الاتوار: المطلوب استراتيجية وليس مجرد بيان من لقاء بكركي

البطريرك الماروني الجديد مار بشارة بطرس الراعي ما زال يفاجئ الجميع بخطوات كانت تُعتبر في القريب المنظور بأنها من المستحيلات، وكثيرون راهنوا على انه لن يستطيع تحقيقها.
الرهان الأول كان على قدرته على جمع القادة الموارنة للمصالحة والمصافحة، كسب الرهان وحقق اللقاء، لكنه لم يكتفِ به إذ كان الإعتقاد بأن اللقاء سيكون يتيماً وان ليس له ما بعده، لكن الواقع كان عكس ذلك إذ لم يكد اللقاء الأول ينتهي حتى كان البطريرك الراعي يفكر في اللقاء الثاني، وهو ليس لمصالحة القادة، التي أُنجزت، بل لفتح الملفات التي تقض مضاجع المسيحيين والتي يتشاركون في همومها مع سائر اللبنانيين:

الملفان الملحان كانا ملف بيع الأراضي وملف التوظيف في الدوائر الرسمية، بيَّنت الدراسات التي قُدِّمت للمجتمعين ان عملية بيع الأراضي شهدت نِسباً مخيفة، فهناك مناطق عمليات بيع المسيحيين لأراضيهم بشكل كبير إلى درجة أن مناطق بأكملها لم يعد فيها أثرٌ لوجودٍ مسيحي بعدما باع أبناؤها أرضهم.

هنا لا بد من فتح مزدوجين لمقاربة هذه الظاهرة مقاربة علمية واقعية بعيدة عن العواطف والإنفعالات، إن بيع الأراضي متعدد الأسباب وليس كما يعتقد البعض يعود إلى سبب العوز أو السبب المادي، فمنهم مَن يبيعون أراضيهم بعد الإختلالات الديموغرافية، ولسان حالهم يقول (لم يعد لنا مستقبلٌ في هذه المنطقة) فيبيعون أرضهم ويلجأون إلى منطقة يعتقدون بأنها أكثر أماناً بالنسبة إليهم.
إنطلاقاً من هذا المعيار الذي لا يجرؤ كثيرون على التحدث به، ما هي الإجراءات التي يجب اتخاذها لوقف بيع الأراضي خصوصاً عندما تكون الخلفية غير مادية?
هناك وسيلتان لا ثالثة لهما:

إما إقناع مَن يريد البيع، بعدم البيع، وإما إيجاد مؤسسة مسيحية تتولى هي شراء الأرض.
هذه الالية تشكِّل وحدها الوسيلة العملية لوقف هذا النزف، لكن هل هذا كافٍ?
إذا تعمَّقنا قليلاً فإننا سنجد أن المسألة تحتاج إلى أكثر من خطة إنها تحتاج إلى استراتيجية وإلى فهم أكثر عمقاً لمسألة الأرض، فهي ليست سلعة نشتريها حين نحتاج إليها ونبيعها حين تنتفي الحاجة إليها، إنها رمز الهوية وعلة وجودها، فمن دون أرض لا هوية، إذا بدأنا بهذا الفهم فإن مسألة بيع الأراضي تصير أكثر صعوبةً لأنها تتحوَّل إلى مسألة وجدانية وإلى مسألة أخلاقية.
ثم هناك قضية ثانية تتعلَّق بأبناء المناطق النائية، فهؤلاء يشعرون بأن الأرض لا قيمة لها بالنسبة إليهم لأن كل الخدمات متمركزة في العاصمة ومحيطها، هذا الواقع يوصِل مباشرة إلى فتح ملف إنماء المناطق النائية ليستطيع أبناؤها العيش فيها، فأين هذا الإنماء الذي سُمِّي (الإنماء المتوازن) الذي من شأنه أن يجعل اللبناني والمسيحي خصوصاً يتمسك بأرضه?
إنه أبعد من لقاء، إنه طرح هواجس للحاضر والمستقبل بهدف جعل المسيحيين يتمسكون بأرضهم أما السبل إلى ذلك فمتشعبة، وللبحث صلة…

السابق
الحياة: ميقاتي يتمنى إعلان الحكومة قبل جلسة 8 حزيران
التالي
زياد الاسود من حضانة “لحد”… إلى حصانة البرلمان