الأحوال الشخصية في عصمة الأحزاب

بعد وصول القانون الاختياري للأحوال الشخصية إلى مجلس النواب، وبدء اللجان المشتركة التابعة للمجلس درسه، بدأ التباين في وجهات النظر يظهر واضحاً بين الأطراف السياسيين، فحزب الله رفض المشروع رفضاً قاطعاً، أما «العونيون»، فهم إلى جانب القانون، متسلّحين بموقف إيجابي من «الكنيسة»، فيما يوافق عليه تيار المستقبل وحركة أمل… مبدئياً

الكنيسة مع إقرار قانون مدني «اختياري» للأحوال الشخصية. المؤسسة الدينية توافق على خيار «يقلّص» صلاحياتها؟ يبدو الخبر مفاجئاً، لكنّ المقرّبين من البطريرك الجديد مار بشارة بطرس الراعي، يؤكّدون أنه ليس ضد إقرار القانون الذي تدرس اللجان المشتركة مشروعه في المجلس النيابي. يؤكد الأمر النائب نعمة الله أبي نصر، أحد المقرّبين من «الكنيسة» بعد مغادرته بكركي. ينقل عن الراعي حرصه على عدم الاصطدام مع «المجتمع المدني»، لا بل على العكس تماماً، الكنيسة «لا تريد أن تكون عائقاً أمام خيارات الشباب».

الكنيسة ليست ضد القانون طالما أنه اختياري ويبقي دورها مرجعاً أمّاً للأحوال الشخصية. في رأي أبي نصر، القانون «يشجع على الانصهار الوطني». يستخدم النائب الكسرواني في حديثه مع «الأخبار» لغةً جديدة أيضاً، أو على الأقل غير مألوفة، عند الحديث عن المواضيع المتعلقة بالأحوال الشخصية، من النواب اللبنانيين. فسابقاً، غطّ المشروع المشابه للرئيس الياس الهراوي (1998) في سبات عميق، داخل أدراج البرلمان، رغم تجاوزه «قطوع» السرايا. وفي الحديث عن تلك الحقبة، يستعيد الناشطون في المجتمع المدني خطاباً رخواً ومكرراً، يتهمون فيه السلطة السياسية بإجراء «صفقة» لقتل المشروع، نظراً إلى رفض «الرئيس الراحل رفيق الحريري إيّاه».

يذكر نائب آخر، من حركة أمل، تلك الفترة جيداً. يقول إن أمل كانت مع إقرار القانون وقد صوّت وزراؤها لمصلحته في مجلس الوزراء. يطلب منا أن «نستلهم» رأي الحركة في مشروع القانون، استناداً إلى ذلك الموقف. لا يرغب في إعطاء موقف حاسم. حسابات أمل عام 1998 قادتها إلى التصويت مع مشروع الهراوي يومها. ماذا لو تغيرت الحسابات اليوم؟ لا يبدي النائب المقرّب من رئيس المجلس حماسةً للتعليق. يفوته أن يذكر «نوم» أو «تنويم» القانون. والقول عن «تنويم» مجاز، استناداً إلى ما ذكّر به العضو السابق للمجلس الدستوري سليم جريصاتي، في محاضرة ألقاها في مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية، عن الرسائل التي بعثها الهراوي إلى المجلس النيابي، لمناقشة قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية وإقراره. وفقاً لجريصاتي، فإن الرسائل لم تكن ملزمة قانوناً. الرئيس الأسبق لم يهمل مشروعه، لكن المجلس أهمله. وهذا ما يفسّر موت المشروع، الذي بدأه «الحزب الديموقراطي» وقدمه النائب أوغست باخوس إلى المجلس عام 1971 أصلاً، قبل أن تنجح حركة «شمل» أخيراً، متحالفةً مع سلسلة من الجمعيات، بإيصال المشروع إلى المجلس. وللمناسبة، فإن معطيات أبي نصر تشير إلى أن إقرار القانون «ليس مستحيلاً» اليوم، مع ضرورة «إضافة بعض التعديلات عليه». بالنسبة إليه «الاكليروس الماروني» موافق إذاً هو موافق، آخذاً في الحسبان أن «الزواج يحصل في الخارج ورفضه محلياً سيكون بمثابة الاختباء خلف الإصبع». في جلسات اللجان، «العونيون» مع قانون مدني للأحوال الشخصية. وفي هذا الإطار، يؤكد مقرّب آخر من النائب ميشال عون، أن «التيار» سيصوّت إلى جانب القانون، وأن هذه التفاصيل «لن تؤثر في العلاقة مع الحليف الاستراتيجي حزب الله».

