إسرائيل تخشى تبني الفلسطينيـــين تكتيكات ميدان التحرير

اصطدمت الجهود لحل النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني بعقبة أخرى، قد يقول البعض: ما الجديد في الأمر؟ لقد ظللنا هنا لجيل من الزمان، ولاتزال الكرة الارضية تدور، ويمكن للأميركيين ان يحاولوا مرة اخرى العام المقبل، أي بعد الانتخابات الرئاسية! ونقول لهم ان الجديد هو انتفاضات الربيع العربي.

أي شخص شاهد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يخاطب الكونغرس الاميركي سيتعاطف مع العرب ويؤيد موقفهم، فهذا الشخص لا يمكن ان يفاوض بجدية الفلسطينيين، وقد عبر دبلوماسي إسرائيلي سابق عن خطاب نتنياهو بقوله: «كل شيء يتغير، لكنه مصمم على أن كل شيء باق على حاله». لا يمكن للعالم ان ينتظر هذه المرة، فقد تركت الاحداث اسرائيل وراءها، وصارت الانتفاضات العربية تعمل على ترتيب البنية الجيوبوليتكية للشرق الاوسط من جديد، وسيسعى الفلسطينيون لاستقطاب اعتراف عالمي لدولتهم، عندما يلتئم شمل الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل. ويرى نتنياهو في هذا التغيير الذي يعتري المنطقة حجة اخرى لرفض المساومة، في الوقت الذي يرى فيه اصدقاء اسرائيل العكس من ذلك، وقد تطابقت رؤية الرئيس الاميركي، باراك اوباما، مع المعايير السابقة التي ترى العودة لحدود عام 1967 مع مبادلة الارض، وهذه تشكل نقطة البداية للاتفاق.

وترى الدول الاوروبية تحت قيادة بريطانيا وفرنسا، ان يمضي الرئيس الاميركي قدماً بوضع المعايير الاخرى للدولتين، ولا شيء جديد في هذه الناحية، وهناك اتجاه بأن تعطي الاسرة الدولية الضوء الاخضر لوضع الأسس الهيكلية للاتفاق.

ويبدو أن معظم الحكومات الأوروبية تتجه لتأييد مطالب الفلسطينيين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، اذ لم يعد لديهم أي خيار اذا ما نبذت الحكومة الفلسطينية الموحدة مبدأ العنف، كما ان هناك احتمالاً بأن يتسبب أي «فيتو» صادر عن الامم المتحدة لانتفاضة ثالثة.

قبل فترة ليست بالطويلة، كانت اسرائيل آمنة في محيطها الإقليمي، فقد كانت تركيا ومصر حليفتان لها بشكل أو بآخر، وتشكلان اعمدة تضمن لها الاستقرار ضد أي مفاجأة اقليمية يقف من وراءها طموح ايران النووي، والآن فقد ابتعد نتنياهو عن انقرة وتنحى حليفه الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، وربما يذهب أيضا الرئيس السوري، بشار الأسد، الذي هو عدو لإسرائيل لكنه على الأقل عدو معروف.

وفي هذه اللحظات تتلاطم أمواج الديمقراطية على حدود اسرائيل، وينهار النظام القديم، وقد ينهزم بعض القادة في ميادين المعارك، أو يحاصروا أو الاثنين معاً، ونحن نعرف انه من الصعب اخماد الجذوة الديمقراطية، وتشكل التظاهرات السلمية كابوساً مرعباً لنتنياهو، لا سيما عندما ينضم إليها سوريون وأردنيون، كما حدث الشهر الماضي، اذاً فكيف ستستجيب اسرائيل اذا تبنى الفلسطينيون تكتيكات ميدان التحرير؟ فقد مضت تلك الايام التي كان الجواب فيها على التظاهرات هو الغاز المسيل للدموع.

