المعالجة السوريّة لعملية اغتيال مغنية أثارت شكوك إيران وحزب الله

الموقف السوري حتّى الآن يشدّد على أهمية تحويل مكاسب حزب الله الميدانية إلى نصر سياسي، وبشّار الأسد بقي بعيدا من مجريات اتفاق الدوحة إلى حين انتهاء اللعبة، إذ اتكل في شدة على نبيه بري للضغط على حزب الله وعون بعد أن شنّا مسعى في اللحظة الأخيرة لإفشال الصفقة. كما يرغب بعض أوجه النظام في إطاحة فؤاد السنيورة وتنصيب رئيس وزراء موال لسوريا.

في مذكرة سرية رقم 08DAMASCUC357 صادرة في تاريخ 21 أيار 2008 عن السفارة الأميركية في دمشق، ورد، حسب مستشار وزارة الخارجية السورية سمير الطاقي، أنّ الرئيس بشّار الأسد حدد التزامه قصدا في مفاوضات الدوحة، لكنّه تابعهم عن قرب للتدخل في اللحظة الأخيرة. وأكد الطاقي أن ميشال عون حاول افشال الصفقة مدعوما من فصائل داخل حزب الله، ما عرّض الاتفاق للخطر، فاتصل القطريون بالأسد وطلبوا منه التدخل. وأضاف الطاقي ان الأسد اتصل فورا بنبيه بري وناشده في قوة لتمرير الاتفاق. وعندما أوصل بري رسالة بشار، تراجع حزب الله عن موقفه تاركا عون مكشوفا سياسيا ومن غير دعم.

وكان من الطبيعي أن يركّز الأسد على توثيق سلطته واظهار نفسه كقائد سنّي معتدل (على رغم طائفته العلوية)، والدعم السوري لإنجاح اتفاق الدوحة الذي يعكس بدوره المبادىء التي دعت إليها سوريا منذ تشرين الثاني 2007 سوف يظهر بشار بصورة الدافع صوب الاستقرار في لبنان، وليس إلى سيطرة حزب الله، ويستطيع بذلك أيضا دحض أي اتهامات بأنّ طموح سوريا الحقيقي هو إعادة جيشها الى لبنان.

وحسب مصادر أخرى، أن المتشددين من داخل النظام السوري (الذين يدافعون عن اتخاذ اجراءات صارمة من قبل الموالين لسوريا ضد حكومة 14 آذار منذ العام 2005) يواصلون نشر شائعات تهويلية من حكومة مدعومة اميركيا، وينظرون على الأرجح الى اتفاق الدوحة على أنه انتصار جزئي، كما ان خطة اجهزة الامن السورية تستفيد من الشعور بالخيانة الذي يحسّ به الشارع السوري نتيجة الدعوات المناهضة لسوريا من داخل لبنان. وعلى رغم قدرة حزب الله على تحويل مكاسبه العسكرية الى ثلث معطّل داخل الحكومة، يدور السؤال الأهم بالنسبة إلى الكثيرين في دمشق حول هوية رئيس الوزراء الجديد.

كما ورد ايضا الى مسامع السفارة الأميركية أن مكاسب حزب الله سوف تشكّل تقليصا على مستوى النفوذ السوري في لبنان. وان سيطرة سوريا على خط المؤن العسكرية تبقى مصدر قوتها الاقصى، ولكن سوف يكون من الصعب على سوريا الاستفادة من لعب هذه الورقة من دون إلحاق الضرر بعلاقتها المتوترة اصلا مع حزب الله وإيران وخصوصا بعد اغتيال عماد مغنية في دمشق. وذكرت بعض المصادر أنّ طريقة معالجة سوريا لعملية اغتيال مغنية والتحقيقات اللاحقة ما زالت مصدر شك في طهران وداخل حزب الله.

ومع أن سوريا سوف تدعم علنا اتفاق الدوحة، إلّا ان التقديرات تشير إلى انها سوف تستعمل نفوذها لحماية مصالح الحزب السوري القومي الاجتماعي ومصالح وكلائها في لبنان.

وتضيف أن الرئيس بشار الاسد هو مصدر السلطة المطلق وينصبّ تركيزه الأساسي على تعزيز قوته، لكنه يبدو فاقدا رؤية طويلة الأجل. ووفق حميدي كان بشار واثقا بما يكفي لأخذ الخطوات المثيرة للجدل لخفض الدعم على الوقود والدفع في اتجاه دعم اصلاحات اقتصادية غير شعبية، واعلن في الوقت عينه انطلاق مباحثات غير مباشرة مع إسرائيل في موضوع هضبة الجولان. وهاتان الخطوتان هددتا مصالح حزب البعث المترسخة، ووضعتا ايران وحزب الله على علم ان مصالح سوريا على المدى الطويل قد تنحرف في نهاية المطاف عن رغبتهم في مواصلة حرب بالوكالة مع اسرائيل.

 
السابق
مخططات استيطان جديدة وترخيص لمتحف التسامح
التالي
منيمنة: غداً المراقبة متساوية والتسريبات مستحيلة