وموقف الأخير مهم في هذا الإطار، وخصوصاً بعد التصريح الأخير لنائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، إذ أعلن موقفاً واضحاً في هذا الصدد: «الأحوال الشخصية في الإسلام جزء من الإيمان والدين». موقف استدعى سجالاً في أوساط ناشطي المجتمع المدني، بين «متفهم» لموقف الحزب الديني، و«منتقد» بشدة. سجال لم يخرج من «صالونات» الجمعيات إلى ما هو أبعد من صفحات الفايسبوك. في النهاية الخيار متروك للمجلس النيابي، لكن قاسم سهّل كثيراً على منتظري رأي الحزب في المشروع الاختياري. وخلال مؤتمر عن «المرأة في اجتهادات السيد الخامنئي»، استفاض قاسم في شرح موقف الحزب من القانون: «الأحوال الشخصية الإسلامية ليست بدعة أو رأياً إنسانياً مادياً بعيداً عن الله، بل هي جزء من الالتزام». الحزب ضد القانون المدني لأنه «يخالف الشرع المقدس مخالفة تامة». أكثر من ذلك، الحزب ضد التعديلات على قانون العقوبات، التي اقترحها عدد من النواب، أخيراً، والتي تلحظ فرض عقوبات على الزوج أو الزوجة «إذا ألزم أحدهما الآخر بالمعاشرة الزوجية بما يعادل الاغتصاب». هذا أمر خطير وفيه ضرب للحياة الزوجية في رأي الحزب، الذي لا يرى معالجةً لهذه النوعية من المشكلات «خارج إطار القضاء الشرعي». المشروع المدني مرفوض قطعاً.

ويعيد خطاب قاسم الذاكرة إلى 1951، يوم قدّمت نقابة المحامين مبادرةً تاريخية، إثر صدور قانون 2 نيسان 1951 بشأن توسيع صلاحيات المحاكم الروحية للطوائف المسيحيّة واليهوديّة. حصدت المبادرة قانوناً مدنياً هامّاً، جعل الإرث بالمساواة بين الرجل والمرأة، لكن المفارقة أنه اقتصر على الطوائف غير الإسلامية، إثر اعتراضات قوية من الطوائف الإسلامية رفضت أن يشملها هذا القانون. آنذاك، قامت نقابة المحامين بتحرك نادر في تاريخ لبنان. تُوِّج التحرّك الحقوقي بإضراب عام لكل المحامين، دام 3 شهور تقريباً، وفقاً لما يؤكده ناشطون في جمعية «شمل»، التي قدّمت مشروع القانون إلى المجلس، مستغربين غياب الدور «الحقوقي» لدعم مشروع قانون اليوم. ورغم التشاؤم المحيط بالناشطين، وقلة الثقة بقدرة المجلس على دراسة الموضوع من باب إنساني واجتماعي لا سياسي، «تلمّح الأجواء» داخل اللجان المشتركة إلى إمكان مرور القانون، اللهمّ إلا إذا نام مجدداً، وبقيت الملاحظات والتعديلات عليه في اللجان المشتركة، أو في الهيئة العامة لمجلس النواب، بعد خروجه من اللجان، إذ إن قرار عرض القوانين على التصويت يعود إلى هذه الهيئة وحدها، التي تخضع، في النهاية، لسلطة رئيس المجلس.

حسابات المستقبل
لفت النائب نهاد المشنوق، في حديث مع «الأخبار»، الى أن «المستقبل» مع القانون… «مبدئياً». يستفسر النائب عن «ماهيّة اعتراضات الجماعة» على القانون، والجماعة هنا هي «الجماعة الإسلاميّة». نخبره أننا نريد أن نعرف رأي تيار المستقبل في الموضوع لا رأي الجماعة، فيقول: «لم أطّلع على تفاصيل المشروع بعد».

السابق
اللواء: تلويح أميركي بعقوبات إذا خالفت الحكومة دفتر الشروط، ومعلومات متضاربة عن لقاء بين عون ونصر الله ليلاً
التالي
استثمر بعقلك… لا بقلبك