من يشتري التقنيات الخضراء؟

تقنيات صديقة للبيئة في معرض «مشروع لبنان 2011» الذي يستمرّ اليوم وغداً في البيال. كهرباء من الطاقة الشمسية بدل الاكتفاء باستخدامها لتسخين المياه، و«لمبات اللد» بدل لمبات التوفير الحالية. المشاركة الدولية الكثيفة تظهر أن السوق اللبنانية واعدة، لكن الكلفة المرتفعة وغياب الخطط الوطنية يُبقيان هذه التقنيات حكراً على القصور والمشاريع الضخمة
 
يدفع اللبناني ما يزيد على 200 دولار شهرياً للحصول على الكهرباء. فبين تقنين الصيف والانقطاع المتكرر في الشتاء، تتحول اشتراكات المولدات إلى عبء إضافي عالي الكلفة ويخضع للتقنين أيضاً. «انشمسوا يا لبنانيي وعا راس السطح» هكذا تشجعنا وزارة الطاقة على التخفيف من أعباء فاتورة الكهرباء عبر تركيب سخانات مياه تعمل على الطاقة الشمسية بقروض ميسّرة ومدعومة.

لكن معرض «مشروع لبنان 2011» في البيال، المختص بالتقنيات الصديقة للبيئة، يقدّم لنا حلولاً من نوع آخر. تثبت المشاركة الدولية غير المسبوقة في هذا المعرض (أكثر من 500 شركة من 26 دولة) أن سوق «التكنولوجيا الخضراء» في لبنان لا تزال بكراً، وأن التحول إلى الطاقة البديلة يحتاج إلى تغيير جذري في استراتيجية الطاقة، ومن دونها، ستبقى هذه التكنولوجيات حكراً على القصور والمشاريع الضخمة، ولن تكون في متناول متوسّطي الدخل.
تفاخر شركة «سوميرال للطاقة» بإنجازها مشروع مزار حريصا الذي ينتج ما يقارب 114 ألف كيلوواط في الساعة من الطاقة الشمسية، إذ جرى تركيب 336 لوحاً كهربائياً ضوئياً «فوتوفولتيك» تغطي سطح مركز بيت عنيا في حريصا.
ماذا لو قرر مواطن لبناني أن يضيء منزله بطريقة سيدة حريصا؟
تبلغ كلفة الحصول على 15 أمبير كهرباء، التي يحتاج إليها المنزل للإنارة وتشغيل التبريد والأدوات الكهربائية، ما لا يقل عن 20 ألف دولار أميركي.
إذا أضيفت إليها أكلاف الصيانة وتغيير البطاريات كل خمس سنوات، يمكن أن نصل إلى ما لا يقل عن 35 ألف دولار كلفة إجمالية على امتداد 30 عاماً، أي قرابة 1200 دولار في السنة. بالطبع لن يكون في مقدور المواطن اللبناني أن يدفع هذا المبلغ الضخم دفعة واحدة، (فهو يدفعه حالياً بالتقسيط) في ظل غياب أي دعم أو تشجيع من الدولة، وفي ظل غياب مشروع متكامل للطاقة يتيح بيع المواطن للطاقة الفائضة الناتجة من منزله عبر وصلها بالشبكة الأساسية، على غرار ما تطبّقه غالبية الدول الصناعية وعدد كبير من الدول النامية، ما يؤدي إلى خفض الكلفة لتصل إلى أقل من 500 دولار في السنة.
ومن الكهرباء إلى التبريد، يتضمن المعرض أجنحة لشركات تتنافس في عرض تقنيات لا تتعلق فقط بخفض كلفة الاستهلاك، بل بتنقية الهواء ورفع مستوى الإنتاجية.
لكن البشرى غير السارة هي أن مكيفات الهواء التي تغزو السوق اللبنانية لن يكون في مقدورها أن تتحمل الارتفاع غير المسبوق في الحرارة الذي يتفاقم باستمرارعاماً بعد عام، وبات على اللبنانيين أن يستعدوا لتركيب مكيّفات جديدة تحتاج إلى تبريد معداتها لكي تحافظ على قدرة تشغيل وفاعلية، على غرار تلك التي تُركّب في دول الخليج العربي.
