسرائيليون موجة تغيير الأسد؟

عندما قال رامي مخلوف إنّ استقرار إسرائيل هو من استقرار النظام في سوريا، كان يوجّه رسالة واضحة المعالم. ولم تكن فعّالة محاولات القيادة السورية للتقليل من أهمية هذه الرسالة، أو من تعبيرها عن رأي الرئيس بشّار الأسد.

لطالما كان الانطباع في عدد من الأوساط الدبلوماسية أنّ بين سوريا وإسرائيل حدودا لا تصل إلى حد المسّ بالنظام، وجاء كلام مخلوف ليؤشّر إلى اختلال القاعدة من الجانب الإسرائيلي.

ضمانات أميركية

وللمرّة الأولى، بدا الإسرائيليون متحمّسين، أو على الأقل، مقتنعين بفكرة التغيير في سوريا. وأبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بذلك إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، فالأميركيون قدّموا "ضمانات" في هذا الشأن، وافق عليها الإسرائيليون بموازاة سلة ضمانات متكاملة.

وجاء موقف وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك الأخير ليرسّخ هذا الاتجاه الجديد، إذ قال إنّ استخدام النظام للقوة ضد المتظاهرين سيؤدّي إلى ازدياد النقمة عليه وإسقاطه، فيما الرضوخ للمطالب سيعني الضعف والتراجع… وتاليا سيؤدّي أيضا إلى إسقاطه. وفي تقويم باراك أنّ التغيير في سوريا هو مسألة ستة أشهر أو تسعة! ويبدو الإسرائيليون في صدد اقتناع بأن النظام سيتغير. ولم يسبق في أي يوم أن كانت لهم هذه الخلاصة، حتى في ذروة الصراع السياسي أو الجولات العسكرية منها. بل كانت التسريبات المدروسة أحيانا تتحدث عن جسور تفاوض سرية غير مباشرة مع دمشق، ما يعني في الحد الأدنى أن إسرائيل كانت تجد في النظام الراهن طرفا يحفظ لها أمنها في الجولان ويسيطر على "حزب الله" في لبنان، ويمكن أن تصل معه إلى معاهدة سلام في يوم من الأيام. ولطالما كان هناك اقتناع في الأوساط الإسرائيلية والغربية أن البديل من الأسد في سوريا هو "الإخوان المسلمون"، أي السلفية السنية التي تتشارك و"القاعدة" نظرتها إلى الغرب وإسرائيل. وهذا ما دفع تل أبيب إلى مراعاة خصوصية حكم الأسد لسوريا.

النموذج التركي للإسلام

المصادر الدبلوماسية تعتقد أن النظرة الإسرائيلية إلى النظام في سوريا تغيّرت. وبات الإسرائيليون يقبلون اليوم تبديل النظام، بعدما تلقوا ضمانات إلى أن البديل لن يكون نظاما يعتمد الخط الجهادي ضد إسرائيل، ولن يفجّر الحدود السورية – الإسرائيلية، بل سيكون نموذجا عن النظام القائم في تركيا. فحزب "العدالة والتنمية" يعتنق التوجّهات العقائدية الإسلامية الأساسية التي يبني عليها "الإخوان المسلمون" قاعدتهم الفقهية. لكنّ هذا الحزب لم يخرج تركيا عن إطارها الطبيعي كدولة حليفة للولايات المتحدة والغرب، ولم ينقض المعاهدات المعقودة مع إسرائيل، ولم يتحوّل معه المجتمع التركي إلى نظام سلفي.

وحضانة تركيا للمعارضة السورية هي جزء من عملية طبخ التسوية التي سيرسو عليها الوضع في سوريا. وهي تحظى بموافقة واشنطن وأوروبا وإسرائيل.

"العدو الطبيعي" لإيران

وتقوم النظرة الجديدة على إقناع إسرائيل بأنّ نظاما يمسك به السنّة المعتدلون، ويمكن أن يجري مفاوضات جريئة مع الإسرائيليين ويضبط الحدود ويراعي القواعد الدولية، سيكون مناسبا لإسرائيل، لأنه سيقطع تلقائيا أي ارتباط لسوريا بإيران، وسيفصل بين إيران وحزب الله الذي يتلقى سلاحه منها عبر البوّابة السورية حصرا.

وتم إبلاغ إسرائيل، وفقا للمصادر الدبلوماسية، بأن "الإخوان المسلمون" على الطريقة التركية، وبضمانة أنقرة، يمكن أن يكونوا "الأعداء الطبيعيين" لإيران الثورة. وهذا يؤدّي وظيفتين استراتيجيّتين للغرب وإسرائيل وهما:

1 – فصل إيران عن الصراع العربي – الإسرائيلي وإضعاف القوى الحليفة لطهران في الشرق الأوسط كحزب الله و"حماس".

2 – إمكان الدخول في مفاوضات للتسوية. فنظام الرئيس الأسد لطالما كان يخشى المضيّ في مفاوضات مباشرة وعلنية حرصا منه على صورته في الرأي العام العربي والإسلامي كنظام ممانعة. وعندما يأتي إلى السلطة فريق ذو توجّهات مبدئية إسلامية، ويكون مستعدا للدخول في هذه المفاوضات بلا تحفّظات مسبقة ولا يرفع شعار العداء لإسرائيل ولا يفتح الحدود ضدها في لبنان أو سواه، فعندئذ سيكون الوضع أفضل.

عمليات جراحية… بعد الوفاة!

المصادر الدبلوماسية تقرأ في "التحريك المدني" لجبهة الجولان والجنوب اللبناني في 25 أيار الفائت رسالة من النظام السوري إلى إسرائيل، مفادها أنّ "هذه هي الصورة التي ستكون عليها الحدود في غياب النظام الذي يتكفّل ضبط أمنها منذ عقود وسنين". ويبدو أنّ الإسرائيليين ردّوا على هذه الرسالة… بالنار والتصعيد السياسي.

فهل تأخر الأسد في مواجهة الاستحقاق؟ أو بالأحرى، هل تأخر في التقاط اللحظة الإصلاحية الجذرية في بداية الحراك ضده، حين كان في ذروة قوته، وكان المجتمع الدولي بأسره يطالبه بالإصلاح لا التغيير؟

النظام تلقى نصائح من حلفائه الدوليين واللبنانيين بالاستجابة السريعة. وقيل له: لا تقع في خطأ ميخائيل غورباتشوف الذي سقط هو والاتحاد السوفياتي بفعل المماطلة في "البريسترويكا" و"الغلاسنوست".

ثمة انطباع بأن الخطوات الإصلاحية التي يقرّها النظام اليوم، تبدو أقرب إلى العمليات الجراحية التي تجرى للمريض… بعد الوفاة! وأن الجميع يرتب حساباته للمرحلة الآتية، والإسرائيليون في المقدمة.قيم المقال
654321التعليقات

السابق
البناء: لافروف يرفض طرح أي مشروع قرار خاص بسورية أمام مجلس الأمن
التالي
النهار: الأكثرية الجديدة أقلية والقديمة تنبعث حكومياً