دبكة لبنان!

يداً بيد، وعلى وقع الطبول الاعلامية، وثرثرة جهابذة الدستور وفقهائه، وفذلكة اساطنة القانون، يداً بيد، رسمت الدبكة السياسية حلقة دستورية جنائزية: نواب ومديرون عامون يشبكون أيديهم بيد أولياء امورهم، ووزراء يدهم بيد زعماء الكتل الذين انجبوهم، وهؤلاء يمسكون بأثواب وجلبابات مراجعهم الروحية. الأرجل تعلو ثم تهوي، دائسة دستوراً مبعثر الاوراق، لم يبق منه سوى ورقة او ورقتين يلوح بهما شيخ الدبيكة للتذكير فقط.

ترافق هذه الدبكة المزرية هوارة زجلية، ردة تبجّل تلك المادة، واخرى تشنّعها. صخب وتحديات و"قيام كلام"، احتفالات بموت الدستور وتأبينا له. فريق تملأ خشخشة دقه المدى، في مقابل فريق خرطشة سلاحه هي الصوت والصدى.

الدستور ينازع منذ ولد الطائف الذي حول نظامنا هجيناً: لا هو برلماني ولا هو رئاسي، لا تحكم فيه الاقلية ولا الاكثرية. اتفاق نسف مؤسسات الدولة وضوابطها، وكرس الكراسي عروشاً على مملكة من طوائف تلهث وراء مغانمها. سلطة تنفيذية اختلطت بالسلطة التشريعية، فتحيزت المحاسبة والمساءلة… وسقط القضاء. هذا الطائف الذي ليس سوى سيف مصلت علينا، سيف اختصر خناجر ميليشيات الحرب كلها ليجردنا من كل مقومات الدولة، سيف دستوره الحصة مقابل الحصة، والصندوق مقابل الصندوق. العين بالعين والسن بالسن، حتى أمسى الجميع عمياناً.
 
سقط الدستور في جنيف ولوزان، والطائف والدوحة… قبل أن يستشهد على طاولة الحوار. وباتت الدولة بكامل كيانها خارج الدستور: اغلاق البرلمان وفتحه مزاجياً خارج الدستور. حكم المديرين العامين وانقلابهم على وزرائهم خارج الدستور، عصيان القوى الأمنية خارج الدستور. دولة بلا موازنة خارج الدستور. اسقاط الحكومات تحايلاً خارج الدستور. المقاومة المستقلة القرار خارج الدستور. المخيمات العاصية على الدولة خارج الدستور. الفساد من دون محاسبة خارج الدستور. تدخل المرجعيات الروحية في كل شاردة وواردة خارج الدستور. عدم الإتيان بمجلس نيابي على أساس وطني غير طائفي خارج الدستور. عدم انشاء مجلس الشيوخ خارج الدستور.

توزيع وسائل الاعلام والاحزاب مذهبياً خارج الدستور… كل هذا ولّد نظاماً متعدد الدكتاتوريات، الدستور فيه ملهاة كلامية وصوتية.
نقول لا للمسرحيات الدستورية، وكفى تلطياً وراء طوائفكم ومذاهبكم. فبربكم من منكم دخل السياسة ليقرأ انجيلاً او يتلو قرآناً؟

شبعنا دبكة. أنتم كلكم خارج الدستور.

السابق
من عجائب الصدف!
التالي
طيرحرفا في دائرة الحلّ