أمل والإحيائية المذهبية

(خاص جنوبية)
كانت "أمل" حركة طائفية تسعى إلى تحسين شروط الشيعة في الدولة، ولم تكن المذهبية باعتقاداتها وعقائدها مسألة ضميمية، أو هوية يتقيد المنتسبون بسماتها الشرعية.
لذا استوعبت حركة أمل الطائفة، وكانت بالنسبة لها بمثابة الوعاء السياسي الذي يتضمن مصالح الطائفة. ومن هنا بدأ التماثل في الشكل والمضمون يأخذ ازدواجية العلاقة ما بين الإطار والطائفة.
ومع ولادة حزب الله، واجهت حركة أمل منافسة داخل الطائفة وعليها أدت إلى المشاركة في القسمة السياسية، ومن ثم إلى ازدياد دور الحزب على حساب الحركة ولكن باستئذان "الأستاذ" نتيجة لديناميات وحيويات تفتقدها الحركة ويمتلكها الحزب في مناحي كثيرة ومتعددة.
ولقد أدى الاتفاق الأخير بين أمل وحزب الله، بعيد تشكيل أمل وفق هندسة مذهبية استدعتها طبيعة المرحلة السياسية، وتشظي التركيبة اللبنانية بشكل مذهبي حاد، وضمن اصطفاف استثنائي لم يشهده التاريخ السياسي في لبنان وبمراحله كافة.
هذا المناخ اللبناني القائم، وهذه الطبيعة الطائفية المستمرة، دفعت بحركة أمل إلى الانتقال طوعاً من موقع الريادة الطائفية إلى الذيلية المذهبية، وفي محاولة منها إلى تكرار تجربة الحزب في بدايات نشأته، وإلى التماهي مع جوهر الطائفة في المعايشة الحيّة للشعائر المذهبية وبإسرافية غير مدروسة.
من هنا تفاجأ الكثيرون في السنوات الأخيرة من ورش أمل المذهبية، ومن إحيائياتها للشعائر ضمن سلسلة متواصلة من المناسبات. فلم تعد تنتظر حركة أمل مناسبة عاشوراء لإحياء مراسيمها، والتعبير من خلالها عن دورها الوطني، ومن موقع الطائفة المحرومة. بل جعلت من مجالس الحسين(ع) دورات كاملة وعلى مدار السنة، إضافة إلى سرديات مذهبية متعلقة بالولادات والوفيات للأئمة(ع) وباتت تُركز على مضامين مذهبية مضافة على العناوين المتفاهم عليها.
من هنا ثمة من يستقرأ السلوك الأملوي المذهبي بطريقة توصيفية كما تقدم، وثمة من يستقرأه بطريقة تحليلية واصفاً المشهد المذهبي لطائفية أمل وواضعاً له في دائرة الاستهلاك الديني للتعويض عن واقعها النضالي المفرغ، بعد أن وصلت حركة أمل إلى مرحلة الإشباع السياسي. وبالتالي فإن التقارب مع حزب الله دفع الكثيرين من أتباعها إلى التماثل وبطريقة نسخية وبتقليد كامل لنماذج الحزب في الإحياء للشعائر.
وثمة من يشير إلى أن وطنية الطائفة التي أسس عليها السيد موسى الصدر خشبة خلاص الطائفة، وسّع في مسارحها الرئيس نبيه بري، قد تمّ تصفيتها لصالح المذهبية الضيقة. وهنا تكمن الخسارة الأملوية الصدرية، وهنا وجد الرئيس بري نفسه غريباً بين مذهبية الحركة ووطنية الرئاسة.
وأمام مرآة هذه الرؤية، تقف وجوه متعددة لحركة متصلة بالخدمة الطائفية وهي إحدى مسببات استمرارها السياسي، وإحدى أسرارها الوجودية، ومجالاً في مجالاتها التعبوية كمكوّن شريك، لا كمجموعة مقفلة ونائية في دائرة من الإسمنت السياسي المذهبي.
بالتأكيد ثمة استدعاء داخلي لنمطية فردية تحاول خنق الوطنية لصالح النفق المذهبي، وهو ينشر مروحة واسعة من الأشكلة المذهبية، تحسساً منه وتحسباً لواقع طائفي ضاغط مذهبياً، وعليه الاستفادة منه لتتغذى القواعد التي قد تغادره إلى أمكنة أخرى.
إن هذا الاستدعاء القسري يقابله استدعاء طولي بدأ يفرض نفسه من خلال عناوين دينية تجد في مذهبة الحركة مقصداً دينياً يغذي العصبية، لذا يستعمل عصا الشعائر للاتكاء عليها ولإحراز مآرب أخرى.
إن ما تمرّ به الحركة من مخاض جديد، قد يوفّر لها تماسكاً سلبياً ولكن البحث عن تماسكات في الوحدة الوطنية شعور يغطي الشغور القائم، ويجعل أمل طائفة وطن لا طائفة محاصصة وبالتالي تعيد إنتاج نفسها وفق أدبيات الميثاق ووفق قواعد، قائمة على شروط اجتماعية وسياسية توفر للمحروم ما حُرم منه وللمغبون ما غُبن فيه.

السابق
عن رحلتي إلى دمشق: أشياء كثيرة تغيّرت
التالي
السفير: ذكـرى النكسـة تفتـح جبهـة سـوريا أمـام العائديـن