السياسة: أزمة ثقة تعيد إلى المشهد اللبناني فصول الانقسام بين “8 و14 آذار”

أزمة ثقة بامتياز تتحكم بمسار تشكيل الحكومة اللبنانية بين رئيسها المكلف نجيب ميقاتي والقوى المكلِفة وفق ما تبدت عنه معطيات الساعات الأخيرة. فالمسار الذي شهد في اليومين الماضيين انتعاشاً استثنائيا في المشاورات التي اجراها الرئيس نجيب ميقاتي, والاتصالات السياسية مع القوى المعنية, يبدو متجهاً نحو الجمود تكراراً على رغم التقدم الحاصل وتخطي عقبات كانت حتى الأمس القريب تحول دون حسم الازمة الحكومية الطويلة.

وإذا كان من عامل ثابت في واجهة المشهد الداخلي فهو العودة الى التمترس السياسي الحاد خلف التحصينات وانقطاع خطوط التواصل بين القوى السياسية على خلفية أكثر من ملف وأزمة, لعل ابرزها الجلسة النيابية العامة التي دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم مخلفاً عاصفة من السجالات السياسية إزاء دستورية او لا دستورية انعقادها, وإصراره على التئامها على رغم يقينه بعدم اكتمال النصاب الذي لن يتوافر منه إلا 58 نائباً من فريق "8 آذار", وسط مقاطعة نواب قوى "14 آذار" وكتلتي جبهة "النضال الوطني" برئاسة النائب وليد جنبلاط والرئيس ميقاتي لعدم الاسهام في توسيع هوة الخلاف, علماً ان هذه القوى مجتمعة اشارت الى امكان توفير النصاب للجلسة شرط حصر جدول أعمالها ببند وحيد هو التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وعلمت "السياسة" من مصادر نيابية في كتلة "التحرير والتنمية" أن بري مصر على عقد الجلسة في موعدها مهما كانت الاعتراضات من جانب الفريق الآخر, لأنه يعتبر أن هذه الاعترافات هي سياسية وليست قانونية, عدا عن أن هناك ظروفاً دقيقة تقتضي بعقد هذه الجلسة اليوم قبل الغد, وأنه يعمل على تأمين النصاب المطلوب لهذه الجلسة, مع حرصه على الفصل بين السلطات استناداً إلى الدستور.

وأكدت المصادر أنه في حال تعذر تأمين النصاب في جلسة اليوم, فإن رئيس المجلس سيدعو إلى جلسة أخرى في حال لم تتشكل الحكومة, خاصة وأن التجديد لحاكم مصرف لبنان يشكل أولوية تتقدم على كل ما عداها من الملفات, وهذا ما يجب على سائر الفرقاء أخذه بعين الاعتبار والمشاركة في هذه الجلسة لأن مصلحة البلد يجب أن تتقدم على أي اعتبار آخر.

في المقابل, أكدت أوساط قيادية بارزة في قوى "14 آذار" ل¯"السياسة" أن اجتماع حكومة تصريف الأعمال للتجديد لحاكم المركزي يبقى الخيار الأفضل لتفادي الدخول في أزمة سياسية دستورية جراء إمعان الرئيس بري في انتهاك الدستور من خلال إصراره على عقد جلسة تشريعية للمجلس النيابي, أكد حقوقيون وخبراء القانون أنها غير دستورية وغير ميثاقية, وستدخل البلد في مرحلة بالغة الخطورة وستأخذه إلى وضع صعب لن يتم الخروج منه بسهولة.

وكشفت الأوساط عن اتصالات تجري بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري لعقد لمجلس الوزراء على جدول أعمالها بند واحد هو التجديد لحاكم مصرف لبنان, بانتظار أخذ موافقة وزراء "8 آذار", لتفادي حصول انقسامات داخلية على خلفية الموقف من جلسة مجلس النواب. وقالت إن الحريري مستعد للعودة إلى بيروت للدعوة إلى هذه الجلسة لإنجاز المهمة المطلوبة منها.

في سياق متصل, قالت اوساط سياسية ان الجلسة النيابية خرجت من اطارها الدستوري وأقحمت في بازار السياسة وتوزيع الاتهامات مستعيدة فصول الانقسام الحاد بين الاطراف في ضفتي "8 و14 اذار".

وعزت الاوساط مآل الوضع الى فقدان الثقة بين القيادات السنية والشيعية وانقطاع التواصل والتمترس خلف الدستور كل من وجهة نظره, من دون توافر الصلاحيات المناسبة لأي مسؤول, حتى لرئيس البلاد ميشال سليمان تمكنه من الاقدام على خطوات من شأنها وقف مسلسل التدهور وجر البلاد نحو مزيد من الانقسام.

في موازاة ذلك, يترنح المسار الحكومي يترنح عند مشروع الحكومة وهدفه, فالرئيس ميقاتي يريد حكومة يرأسها وتشارك فيها قوى "8 اذار" التي تصرّ على حكومة مدموغة بصبغتها برئاسة ميقاتي.

وفيما لم يسجل جديد على خط المشاورات أكدت اوساط عاملة على مسار التشكيل ان العقد الأخيرة, تبقى من دون حلول قابعة عند اصرار رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون على معرفة وزراء رئيس الجمهورية وإبداء الرأي, اضافة الى التمسك بتوزير شربل نحاس وابقاء حقيبة الطاقة مع الوزير جبران باسيل, فيما يرفض ميقاتي الخضوع للشروط, خصوصاً أن الوزير نحاس يشكل مشروع مشكلة للحكومة العتيدة بعد حادث الاتصالات.

السابق
انكشاف المنطق الشكلي
التالي
الحياة: القذافي باق حياً أو ميتاً.. وأوباما يؤكد أن رحيله مسألة وقت