110% التضخم التراكمي حتى 2010

مرة اخرى تظهر نتائج الاداء السياسي الداخلي قصور المسؤولين عن معالجة الحد الادنى من المشكلات المعيشية والاجتماعية، فكيف بالقضايا والمشكلات الكبرى على صعيد السياسات والخطط المستقبلية لمواجهة الازمات المقبلة، وهي أكبر بكثير مما نشهده اليوم على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والمالي.

النقطة الاكثر خطورة هي ان الدولة ستواجه صعوبات كبيرة في مواجهة استحقاقاتها المالية او ما تبقى منها للعام 2011، لا سيما الخارجية، على اعتبار ان تراجع اسعار الفوائد في الخارج والداخل خفض الطلب على الاوراق اللبنانية نتيجة تأخير ولادة الحكومة من جهة، وعدم حسم التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة من جهة ثانية، مما أحدث حالة من الترقب تجاه الاوراق الخارجية اللبنانية. يضاف الى ذلك ان مصرف لبنان تحول منذ فترة الى الممول الاساسي لاحتياجات الدولة، عبر سندات الخزينة بالليرة اللبنانية، نتيجة تراجع إقبال المصارف على الاكتتابات الا بحدود الاستحقاقات، وهذا أمر غير صحي، كما يصفه خبراء المصارف المركزية.

النقطة الاخطر هي ما يردده العديد من المصرفيين الاساسيين، في مناسبات متعددة بعيداً عن الاعلام، وهو ما تأكدت منه «السفير» من غير مصدر، بأن هناك تخوفاً من بداية خروج الودائع من لبنان نتيجة حالة عدم الاستقرار والثقة في حال الدخول في مرحلة الفراغ على صعيد مركز حاكمية مصرف لبنان. وما يؤكد هذا التوجه هو ان شهر ايار لم يسجل اية زيادة في حركة الودائع حيث زادت خلال شهر ايار فقط حوالى 180 مليار ليرة فقط، في حين ان المعدل الشهري للعام الماضي كان حوالى المليار دولار.

فالجدل السياسي بين المعالجة بواسطة المرسوم الجوال وهو الحل الاقرب الى الواقع، والمعالجة في المجلس النيابي بواسطة تعديل قانون النقد والتسليف، يساهم في تفاقم المشكلة ورفع منسوب عدم الثقة نتيجة زيادة الخلافات والتشرذم الذي يبعد إيجاد الحل للمشكلة الاساسية في الاستقرارين المالي والنقدي.

اكثر من ذلك، تؤكد بعض المصادر ان العديد من الاستفسارات الخارجية تتركز حول المهلة التي يفترض ان يتم فيها التجديد والطريقة، مع التأكيد على أهمية حصول ذلك قبل نهاية النصف الاول من حزيران، تخوفاً من طلب البعض نقل ودائعه الى مناطق اخرى قد تكون داخل المصارف اللبنانية أو خارجها.

 المؤشرات والغلاء والتضخم وضعف الاجور
بداية لا بد من التوقف عند بعض الاحصاءات التي يمكن استخراجها من اكثر من مصدر وبسهولة مطلقة، وهي تحمل من القلق على معيشة المواطن ما يكفي لوقفة خوف على مستقبل العديد من القطاعات وشرائح المجتمع اللبناني:
1- النقطة الاولى تتعلق بتأكيدات العديد من الخبراء والدراسات الخاصة بأوضاع المعيشة، ان ثلث الشعب اللبناني يعيش تحت خط الفقر، وان الثلث الثاني يتأرجح عند خط الفقر أو يحاول التمسك والثبات عند هذا الخط حتى لا ينزل تحته. أما الثلث الثالث فهو الذي يعيش فوق خط الفقر وهو الثلث المؤلف من الطبقة الغنية وما تبقى من الطبقة المتوسطة التي تجهد لإعادة تكوين نفسها من جديد.

2- النقطة الثانية تتعلق بتراجع القيمة الشرائية للمداخيل والتي تنذر بأزمة معيشية اذا ما استمر الجمود وتراجع فرص العمل ونمو البطالة أكثر من نمو الاقتصاد اللبناني المتراجع بشكل ملحوظ خلال العام الحالي بفعل الفراغ السياسي وغياب العلاجات ولو المؤقتة.
هنا يفترض التوقف عند بعض الاحصاءات الاساسية التي تقول ان موجة الغلاء المتزايدة تزيد من تآكل الاجور وترهق العائلات وتقعدها عن تأمين الحد الادنى من الاحتياجات، وهذا أمر مقلق اجتماعياً وعلى مستوى الاستقرارين الامني والسياسي. الاشارة الاساسية في الاحصاءات تقول ان التضخم المتراكم أو التضخم التراكمي بين العام 1996- 2010 (العام 1996 هو آخر عام صححت فيه الاجور فعلياً) بلغ حوالى 110 في المئة، وبعد التصحيح الاخير المقطوع الذي حصل بزيادة 200 الف ليرة على الاجور في القطاعين العام والخاص بقيت الاجور خاسرة لأكثر من 60 في المئة من قدرتها الشرائية. وهذا يعني ان الهم المعيشي قبل غلاء العام 2011 كان من غير المقدور عليه وهو ما سيجعل الثلث المتوقف عند خط الفقر للنزول الى تحت هذا الخط قبل نهاية العام نتيجة حالة عدم الاستقرار غير المشجعة للأستثمار وفرص العمل وضاربة للعديد من القطاعات.

