«إخوان» سورية ينتظرون في الحضن التركي عودتهم الى المعادلة … حكاماً أو شركاء

تجربة الإخوان المسلمين السوريين في الخارج، أكسبتهم تفرداً ميزهم عن أشقائهم الإخوان الأردنيين والمصريين من حيث العلاقات الدولية والنهج البراغماتي في التعامل مع النظام. إلا أن خصوصية المسار السياسي السوري الداخلية والإقليمية، منحتهم أيضاً «مساحة» أوسع من حجمهم ضمن أطياف المعارضة، جعلتهم يختلفون من حيث هيكلية سلوكهم السياسي – وليس الإيديولوجي والعقائدي – تجاه الداخل السوري وإقليمه عن أي تجربة إسلام سياسي آخر. هذا ما يطرح تساؤلات حول مستقبلهم في سورية في ظل حركة الاحتجاجات الحالية وما ستسفر عنه.

على رغم أن الإخوان المسلمين في شكل عام وعلى مدار تاريخهم منذ تأسسهم كـ «تنظيم» 1928 لم يستطيعوا أن يصلوا ليحكموا أي بلد عربي (باستثناء وضع حماس الخاص)، فإن الإخوان السوريين يدركون أن سورية تحديداً لا يمكن بأي حال أن تُحكم وفقاً لأية أيديولوجية دينية، الأمر الذي جعلهم دوماً يعلنون أنهم لا يبغون قيادة سورية، وإنما «المشاركة» في هذه القيادة أو الالتجاء إلى صناديق الاقتراع، الذي ما زال يقرأ ضمناً وفق العقلية الإخوانية والتوزع الطائفي (السنّة أكثر من 60 في المئة)، وهم في ذلك، يدركون حقيقة الإقصاء السياسي على مدار خمسة عقود لفاعليات المجتمع السوري. وبالتالي، ليس مستغرباً أن يلجأ خطابهم ويتشبث، بل ويختصر التغيير الديموقراطي بتكتيك «صندوق الاقتراع».

الناحية التي استفاد منها إخوان سورية هي تقليص أو اختصار مشهد «الإسلام السياسي» المعارض بهم وحدهم، خلافاً لما عليه الحال في مصر أو الأردن حيث التفرعات الإسلامية المعارضة متعددة على رغم بقاء الإخوان هناك الأقوى على الأرض. لكن في سورية وبسبب غياب السياسة على مدار حكم البعث، وإصرار دمشق على عدم احتوائهم سياسياً، تمكنوا وهم في خارج البلاد من أن يلعبوا دوراً كبيراً في معارضة النظام السوري، وأن يشكلوا ثقلاً تنظيمياً هو الأقوى من نوعه من بين جميع أطياف المعارضة السورية بما فيها اليسارية، هذا إضافة إلى انتشارهم على الأرض في الداخل السوري كما يقولون. لكن هذا الانتشار إن وجد، فإنه لا يتعدى أفراداً ولا يرقى الى ان يكون ثقلاً هيكلياً سرياً يقف وراء الاحتجاجات التي يشهدها الشارع السوري أو حتى جزء منه. ولا يعود هذا إلى حظر التنظيم وإعدام كل من ينتسب له بفعل قانون 1980، بمقدار ما يرجع إلى فقدان الشارع السوري جزءاً كبيراً من ثقته بالإخوان السوريين، الذين ارتبطوا بذاكرة دموية و«جهادية» مسلحة، من دون أن يقدموا للشعب السوري إلى الآن «تفسيراً واضحاً» من شأنه أن يخفف وطأة تلك الذاكرة.

فقدان الشارع السوري ثقته بهذا التنظيم، كان قد عززه سلوكه السياسي المتقلب في السنوات الست الأخيرة: ليس أقلها التحالف العلني في 2006 مع رمز من رموز النظام الحالي النائب السابق عبد الحليم خدام في «جبهة الخلاص الوطنية» (أجهض هذا التحالف بعد ثلاث سنوات تقريباً) والذي سُبق في 2005 بالتوقيع على إعلان دمشق، ثم التوقف أو تعليق معارضة النظام أثناء الحرب على غزة، ثم بعد ثمانية عشر شهراً لتعاود معارضة النظام، والآن ومن تركيا استغلال كعكة الاحتجاجات…الخ. هذا السلوك السياسي للإخوان هو ما يثير عند طيف من المعارضة والشارع السوري في شكل عام، إشارات استفهام من الصعب توضيحها في هذه المرحلة. لذلك فإن جزءاً كبيراً من مصير الإخوان المستقبلي في رسم الخريطة السياسية لسورية، لا يرتبط بمدى حضورهم وامتداد نفوذهم في الشارع السوري، بقدر ما يرتبط بمسار الحياكة الخارجية للشأن السوري والإقليمي.