في موضوع الإنارة، يبدو واضحاً أن تقنية اللد «LED» أو ما يسمّى «الديود الإلكتروني المتألق»، باتت أقلّ كلفة وفي متناول المستهلك، مقارنة بالأعوام السابقة، وهي ستحل مستقبلاً محل اللمبات الموفرة الحالية «CFL».
فمن جهة يمتد عمر اللد إلى 50 ألف ساعة، فيما تعيش اللمبة الموفّرة 8 آلاف ساعة، ولا يزيد عمر اللمبة المتوهّجة العادية على 1200 ساعة. كذلك فإن لمبة اللد تستهلك 329 كيلوواط في السنة، فيما تستهلك اللمبة الموفّرة 767 كيلوواط، أما اللمبة العادية فتستهلك 3285 كيلوواط في السنة. فضلاً عن أن اللمبة الموفّرة قد تمثّل خطراً بيئياً حقيقياً في المستقبل، لغياب نظام إعادة تدويرها في لبنان، لكونها تحوي مادة بخار الزئبق بمعدلات غير آمنة، وخصوصاً اللمبات التي تستورد بأسعار متهاودة من الصين.
في المعرض أيضاً بعض الأدوات التي يمكن أن يقتنيها المواطن اللبناني فيما لو شعر بالفعل بأنها ستؤدي إلى وفر اقتصادي.
المثال الأبرز في هذا المجال آلة فرم الخضر والمواد العضوية التي تُركّب في أسفل حوض غسل الأطباق، وتبلغ كلفتها 700 دولار تقريباً. لكن، كيف يمكن اللبنانيين أن يقتنعوا بجدوى هذه الآلة؟
ففي ظلّ غياب خطة وطنية لفرز النفايات من المصدر، واحتساب كلفة نقل المواد العضوية وإعادة تدويرها من خلال ضرائب مباشرة، لن تتبيّن الكلفة الحقيقية لمعالجة النفايات مقارنة بجدوى فرم النفايات العضوية في المطبخ، من دون أن ننسى أن الكلفة الحالية لإدارة النفايات المنزلية تصل في بيروت وجبل لبنان إلى ما يزيد على 130 دولاراً للطن الواحد، تقتطع غالبيتها من جيب المكلّف عبر الضرائب غير المباشرة.
في قاعة جانبية من المعرض، كان وزير الطاقة والمياه جبران باسيل يقدم جردة حساب بما أنجزته وزارته في موضوع الطاقة البديلة، في كلمة ألقاها في افتتاح «أسبوع الاستدامة الثالث» الذي يُعقد بالتزامن مع المعرض. وفي مقارنة بين العام الحالي والعام المنصرم، يعلن باسيل «أننا قد حققنا العديد من الأمور على المستويين النظري والعملي. فقد استطعنا تطبيق العديد من الأمور المهمة كاللمبات الموفّرة للطاقة، والسخانات الشمسية، وتأمين آليات التمويل مع مصرف لبنان، وإطلاق أطلس الرياح». ويضيف باسيل: «هناك مشروع قانون حفظ الطاقة الذي أرسلناه إلى الحكومة، والخطة الوطنية لكفاءة الطاقة التي أعلنت وأصدرت ولم تتبنّاها الحكومة اللبنانية لأنها استقالت».
وبعيداً عن إنجازات الوزارة والحكومة المستقيلة، فإن تعهدات لبنان في كوبنهاغن عام 2009 بالوصول إلى 12% طاقة متجددة في غضون عام 2020 لا تزال بعيدة المنال.
الجدير بالذكر أنّ المعرض والمؤتمر يستمران اليوم وغداً، وهما من تنظيم الشركة الدولية للمعارض، بالتعاون مع نقابة المهندسين في بيروت، والمركز اللبناني لحفظ الطاقة، والجمعية اللبنانية للطاقة الشمسية، ومجلس لبنان للأبنية الخضراء، والجمعية الأميركية لمهندسي التدفئة والتبريد ـــــ فرع لبنان.

السابق
الديار: مساعي التأليف تتجدد
التالي
الأنوار: بري يتمسك بالجلسة النيابية رغم اعتراض هيئة المكتب