هنا اهمية الوقفة المشتركة بين العمال واصحاب العمل لتلافي الازمات المقبلة دفاعا عن المصلحة المشتركة ضد الاداء السياسي الذي بات مرهقاً للمواطن كما للقطاعات الانتاجية المهددة بالتوقف وصرف العمال والعجز عن تسديد متوجباتها والتزاماتها، مما سيرفع الديون التجارية المشكوك بتحصيلها الى اكثر من 4 مليارات دولار في نهاية العام 2011 نتيجة تزايد عدد الشيكات المرتجعة على المستوى المتوسط والصغير الحجم، مما يؤشر الى توسع رقعة العجز عن السداد، وهذا أمر جعل الهيئات الاقتصادية وأصحاب العمل يتحركون بقوة اكثر من الاتحادات العمالية والنقابية التائهة بين المرجعيات السياسية والطائفية، وهو أمر لن يطول كثيراً امام تزايد الوجع الاجتماعي وارتفاع منسوب الفقر والعجز عن مجاراة اعباء واكلاف الخدمات واسعار السلع.

معروف ان تآكل الأجور سببه الاساسي التضخم وارتفاع الاسعار في دول الانتاج والمنشأ، وهو امر يصيب لبنان والدول المماثلة اكثر من غيرها، باعتبارها من الدول المستهلكة والمستوردة لاكثر احتياجاتها من المواد الضرورية والاستهلاكية. ومعروف ان لبنان يستورد اكثر من 80 في المئة من احتياجاته، وهذا واضح من خلال عجز الميزان التجاري حيث بلغت قيمة المستوردات حوالى 16 مليار دولار سنوباً مقابل صادرات لبنانية بحوالى 3,7 مليارات دولار، وهذا يعني ان العجز يقارب 13 مليار دولار سنوياً في نهاية العام 2011 نتيجة اوضاع لبنان والمنطقة في المرحلة الراهنة.

هذه الطبيعة الاستهلاكية في لبنان تجعله عرضة للتأثر بنوعين من الانعكاسات الخارجية والداخلية. الخارجية بمعنى التضخم العالمي والارتفاعات الكبيرة في الاسواق الاوروبية والعالمية التي يستورد منها لبنان. فمعظم مستوردات لبنان من اوروبا وارتفاع سعر اليورو انعكس مباشرة على اسعار السلع والادوية والمواد الغذائية والحبوب والحليب، الامر الذي أظهر العجز الفوري للمداخيل والاجور عن مواكبة سرعة تطور الاسعار.

كذلك الامر بالنسبة للتأثير الداخلي، وهو عنصر لا يقل اهمية عن العناصر الخارجية والمؤثرات الخارجية لغلاء السلع وانعكاسها على الاجور. فعنصر الحرية الاقتصادية يجعل السوق اللبناني عرضة للاحتكارات اكثر نتيجة ضيق السوق وغياب الانظمة المؤثرة في ضبط الاسعار، عن طريق المراقبة او الملاحقة في فرض نسب الارباح، الا لبعض المواد، من الرغيف الى المحروقات، حيث الدولة تحدد الاسعار وفق تطور الاسعار العالمية، وكذلك الامر بالنسبة لموضوع الدواء الذي يسعر بالتعاون مع الوكلاء والمستوردين من دون اي قدرة للدولة في كسر الاحتكارات او الحد من معدلات ووتيرة الارتفاعات المتواصلة.

هناك موضوع ارتفاع اسعار الطاقة والنفط، وهو امر يصيب الاجور والقدرة الشرائية للمداخيل اكثر من أية سلعة اخرى كما يصيب عجز الموازنة كون الكهرباء تأكل وحدها أكثر من 12 في المئة من حجم النفقات العامة حيث يقدر عجز الكهرباء هذا العام بأكثر من 1,8 مليار دولار على برميل نفط بحدود 100 دولار تقريباً. ولا بد من التكرار هنا بأن هذا الامر له علاقة مباشرة بطريقة وشمولية استخدام الطاقة من الانتاج الصناعي الذي يتأثر ارتفاعا، وكذلك الانتاج الزراعي. ناهيك عن اسعار الخدمات وكلفة الكهرباء في التعرفة الخاصة وتزايد استهلاك المياه المشتراة، اضافة الى الكلفة على الخزينة التي يمولها المواطن نفسه.

الى ذلك يضاف العنصر الاساسي وهو المتعلق بتراكمات ضعف بنية الاجور في القطاعين العام والخاص، وهو أمر قديم ومزمن، ويفترض ان يعالج بسياسة اجتماعية محددة، فيها سياسة واضحة تربط الاجور بالاسعار والتضخم.
نقطة اساسية اخرى لا بد من التطرق اليها، وهي ان استمرار ارتفاع اسعار السلع الاساسية لا يمكن ان يعالج في الداخل الا من خلال تعزيز القطاعات الانتاجية المحلية في الزراعة والصناعة بهدف تخفيف فاتورة الاستيراد. وهذه الخطوة يجب ان تسبقها آلية متحركة لتصحيح الاجور بواسطة قيام مؤشر الاجور مع وضع مؤشر دقيق للغلاء والاسعار، وإبطال المؤشرات المتنوعة التي تعتمد توجهات ومصالح فرقاء الانتاج كل وفق حساباته الخاصة. كل ذلك نتيجة ضعف التحرك والتمثيل النقابي وعدم استقلاليته عن المرجعيات السياسية والطائفية.

السابق
نتنياهو توعّد بإدخال قوّات إلى سوريا ولبنان
التالي
قبيسي: لن نرضى ان تستغل مؤسسات الدولة ووزاراتها لمصالح شخصية