دلع الصهر ورخاوة الخصر

لم يعد أي لبناني يصدق أن أحداً في الأكثرية الطارئة قادر على إنهاء المراوحة، أو أنه يملك قرار بتها.
لا ينفع في الاقناع طبخ البحص، ولا إثارة غبار الحقائب حيناً، وتفريخ اشكاليات جانبية حيناً آخر، أو إزالة الغبار عن أزمات منسية ومناحرات مطويّة.
صار غياب الحكومة من عاديات اليوم اللبناني. ولو أن الصحف لا تصدر يومياً، لنسي اللبنانيون أنهم يعيشون في ظلال حكومة لم تولد، وأخرى لم تمت. كيف لا وانباء الثورات العربية تتواصل، وتصنع تاريخاً جديداً للمنطقة تزينه الديموقراطية والحرية، فيما سياسيونا يمسخون الحرية، ويهزلون الديموقراطية، ويتعاطون السياسة وظيفةً لا دوراً، ويتناولون الشأن العام هواية لا قضية.

لن يصفق أحد يوم تولد الحكومة، إن ولدت، وهي لن تكون إلا على مقاس هذه الأكثرية اللامسؤولة: لا قضية لديها، ولا هدف. امتهنوا لعبة الداما، فيما كنا نظنهم يلعبون الشطرنج. أجروا نقلة مفاجئة أسقطت الحكومة السابقة، وفجعونا بأنهم لم يتحضروا للخطوة التالية.

يوماً يحدثوننا عن تشكيل حكومة لمساعدة النظام السوري على مواجهة أزمته، ويوماً ينددون بالقائلين إنها ستكون صناعة هذا النظام. يوماً يستعجلونها من أجل تلافي "رخاوة الخاصرة السورية"، ويوماً يستأخرونها لأن "ولادتها يجب أن تلاقي القرار الاتهامي للمحكمة الدولية".

حين يكثر النقد، يذكّرون اللبنانيين بأن ولادة حكومة الوحدة الوطنية استغرقت مدة أطول، لكنهم ينسون أمرين: أن مصدر علة التأخير هو نفسه، دلع الصهر والعم، وأن تكليف سعد الحريري أوحى بالاطمئنان إلى القوى الاقتصادية والمالية، على عكس ما توحيه هيمنتهم المسلحة ولو تلطت بنجيب ميقاتي.

وكالرصاص الخلبي الذي يطلقه الجيش في المناسبات، يطلق انقلابيو 8 آذار مناوشات جانبية لشغل الرأي العام، كإثارة نقاش في الزواج المدني و"بطولة" الوزير النحاس في ميدان الخليوي، واتهام 14 آذار باعادة لبنان 60 سنة إلى الوراء، أو بتصريحات سليطة حتى البذاءة. ولا يبتعد عن ذلك اتهام واشنطن بممارسة ضغوط. ولا يدري اللبنانيون كيف تضغط أميركا على من يعاديها. واذا كان عداؤهم لها حقيقياً فلم يقبلون؟ ألم يعرفوا سلفاً أن العلاقات الدولية بعد سقوط جدار برلين لم تعد أسود على أبيض، أو العكس؟ إذاً علام زعم القوة و"المنعة" ولاسيما في وجه "الشيطان الأكبر"؟

بين دلع الصهر ورخاوة الخصر، يقع اللااهتمام الايراني بقيام الحكومة الجديدة فيما النظام السوري لم يعد يملك ما يسترضي به واشنطن غير الإصلاحات الداخلية الحقيقية، لكنه، في الآن نفسه لا يريد إغضابها في لبنان وإن يكن مهمش الأهمية لديها، فيزيد إلحاحها على رحيله.

السابق
النهار: بري ينتقد السنيورة المحاضر في العفة الدستورية فيما فريقه يريد شلل البرلمان والمؤسسات
التالي
المستقبل: “المستقبل” يتمسّك برفض المسّ بالدستور.. و”التغيير والإصلاح” يواصل حملته على الرئيس المكلف