صحوة مفاجئة:توافق سليمان وعون

هل انتهى أخيراً، أو أوشك ربما، الاشتباك الطويل على تأليف الحكومة، بأن سلّم أفرقاؤه، الرئيس نجيب ميقاتي وقوى 8 آذار، بالأحجام الطبيعية والمتكافئة والكافية خصوصاً لكل منهم، بغية إنهاء أزمة تداخل فيها الخارج بالداخل، والأمني بالسياسي، والشخصي بالعام؟

دخل تأليف الحكومة في الساعات الأخيرة، في اليوم الـ128 لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي، مخاضاً يُنبئ بقرب تحقيقه، في ظلّ تأكيد جهات وثيقة الصلة بجهود التأليف بأن إبصار الحكومة النور قد يحصل قبل نهاية الأسبوع. ورغم أن يوم أمس لم يحفل بتسارع الاجتماعات، واقتصرت الجهود على تسلّم الرئيس المكلف رسالة نقلها إليه المعاون السياسي لرئيس المجلس النائب علي حسن خليل تضمنّت موافقة الرئيس ميشال عون على تخطّي العقبات التي تحوط التأليف منذ 25 كانون الثاني الماضي، فإن ما أفصِح عن مداولات اليومين المنصرمين بعيداً من الأضواء، تحدّث عن معطيات تبشّر بولادة ثانية حكومات ميقاتي.

إلا أن رئيسها ـــــ المأخوذ بالأرقام القياسية ـــــ لم يتمكّن من كسر الرقم القياسي في تعثّر تأليف حكومة حتى الآن، في حقبة ما بعد اتفاق الطائف، إذ سبقه إلى تسجيله رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، وهو 135 يوماً من التكليف.
وأبرَزَت المعطيات الأخيرة التي أحاطت باستعجال تأليف الحكومة الآتي:

1 ـــــ صحوة مفاجئة لدى أفرقاء التأليف جميعاً، أضحوا معها يستعجلون إخراج الأزمة الحكومية من مأزقها في أقرب وقت ممكن، بعدما أوحى البعض ـــــ رغم مؤشرات إيجابية إلى تجاوز بعض العراقيل ـــــ بأن من المستحسن انتظار إمرار يوم 5 حزيران في جنوب لبنان، وتوجيه الاهتمام إليه لتدارك أي ردود فعل سلبية قد تنتج عن مسيرة تنظَّم في مارون الرأس في ذكرى النكسة، قد تسبّب تدهور الوضع عند الخط الأزرق مع إسرائيل. فراجت أحاديث عن انفراج حكومي بعد ذلك اليوم. إلا أن الصحوة المباغتة، في توقيت مفاجئ بدوره، دفعت أفرقاء التأليف إلى معاودة التخاطب غير المباشر والمضي نحو إخراج تأليف الحكومة. وبحسب الجهات المعنية بمساعي التأليف، فإنها لمست جدّية غير مسبوقة لإنجازه، من غير أن تتضح تماماً الإشارات الخارجية التي تكون قد استعجلت أخيراً إنهاء المراوحة غير المبرّرة، والتصلّب في الشروط.

2 ــــ ذُلّلت، أو تكاد، العراقيل التي طبعت موقفي رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس تكتل التغيير والإصلاح، وانتهى الأمر إلى الاتفاق نهائياً ـــــ حتى إشعار آخر على الأقل كما في كل مرة ـــــ على حصول رئيس الجمهورية على مقعدين مارونيّين، وتكتل التغيير والإصلاح على أربعة مقاعد مارونية. بيد أن مقعدي الرئيس ليسا حصّتين كاملتين له: أوّلهما وزير الداخلية والبلديات العميد المتقاعد في قوى الأمن الداخلي مروان شربل ويتقاسمه سليمان وعون، وثانيهما ما تردّد أنه اتفق عليه في الساعات الأخيرة والرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي غالب غانم وزيراً للعدل ويتقاسم اختياره سليمان وميقاتي. ذُكر أيضاً أن غانم يمثّل تقاطعاً مثلّثاً ينضمّ إليه الجنرال.

