مبنى قصر العدل في النبطية حلاً و معاناة

إحدى وعشرون سنة مضت على مسيرة إنشاء مبنى قصر العدل في النبطية، بعدما جاء كحلّ لمشكلة مزمنة، غير أن الرغبة في إنجاز ذلك المبنى بأقصى سرعة ممكنة في حينه، حملت معها شوائب وعيوباً كثيرة، جعلت المولود المنتظر لا يلبي طموحات أهله شكلاً ومضموناً، حيث شُـيّد في منطقة صعبة ومنحدرة على قطعة أرض قدمتها بلدية النبطية داخل حرج «تلة العسكر» عند المدخل الشمالي للمدينة، إذ أن المواصفات والتقسيمات الداخلية للمبنى التي جاءت على شكل جناحين يضم كل منهما ثلاث طبقات، كانت غير منسجمة مع الدور الوظيفي المفترض لقصر العدل سواء من حيث المساحات أو التجهيزات أو الخدمات، فضلاً عن مساحته الصغيرة التي بالكاد تبلغ مع مواقف السيارات التابعة له حوالى خمسة دونمات. كما أن غرفه وقاعاته ضيقة وتجهيزاته متواضعة. ويحتاج إلى مكاتب إضافية وغرف أقلام مؤهلة لاستيعاب جميع الموظفين، ومستودع كبير لحفظ الملفات والمستلزمات. وهو يفتقر للحد الأدنى من الخدمات والمرافق الصحية الصالحة، التي تتمثل برداءة شبكة الصرف الصحي وعدم استيعابها للضغط الحاصل عليها، وضعف شبكته الكهربائية وتمديداتها، وعدم وجود مولد كهربائي لا سيما في فصل الشتاء، ولا تتوافر فيه قاعات الانتظار ومقاعد الجلوس للمحامين والمتقاضين من المواطنين، ما يضطرهم للوقوف بالعشرات ساعات طويلة في أروقة مظلمة بانتظار البتّ بالدعاوى والمحاكمات القائمة، فضلاً عن عدم تجهيزه بالمواقف الكافية للسيارات جراء الطبيعة الجغرافية الصعبة المحيطة بالمبنى. ذلك ما جعل الوصول إليه مصدراً لمعاناة الكثير من المواطنين، في حين تجرى كافة الأعمال والمعاملات بالطرق اليدوية البدائية، في غياب وسائل المكننة والكومبيوتر.

تلك العيوب والشوائب، حملت الرئيس الأول لمحاكم النبطية القاضي برنار شويري، وفي سابقة هي الأولى من نوعها على الصعيد القضائي لإطلاق ورشة لإصلاح وتأهيل البنى التحتية والخدماتية للمبنى لم يعرفها منذ إنشائه في 15 تشرين الأول 1990، والقيام بحملة للإصلاح الإداري والوظيفي. تحدث عنهما شويري بقوله: «المبنى يعاني جملة من النواقص والاحتياجات، فالمراحيض كانت سيئة جداً، لا تليق بالناس، الذين يضطرون إلى انتظار أدوارهم عدة ساعات خلال المحاكمات، وربما يكون بعضهم مرضى، فكيف نبرر للمواطن عدم وجود مراحيض؟ لذلك نرى أهمية تأهيلها وإعدادها لتكون مفتوحة أمام الجميع، ومنها بدأت حملة تأهيل المبنى من خلال مساهمات عديدة تمثلت بتأمين مبلغ أربعين مليون ليرة من مجلس الجنوب، ومبلغ عشرين مليون ليرة من اتحاد بلديات الشقيف، ونتابع اتصالاتنا مع العديد من المرجعيات الرسمية والمحلية، وبالطبع بعد موافقة وزارة العدل».

