نتنياهو.. مدرسة الموت

ذات مرة سمعت خطيباً يقول: «النازية لم تمت، والعدالة هي التي تموت، والصراع مع اليهود لن يتوقف عند ميل واحد»، وكنتُ بعد طفلاً، لا أعرف معنى الهتلرية والنازية، لكن هذه العبارة قد سكنت في خلدي، ولم تغادرها.. وبالأمس القريب، اجتررت طفولتي، حين اقتربت كثيراً من شاشة التلفزيون، وكان نتنياهو يصول ويجول من على منبر الكونغرس الأميركي، ليدوي صوت في داخلي:.. هتلر لم يمت.. لقد أصاب ذاك الخطيب.. لكل زمان لعنة وآفة، ولعنة القرن الحادي والعشرين، نتنياهو، إنه هتلر الجديد، لأني رأيت في فمه مساحات المقابر، وفي يديه أقداح الدم، وفي عينيه الشرار المكيدي الذي لا ينطفئ، وحوله دمى الكونغرس، يهللون له، ويتلقون منه التعاليم السياسية الكهنوتية التي لا تتبدل، وعيونهم مقفلة إلاّ على باب صهيون.

وهنا بادرت في ذاتي إلى التفريق بين مدرستين، تتنافسان على الشارع الإسرائيلي، وعلى النخب الأميركية. وإحدى هذه المدارس، قديمة من عمر النكبة لا تستطيع ولا تجرؤ أن تتغيّر، وأي تغيير فيها يعد مقتلاً لها، وهذه المدرسة هي مدرسة «القلعة الأمنية» التي لا تنشط إلا من خلال الخوف والقلق، وهذا أمر طبيعي، لأنها قائمة على إنكار الحقوق، وتتبنى الدجل والتضليل، والتزوير، وهي المدرسة التي ينتمي إليها نتنياهو ومعظم العسكريين في إسرائيل، كما أنها المدرسة الأعم وأكثر انتشاراً في إسرائيل والتي خرجت منها الحروب ضد الأمة العربية، وعاثت دماراً وفساداً، وهي ذاتها التي رفض من خلالها نتنياهو السلام، وانطلقت منها اللاءات الشهيرة، ويريد الأرض والسلام في آنٍ واحد.

أما المدرسة الثانية، فهي ما تزال غضة، أو أنها في طور التكوين، يلعب فيها الخوف، واضطراب المواقف، وهي التي تنادي بالتعامل مع التغيير في المنطقة العربية لأن التغيير سوف يفرض واقعاً واستراتيجيات عربية جديدة، ولأنها تدرك أن المدرسة الأمنية سوف تصطدم مع الواقع العربي الجديد، وهذا الاصطدام سوف تكون نتائجه مؤلمة جدا، وان الدفع الجماهيري العربي سيكون أقوى من كل اعتبار وهذه المدرسة هي التي دفعت بالرئيس الاميركي اوباما بان يقول: انه يجب الاستفادة من التغيير في المنطقة العربية وكذلك تشديده على ضرورة الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويبدو ان مدرسة نتنياهو هي التي تتقدم الآن وافشلت مشروع اوباما للسلام لذا فانه ينبغي ان تنطلق القيادة الفلسطينية ببرامج واعية ومحددة الى الأمم المتحدة لاعلان الدولة الفلسطينية، بغير خوف من التحذيرات الاميركية والإسرائيلية، لان الاصرار هو أساس النجاح وهزيمة العدو الإسرائيلي مدعومة باسناد عربي.

وفي هذا المجال فان الاعتماد الأحادي على البيت الأبيض، لن يحقق لقضية الشعب الفلسطيني أي نتائج إيجابية، لأن البيت الأبيض لا يتعرض لأي ضغوط سوى من ضغط اللوبي الصهيوني، ويتحتم الالتجاء أيضا إلى الشعب الأميركي ومنظماته المختلفة، ليفرض الضغط على البيت الابيض، ليبتعد عن التماهي بالمكون الصهيوني إضافة إلى الحاجة إلى استراتيجية إعلامية عربية تسير في هذا الاتجاه.

السابق
مؤسسات الرعاية الإجتماعية تطلق مناهج للمتأخرين ذهنياً
التالي
زوار سليمان: لا مشكلة مع الجلسة التشريعية لكن المرسوم الجوال أفضل