3 ـــــ استعاد عون كل المقاعد التي كان قد شغلها تكتل التغيير والإصلاح في حكومة الحريري، بعدما كان شابَ خلاف حاد بينه وبين الرئيس المكلف الذي رفض إعطاءه حقيبتي الاتصالات والطاقة والمياه في آن معاً، وخيّره بين إحداهما دون الأخرى، ثم آل المطاف إلى حصول عون عليهما. وهو بذلك لم يفز بكل المكاسب التي أرادها، وأخصّها حقيبة الداخلية التي تشبّث بوضعها في تكتله، ولا حصل كذلك على خمسة مقاعد مارونية كما أوحى أكثر من مرة بأن إصراره هذا غير قابل للتساهل. بيد أن التكتل حاز حقيبة سيادية لم تكن له في حكومة تصريف الأعمال هي حقيبة الدفاع الوطني التي وُضعت في حصة رئيس تيّار المردة النائب سليمان فرنجية، وعُهدت إلى النائب السابق فايز غصن.
تفضي حصة عون إلى حصوله على ثلثي المقاعد المسيحية في الحكومة الثلاثينية، من بينها ثلثا المقاعد المارونية.

أما ما يتصل بالمقعد الذي ستشغله المعارضة السنّية، فيبدو أنه سيرسو في خاتمة جهود التأليف على شخصية بقاعية هي محمد القرعاوي.
4 ـــــ كان من المقرّر بحسب جهود الساعات الأخيرة، بعدما تسلّم الرئيس المكلف من خليل لائحة بمطالب عون تعبّر عن إرادة التنازل المتبادل بينه وبين ميقاتي للخروج من مأزق تعثر التأليف، تحديد الرئيس المكلف موقفه تمهيداً لعقد اجتماع مع رئيس الجمهورية لا يؤدي بالضرورة إلى إعلان فوري لمراسيم الحكومة الجديدة، بل يعدّ لإنجاز آخر ترتيباته. لكن الرئيس المكلف فضّل تأخير تحديد موقفه إلى الساعات التالية، وقصد طرابلس بعدما أبلغ إلى محاوريه أن لديه مواعيد ملحة في مسقط رأسه، مع إبقاء الآمال معلقة على عقد اجتماع برئيس الجمهورية اليوم الجمعة لإتمام التشكيلة الحكومية المستعصية.

5 ـــــ تجاوز كلٌّ من ميقاتي وعون شرطين تمسّكا بهما كان من المستحيل توقّع إبصار الحكومة النور في ظلّهما. أوّلهما إصرار الرئيس المكلف على تأليف الحكومة تبعاً للصلاحيات التي ينيطه بها الدستور، وعلى وضع حدّ لأعراف رافقت تأليف حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري عامي 2008 و2009 فجاراها على حساب تلك الصلاحيات. وثانيهما تشبّث عون بوجهة نظره، أنه هو الذي يسمّي وزراءه في الحقائب التي يريدها للتيّار الوطني الحرّ، فلا تفرض عليه حقيبة لا يريدها، ولا وزير لم يُسمّه. في خاتمة الأمر، كتم الرجلان شرطيهما أحدهما حيال الآخر، وتفاهما ـــــ أو يكادان ـــــ على التأليف، وكل منهما يمسك بحجّته، وهي أنه حصل من أشهر تعثّر التأليف على ما تشبّث به:
ـــــ ألّف ميقاتي حكومته بشروطه بوضع الثلث + 1 عنده ورئيس الجمهورية والنائب وليد جنبلاط، وحرم قوى 8 آذار ثلثي المقاعد، وجرّد الحكومة الجديدة من صفة أنها حكومة حزب الله أو حكومة 8 آذار، ولم يُوزّر فيصل كرامي نجل الرئيس الأسبق للحكومة، ولم يسمح للجنرال بأن يكرّر سابقة سلّم بها الحريري هي إعلان حكومة 2009 من الرابية لا من قصر بعبدا. إلى ذلك كله، لم يعتذر عن عدم تأليف الحكومة، وأثرى شعبيته السنّية خلال خمسة أشهر، فإذا بها عند التأليف أكثر استقطاباً للشارع منها عند التكليف.

ـــــ وزّر عون مَن يريد توزيره في الحقيبة التي يريدها له، الوزيران جبران باسيل وشربل نحاس في حقيبتي الطاقة والمياه والاتصالات، وأمسك بالتمثيل المسيحي في الحكومة، وفرَضَ نفسه شريكاً مسيحياً فعلياً لأول مرة منذ وضع اتفاق الطائف موضع التطبيق في تأليف حكومة على نحو لم يكن في وسع الرئيس المكلف تأليفها من دون استجابة شروط العماد.

السابق
نصر الله يهدد السعودية؟
التالي
المستقبل يستبعد وقوع خلاف مع رئيس الجمهورية على خلفية تحويل ريفي للقضاء