فخارجياً، ليست ثمة مشكلة في ما يخص الولايات المتحدة بالتعامل مع تنظيم الإخوان المسلمين – الذي ما فتئ يقدم نفسه في السنوات الأخيرة بوصفه معتدلاً وليبرالياً. فالميل الأميركي والغربي الآن لإبعاد شبح الإسلام السياسي ومنظماته الأخطبوطية في الغرب وتخفيف وطأة ثقله هناك، يتقاطع مع دعم تطلعات الشعوب العربية في التغيير الديموقراطي، وفي الوقت نفسه يصب لمصلحة الإسلام السياسي «المعتدل» الذي بدأ الآن يقطف ثمار الانتفاضات العربية (النهضة في تونس، الإخوان في مصر)، الأمر الذي يلتقي – في عجائبية جديدة بدأت تفرزها المنطقة – مع مصلحة واشنطن في محاربة الراديكاليات الإسلامية السلفية بالاعتماد على الإسلام المعتدل، وبخاصة بعد تضعضع الديكتاتوريات العربية. وقد عبرت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في 23 شباط (فبراير) عن عدم معارضتها وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر. ومن المتوقع جداً أن تطبق هذه السياسة الجديدة حيال سورية، بل ربما يتم الطبخ لها بالتعاون مع تركيا خصوصاً، والتي قدمت للغرب الأنموذج الأرقى للإسلام (السنّي) الليبرالي بقيادة «حزب العدالة والتنمية» (ذي الأصول الإخوانية)، مع بقاء سفارة إسرائيل على أراضي تركيا، وبقاء عضوية تركيا في الناتو، ومع السعي الحثيث للدخول في عضوية الاتحاد الأوروبي. هذا النوع من الإسلام السياسي هو ما تفضل الآن الولايات المتحدة العمل معه. وبالطبع ليس عند الإخوان المسلمين السوريين (المحنكين) من مشكلة في ذلك، ما دام العقل السياسي الإخواني يقرأ بمنطق «الواقف على التل».

ترتيب أوراق الأميركيين مع الإخوان يعني من ضمن ما يعنيه بالدرجة الأولى أن لا يؤثر على استقرار وأمن إسرائيل، ويعني أيضاً مراعاة الوضع الاستراتيجي للمنطقة، والتسويات والتغييرات المحتملة في إعادة رسم الخريطة السياسية لها، ليس أقلها تسوية ملفات بما يخص العلاقة مع إيران و «حزب الله» المناقِضَين سلفاً من الناحية الإيديولوجية والعقائدية لتوجه الإخوان، الأمر الذي يصب في مصلحتهم.

وفي أي سيناريو قادم سيكون للإخوان المسلمين موطئ قدم (حتى لو مالت الكفة للنظام السوري)، ولا يهم في هذه الحالة، الإيديولوجيا أو الالتزام العقائدي الديني، إذا بدا أن الرياح السياسية تجري لمصلحتهم؛ كما فعل «البيانوني» في حزيران (يونيو) 2006 في حوار مع وكالة «رويترز» عندما طمأن إسرائيل والغرب، لجهة استعداده للدخول في مفاوضات مع إسرائيل: «لم لا؟. ليست هناك مشكلة؟. لكن هذا لا يلغي حق الشعوب في مقاومة المحتلّ إذا لم ينسحب». وهو ما يعني في المرحلة الآتية احتمال بروز هذا التنظيم في المشهد السياسي السوري مع الاعتراف به كتنظيم سياسي (تحت أي مسمى كان)، ومن ثم المشاركة الفاعلة بما تمر به سورية من تغيرات داخلية وانعكاسها على الوضع الإقليمي.

السابق
“شَرارة” بن جلّون في الربيع العربي
التالي
ملامح أحمد بيضون