لبنانيّو السويد من اللجوء إلى الشتات

تفاعلت قضية ترحيل اللبنانيين من السويد التي أثارتها «الأخبار» أمس، من دون أن يهدّئ الاهتمام الرسمي بها مخاوف أبناء الجالية اللبنانية هناك، ويخفف من التخبّط الذي بدأوا يعيشونه. الإشارة الإيجابية الوحيدة قد تكون نفي ضخامة العدد الذي لا يصل إلى 1500 عائلة، والوعد بالعمل على الحدّ من تداعيات الأزمة

كأنه قدر اللبناني أن يبقى على موعد مع مشكلة، سواء كان على أرضه أو في بلاد المهجر. لا فرق إن كان في القارة السمراء، لدى الأشقاء العرب، أو حتى في أوروبا مهد حقوق الإنسان. اليوم، يجتاح الذعر قلوب عدد من اللبنانيين في السويد، خوفاً من ترحيلهم إلى بلاد الأرز، بعد سنين طويلة قضوها هناك هاربين من الحرب الأهلية. لبنانيّون في العاصمة ستوكهولم أكّدوا لـ«الأخبار» أن نحو 1500 عائلة لبنانية مهدّدة بالترحيل، وقد بدأ تنفيذ ذلك منذ أيام. السبب المعلن من جانب الحكومة السويدية، بحسب محمد عامر أحد أفراد الجالية اللبنانية هناك، أن السويد «المعروفة باحترامها لحقوق الإنسان، وبأنها من أشهر بلاد الهجرة، ترى سلطاتها أنه لم يعد هناك من سبب لاعتبار اللبنانيين لاجئين فيها، لكون الحرب الأهلية في لبنان قد انتهت منذ مدّة طويلة». يستدرك عامر، حتى لا يُفهم خطأً، ويقول: «عتبنا ليس على السويديين، بل على سفارة بلادنا وعلى مسؤولينا الذين لا يتذكروننا إلا في المناسبات السعيدة لهم. صحيح أن الحرب الأهلية في لبنان انتهت، ولكن نحن هنا في السويد أسّسنا عائلات وبنينا مصالح، صارت حياتنا كلها هنا. فإذا أعادونا اليوم إلى لبنان، فإننا لا نملك بيتاً نسكن فيه، لا نملك شيئاً».

هذا الواقع الذي تعيشه العديد من العائلات اللبنانية هناك، دفعها إلى عقد الاجتماعات للتنسيق في ما بينها. يقول أحمد عباس إن اللبنانيين في السويد «يعيشون اليوم شتاتاً. فبعد معرفتهم بأن الحكومة السويدية لا يمكنها أن ترحّل إلا العائلة المجتمعة، راحوا يفترقون حتى يصعّبوا على الشرطة مهمتها، فتجد الأم تسكن في منطقة والأب في منطقة أخرى، وكذلك الأولاد». ويضيف: «السفارة اللبنانية هنا لا تساعدنا، بل تعمل ضدنا. تساعد السفارة الشرطة من خلال استصدار جوازات سفر مؤقتة لنا، أو حتى بيانات قيد إفرادية، حتى يصبح ممكناً لهم ترحيلنا. لم تكن الحال هكذا سابقاً». ويلفت إلى أن «بعض الناشطين السويديين يحاولون المساعدة، مثل أحد الرهبان الذي تدخل لدى الشرطة لمعرفة ماذا يحصل. هذا كله وسفارة بلادنا لا تزال غائبة عن السمع»
.
إلى ذلك، تلقّت «الأخبار» عريضة موقّعة بأسماء بعض اللاجئين في السويد، وجّهوها إلى كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وكذلك إلى وزير الخارجية والدوائر المعنية في الأمن العام. وجاء في العريضة التي قال موقّعوها إنهم أرسلوا نسخة منها إلى وزارة الخارجية في لبنان، أن «هناك 1500 عائلة لبنانية موجودة في السويد من طالبي اللجوء. نحن الموقّعون وكلّ العائلات نعاني من السفارة اللبنانية، التي تُسهّل معاملات ترحيلنا من خلال استصدار بيانات قيد إفرادية لنا، وتسليمها إلى الشرطة السويدية بدون علم الشخص المعني. نناشدكم ونرجوكم مساعدتنا، فنحن لا نملك أي شيء في لبنان». وختمت العريضة بملاحظة: «من يرغب في العودة إلى لبنان، فليذهب إلى السفارة ويحصل على جواز سفره برضاه، لا أن يُرحّل ويترك جنى العمر خلفه. نحن في مهب الريح». حملت العريضة توقيع 7 أشخاص، هم: رامي صعب، حسن مرتضى، داني رومية، خليل بشارة، خلد الحسن، محمد عامر وعباس صالح.