يضيف شويري: «سيتم طلاء الجدران والسقوف من الداخل والخارج، خصوصاً في قاعتي المحاكم وفي النظارة المحكومة بضيق المكان والبناء، الذي لم يكن أصلاً يلحظ في خرائطه الأولى وجود نظارة، والنظارة الحالية التي تبلغ نحو 55 متراً مربعاً حلّت مكان غرفتي الأرشيف والمكننة»، لافتاً إلى «استخدم مخفر قصر العدل غرفتين موازيتين للحرس والحماية، ما بدد مع توسيع غرف المحامين مساحة 150 متراً من إجمالي المبنى، لذلك باتت الحاجة ملحة إلى إنشاء طابقين إضافيين يؤهلان المبنى، لأن يكون فعلاً قصراً للعدلية على الأقل 15 سنة نحو الأمام، وبدلاً من مبنى ومحاكم تتسع لنحو 17 قاضياً، يصبح بالإمكان استقطاب ثلاثين قاضياً يغطون محافظة النبطية، خصوصاً أن المنطقة تستحق قصراً عدلياً يليق بها، إذ أن خرائط السرايا الحكومية المنوي بناؤها في المستقبل القريب لا تلحظ طابقاً للعدلية، وما جرى لحظه هو قاعات للمحاكم الشرعية مع سجن للنساء وآخر للرجال، ونحن نعد الدراسات اللازمة بالتنسيق مع وزارة العدل، ويمكن أن نسقف مؤقتاً بعض المساحات بالقرميد ريثما نتخذ القرار بزيادة البناء».

ويوضح شويري أن الخطوة التالية من الورشة الفنية «تتضمن تبديل الشبكة الكهربائية التي بدأ العمل بها منذ فترة وجيزة، خصوصاً أن الأسلاك تتدلى من السقوف والجدران على نحو يشكل خطراً لاندلاع الحرائق، وتأمين شبكة للتبريد والتدفئة، وتمديد شبكة داخلية للإنترنت وشبكة اتصالات هاتفية، إضافة إلى أجهزة إنذار أمنية متطورة وكاميرات مراقبة». أما على الصعيد الإداري فيرى شويري أن «الإصلاح يبدأ من الموظفين على قاعدة احترام الناس والحفاظ على سمعة العدلية، ويأتي تركيزنا على مسألة الدوام بما يحقق روحية الوظيفة التي جعلت من أجل خدمة المواطنين وقضاياهم»، لافتاً إلى «تحسين الأداء والتدريب والتطوير، ونراهن بعد ذلك على حسّ الناس واستجابتهم، والأداء الإداري والوظيفي صار جدياً وجيداً، الجداول موجودة والأحكام تصدر تباعاً وفي مواقيتها، وخلال مدة قريبة لن يبقى أي ملف عالقاً، ولجهة القضاة لدينا مجموعة ممتازة وسيتلمس الناس مدى التطور اللاحق في قصر عدل النبطية، خلال فترة قصيرة، نحن غير راضين على التجهيزات وعلى ضيق مساحات غرف الموظفين، لكن نسعى إلى حلحلة الأمور شيئاً فشيئاً، نحن بدأنا ونظن أن من سيأتي بعدنا، حتماً سيتابع الطريق نحو الأفضل».

ويعول القاضي شويري على «تعزيز شبكة الانترنت في مبنى قصر العدل في النــبطية، لأنها حتماً ستساعد على حصر الملفات وترتيبها وتمكننا من الدخول إليها ساعة نشاء والإطلاع على الأحكام والقضايا وجعلها في متناولنا السريع».
ويقول المحامي سمير فياض: «على المسؤولين المعنيين المبادرة بإنشاء مبنى بديل في المحافظة يحظى بالمواصفات القانونية اللازمة، وأن يكون أكبر حجماً واتساعاً واكثر تطوراً وأحدث تجهيزاً بالوسائل التقنية والمكننة، وفرشه بمختلف أنواع الأثاث والأدوات المكتبية والمقاعد والكراسي. وحتى توفر مثل ذلك المبنى، يشدد فياض على «ضرورة توفير قاعات الانتظار للمحامين والمواطنين، والعمل على تزويدها بمقاعد الجلوس والإنارة، لإعفائهم من الوقوف ساعات طويلة في الظلمة بانتظار البتّ في أمورهم وقضاياهم، إضافة إلى تحديث وتبديل الشبكة الكهربائية وتوفير المولد الاحتياطي لاستعماله في ساعات التقنين الكهربائي، وإصلاح وتبديل شبكة الصرف الصحي».
ومنذ التحرير عام 2000، «بات مبنى قصر العدل في النبطية لا يصلح للمهمة التي أنشئ من أجلها، جراء كثافة الدعاوى والمحاكمات التي تجرى فيه، مما يتطلب إيجاد بديل عنه آجلاً أم عاجلاً»، بحسب المحامي رفيق حمدان، مطالباً «المسؤولين المعنيين بالعمل على تحقيق هذا الأمر بالسرعة القصوى، لما فيه تلبية المصلحة العامة».

السابق
إلى المدرسة …. سباحة!
التالي
مبادرة شبابية لتنظيم أسلاك الكهرباء