8 حزيران: يوم الحشر “البرّي”… لجنبلاط

باشر وليد جنبلاط طقوس "التكفير" لـ 8 آذار، انتظارا لـ"الهجرة"، وهذا ما فعله مع 14 آذار من قبل. إنه ينتظر المشهد السوري، وإنه الانطباع الغالب، يزداد تسارع الأحداث في سوريا، تتسارع الخطوات في بيروت، لدى جنبلاط كما لدى كثيرين سواه.

لكن الرئيس نبيه برّي يحشر اليوم جنبلاط، الذي لا يستطيع مقاطعة جلسة 8 حزيران إذا أصرّ عليها "أبو مصطفى". فرئيس المجلس يطمح إلى إنجاز تشريعي للغالبيّة الجديدة، هو الأوّل بعد "إنجازها اليتيم" تسمية نجيب ميقاتي رئيسا مكلّفا.

الجلسة ستكشف المتردّدين. لذلك طلب جنبلاط من صديقه برّي "بالمَونة" أن يبعد هذه "الكأس" ويؤجّل الجلسة. وهو أرسل إليه النائب وائل ابو فاعور مرّتين في يوم واحد، لعلّ ذلك ينجح في توفير الإحراج عنه وعن سائر الوسطيّين في الغالبية الجديدة، وبينهم ميقاتي و"التكتل الطرابلسي".

لكن برّي مصرّ على الجلسة، ففي غياب الضوابط الدستورية التي تنظّم مرحلة الفراغ الحكومي، يتسابق الأقوياء على ابتداع الاجتهادات سعيا إلى الإمساك بالسلطة، وليس هناك مجال للوسطيّين والمتردّدين في ساحة الصراع: إمّا معنا وإمّا علينا!

وتأتي الموجة الجديدة من التفاؤل في ملفّ تاليف الحكومة لتعطي جنبلاط حجّة في الدعوة إلى تأجيل الجلسة العامّة. فحاكم مصرف لبنان تستمر ولايته حتى نهاية تموز. ولا داعي لابتكار الأفكار "الاستثنائية" إذا انتعشت الفرص للتأليف. وثمّة انطباع بأنّ الهدف من تظهير موجة التفاؤل هو إسقاط المبرّر للجلسة.

مبادرات من أجل النظام.. ولكن

يلتزم جنبلاط درجة من الحذر في تحديد اصطفافه اليوم، وهو ليس في وارد الخوض في تجارب أو مغامرات جديدة. والنقطة المركزية اليوم بالنسبة إليه هي معرفة مستقبل الوضع في سوريا ومصير نظامها.

قرر جنبلاط استثمار رصيده الاضطلاع بدور الوسيط من أجل النظام. والمطّلعون على موقفه يؤكّدون أنه لا يناور. فهو يجد في استقرار هذا النظام ضمانة للأقلّيات في لبنان وسوريا والدروز منهم. لكنه خرج مصدوما من المحاولة: أوراق الأسد محروقة في كلّ مكان.

جيفري فيلتمان من البديهي أن يعبّر لجنبلاط عن مواقف صارمة تجاه الأسد. لكن المفاجأة كانت في باريس. فوزير الخارجية ألان جوبيه كان أشدّ وضوحا ضدّ الأسد. وأبلغ "ابو تيمور" ومعه الوزير غازي العريضي، أنّ باريس أعطت الأسد ما لم يعطه إيّاه أيّ طرف دولي، في مقابل التزامات تتعلّق بلبنان وسوريا والملف الشرق أوسطي عموما، لكنه نكث بها. وهي لن تمنحه فرصة جديدة ما لم يتجاوب مع المطالب بالإصلاح.

ثمّ كانت زيارة جنبلاط لقطر، حيث لمس والعريضي مدى الغضب الذي عبّر عنه أميرها حمد بن خليفة ورئيس وزرائها حمد بن جاسم من الرئيس الأسد، محمّلين إيّاه المسؤولية عن إسقاط اتفاق الدوحة. ووجد "ابو تيمور" نفسه في موقع الدفاع عن النفس تجاه تحميله جانبا من المسؤولية عن الانقلاب على الدوحة، بعدما أتاح المجال لتغيير الغالبية النيابية وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري. وقد وضع السوريّين في أجواء هذه المعطيات من خلال الزيارات الأسبوعيّة التي يقوم بها العريضي لدمشق، ولقائه اللواء محمد ناصيف.

تركيا والسعودية

ولا يبدو جنبلاط مرتاحا لمعاكسته سياسيّا أجواء القوى الدولية والإقليمية المعنية بالملفّ اللبناني، وكان تبلّغ مطلع العام الجاري من الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز في خلال اتصال من الأمير مقرن بن عبد العزيز، ان العلاقة معه انقطعت، وهو بذلك أضعف رصيده في المحور الإقليمي السنّي.

ويسير اليوم وليد جنبلاط بخطى شديدة التأنّي. فهو يترقب الوضع السوري. وهناك من يعتقد بأنه سيستكمل جولاته دعما لنظام الأسد. وقد يزور تركيا لأنها الأكثر تأثيرا اليوم من خلال احتضانها للمعارضة السوريّة، إذا وجد أنّ الظروف تساعده على ذلك. ولكنه في الوقت عينه يعمل لترتيب تموضعه داخليّا بما ينفي عنه صفة الانقلابي الذي أخذ البلد من محور إلى آخر، أو ساهم في غلبة الشيعة على السنّة. وفي هذا المجال وجّه رسالة إلى السعودية والقوى السنّية الكبرى في المنطقة من خلال حركته التي بدأت مع المفتي محمد رشيد قباني والرئيس سليم الحص والنائب تمام سلام، إضافة إلى تواصله مع الرئيس ميقاتي. وفحوى هذه الرسالة أنه لا يقاطع القوى السنّية، ولو خرج من "الحلف المقدّس" مع "تيار المستقبل".

السابق
أكا أكي: هل يمكن أن نتعارف؟
التالي
المحسوبيّات تصيب المياه في زمن الشحّ