ندى، إحدى اللبنانيات في السويد، أسفت لتقصير السفارة تجاه اللبنانيين، فهم «وإن كانوا لاجئين، إلا أنهم يبقون لبنانيين». وتضيف ساخرة: «لماذا نسأل السفير اللبناني عن اللاجئين في السويد؟ هل لأن السفارة تسرّع عملية ترحيل اللاجئ اللبناني لتقبض عليه 7 آلاف دولار؟ فيما يموت اللبناني فزعاً من ترحيله، ولا تهتم السفارة بمعاناته. فلينزل سعادة السفير إلى الشارع السويدي وسيجد العوز في حياة اللبنانيين، لعلّه يحنّ ويتابع ملف اللاجئين بدل أن يظل مشغولاً دائماً».

حاولت «الأخبار» الاتصال بوزير الخارجية علي الشامي، لكن ذلك لم يكن متاحاً، نظراً إلى وجوده في العاصمة الإيطالية روما. بيد أن أحد المسؤولين في الوزارة رأى أن عدد العائلات الواردة في العريضة «مضخّم»، مؤكداً في الوقت عينه أن الوزارة «ستجري اتصالاتها الدبلوماسية للوقوف على ما يجري لمساعدة اللبنانيين أصحاب الشكوى». وعن أسباب الترحيل الذي باشرته السلطات السويدية، أكّد المسؤول في الوزارة أن «لا خلفيات سياسية أو طائفية في الموضوع، فاللاجئون من مختلف الانتماءات الطائفية والتوجهات الحزبية. وفي كل الأحوال، يجب أن يعلموا أن مصلحة لبنان أن يبقوا في الخارج، فهم بذلك يساعدون بلدهم أكثر».

يُذكر أن موجة ترحيل مشابهة كانت قد حصلت في السويد، قبل نحو عام، إلا أن السفير اللبناني في ستوكهولم نصرات الأسعد أعلن آنذاك أنه استطاع إيقافها. قال الأسعد يومها، إثر اجتماعه مع فاعليات لبنانية، إن الأمر «أصبح تحت السيطرة التامة، وإن الحملة قد هدأت وجرى استيعابها نتيجة الجهود المتواصلة التي أدت إلى إعادة النظر في قرار الحكومة السويدية، وخاصة بعد عقد اتفاقيات شراكة وأخوّة بين سفارة لبنان في السويد وبعض الأحزاب والجمعيات المعنية بالأمر».

هكذا، تنتقل معاناة اللبنانيين في بلاد المهجر من بلد إلى آخر، في ظل ضعف حضور الدولة لتقديم الدعم اللازم. هذا ما يُجمع عليه أغلب المغتربين اللبنانيين. قد تلخص كلمات فادي رزق، اللاجئ اللبناني في السويد، المشهد إذ يقول: «دولتنا لم تستطع مساعدتنا ونحن في لبنان، هاجرنا. أيضاً لا تريد مساعدتنا ونحن في الخارج؟ لتعلم دولتنا أن ليس من مصلحتها أن نعود. نحن هنا شريان اقتصاد لعائلاتنا المهملة في لبنان».

السابق
لم يخالف القانون!!
التالي
مسابقة أفضل سلّة مهملات صديقة للبيئة