لقد قاد نتنياهو اسرائيل الى عزلة دولية، وأفرزت علاقته المشروخة مع اوباما ما يشبه الفراق بينه وبين أوروبا، ولم تستطع كل من فرنسا وبريطانيا اخفاء استياءها، وفقدت المانيا بحكم اسباب تاريخية صبرها معه. وجاءت نقطة التحول في فبراير الماضي عندما أيدت هذه الدول قراراً أصدره مجلس الأمن يشجب توسع نتنياهو في بناء المستوطنات غير الشرعية. وأيد 13 من اجمالي 15 عضو في مجلس الامن ذلك القرار، ولم ينقذ نتنياهو سوى «فيتو» اميركي. وكانت انظار العالم في ذلك الوقت متعلقة بالأحداث الجارية في مصر، واتسعت الشقة بين اسرائيل والدول الاوروبية، وجاء في بيان الدول الثلاث ان السلطة الفلسطينية قد طورت آلياتها لإرساء قواعد لدولة ديمقراطية سلمية ترتكز على مبدأ حكم القانون، مستعدة للعيش بسلام وامن مع اسرائيل. وفي ما يتعلق بالأسس بالمعايير، فهي كما كانت من قبل تتمثل في: العودة الى حدود ،1967 ومبادلة الارض، وتوفير الامن الكامل لإسرائيل واعتبار القدس عاصمة مشتركة، والوصول الى اتفاق بشأن اللاجئين.

مؤلفو هذه الوثيقة ليسوا أعداء لإسرائيل، فوزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، كان صديقا لإسرائيل منذ ان عرف كيف يرتدي بنطاله، كما ان المستشارة الالمانية، انغيلا ميركل حليفة قوية لإسرائيل، وكلا الحليفين يهتمان بمستقبل اسرائيل، لكن مع مجيء نتنياهو فإن كلاهما اصبح يقول «كفى كفى» .

وبالنسبة للأميركيين والأوروبيين، فإن الاستقرار الاستراتيجي للشرق الأوسط وأمنه مسألة لا يمكن فصلها عن طموحات الفلسطينيين، ولا عن امن اسرائيل، ويخطط نتنياهو نحو مسار لإسرائيل يصبح فيه اليهود اقلية، والفلسطينيون يساقون فيه الى محميات تشبه تلك الموجودة في جنوب افريقيا إبان التفرقة العنصرية.

ينبغي أيضا مطالبة الفلسطينيين بأن تتضمن المصالحة بين «فتح» و«حماس» نبذ العنف، ويمكن اختبار نوايا الفلسطينيين بشكل صادق، عندما يصبح خيار الدولة الفلسطينية على الطاولة.

ووفقاً لما قاله اوباما بأن «للفلسطينيين الحق في ان يحكموا أنفسهم بأنفسهم، في دولة مجاورة ذات سيادة». وكان رد نتنياهو على ذلك هو انحيازه للجمهوريين للانتخابات الرئاسية عام ،2012 لا سيما أنه ابتهج للتصفيق الحار في الكونغرس الاميركي، لكن هل في حديثه امام الكونغرس شيء ما يشبه أي خطة لحماية الامن الاستراتيجي لإسرائيل؟

ووفقاً لحسابات نتنياهو، فإن العقبات ستعترض طريق اوباما قبل انتخابات العام المقبل، لكن من المحتمل ان تصبح الولايات المتحدة مجرد شريك ثانوي للأوروبيين في التسوية النهائية. اما الخطوة التالية، فإنها قد تتمثل في قرار من مجلس الامن يضع القواعد للمعايير الاربعة.

أما طموح نتنياهو في جميع هذه المناورات فإنه لا يتعدى محاولاته الجاهدة للاحتفاظ برئاسة الوزراء، هناك أيضا تفسير لهذه المناورات، وهو انه لم يكن مستعدا لاستيعاب فكرة دولة فلسطينية، وهو الوضع الذي ظهر للسطح بسبب تسارع الأحداث.

وفي جميع الأحوال فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي وضع نفسه في معية القادة الشرق اوسطيين الذين تجاوز الزمن رؤاهم، فلم يتبق له سوى حليف أو حليفين ليعيد عجلة التاريخ للوراء.

السابق
المنطقة العربية في 2016 أكثر ديمقراطية وأكثر إسلامية
التالي
آثار المواجهة مع الولايات المتحدة