تركيا وإيران وريفي: تغييرات أوليّة

لا تخفي القيادة التركية يأسها من قدرة النظام في سورية على اجراء اصلاحات جدية للنظام السياسي، رغم استمرار الاتصالات بين البلدين، وتكرارالنصائح المنقولة من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان الى الرئيس بشار الاسد، بوسائل مباشرة لم يلحظ المسؤولون الاتراك قبالتها اي استجابة مقنعة من قبل النظام السوري، او أيّ تفاعل مع الاحتجاجات الشعبية، والمواقف الدولية والاقليمية، بل لاحظت انه لم يزل يفكر ويتحرك على اساس انه قادر على متابعة السير، من دون احداث النقلة النوعية الحتمية في بنية النظام السياسية والامنية.

ما تعبر عنه مصادر حكومية تركية حيال النظام السوري يترافق مع مخاوف حقيقية لديها من ان تنحو الاوضاع باتجاه المزيد من المواجهات الداخلية، وبالتالي ان تشهد سورية سقوط المئات وربما الآلاف من الضحايا الجدد والجرحى في المرحلة المقبلة.
ولعل الاستياء السوري من المواقف التركية هو ما فسر للمسؤولين الاتراك ان النظام السوري لم يستوعب بعد ان التغيير امر لا مفر منه، وان التغيير المطلوب يجب ان يحدث في العمق وليس عبر اجراءات شكلية، وان يشعر به السوريون انفسهم ويتلمسوا آثاره السريعة قبل ان يتلمسه اردوغان او الدول القريبة والبعيدة.

واقتناع تركيا بهذه الحقيقة هو ما دفع الحكومة الى فتح ابوابها واسعا أمام معظم الاصوات المعارضة وغير المعارضة في سورية، انطلاقا من انها – الى جانب اعتبار اردوغان ما يجري في سورية شأن تركي – دولة تحمل مشروعا تسميه "الشراكة" مع الدول العربية، وربما تدرك ان ركيزة هذه الشراكة الطامحة مع العرب تعتمد على القوى الحيّة فيهم، لذا لا تغامر كثيرا في الدفاع او الوقوف الى جانب انظمة مهتزة ترى انها آيلة الى السقوط، او عاجزة عن الاستجابة او التفاعل مع التحولات التي يشهدها العالم ومجتمعها بشكل خاص.

وفي هذا السياق تشدد المصادر التركية على انها لا تريد في المقابل ان تبني شراكتها مع قوى او تيارات سياسية من خارج مؤسسات الدولة، لانها تسعى الى بناء الشراكة مع الدول العربية، وهي تدرك في المقابل الاسباب العميقة لانهيار السلطنة العثمانية، وليست في وارد السعي لاستعادة هذا النموذج او حتى محاكاته. لذا تعلم ان الشراكة هي غير السيطرة والتحكم، ونتيجة اقتناع فعلي لاطرافها بالمصالح المتبادلة.

كما لا تخفي هذه المصادر وجود اتصالات مستمرة مع ايران في الشأن السوري هذه الايام، خصوصا ان القيادة التركية حاسمة في شأن تطوير العلاقة مع ايران، وتعتقد ان لايران دورا مساعدا في انتقال سورية الى بر الامان. وتشير المعلومات الى ان ايران بدأت منذ اسابيع بفتح قنوات التواصل مع جهات سورية معارضة في الخارج، وهي وجهت رسائل علنية وغير مباشرة الى ضرورة ان تنجز الاصلاحات السياسية داخل سورية، خصوصا ان القيادة الايرانية تتحسس هذه الايام مخاطر الانزلاق الى مواجهات تأخذ بعدا مذهبيا في المنطقة يمكن ان تحاصر نفوذها وتقوضه في اكثر من موقع.

وفي هذا السياق كان موقف رئيس تشخيص مصلحة النظام السابق هاشمي رفسنجاني، المؤيد لمطالب التغيير في سورية، موقفا شخصيا، لكنه عبر عن حاجة إلى ايرانية عدم اظهار ايران في موقف استنسابي وانتقائي من الثورات العربية، رغم ما سببته الاحداث في سورية من ارباك لايران ومحور الممانعة عموما.

واذا كانت حركة حماس تنتقل بشكل مدروس وتدريجي من الحضن الايراني -السوري إلى حضن عربي – تركي (لمصر وقطر دور مشجع ومساعد) فإنها ليست في موقع يسعى الى قطيعة مع النظام السوري ولا الى تخلّ عن علاقاتها بإيران، في وقت عمدت الأخيرة الى تنشيط قنوات التواصل مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ومع قيادات حركة "فتح" عموما، وهي بدأت توجية دعوات، وعلى مستويات عدّة، إلى هذه القيادات لزيارة ايران بعد قطيعة طويلة.
في مقابل هذه المعطيات بدا الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هادئا أمس، في خطابه، منزّها خصومه وحلفاءه عن الكذب في كلامهم عن مشروع بناء الدولة. يضاف إلى هذا كلام أمس الأول الذي صدر عن الرئيس نبيه بري ونائب نصر الله الشيخ نعيم قاسم، والذي تمحور حول أنّ "الشيعة يريدون الشراكة وبناء الدولة".

كلام جديد إذا يصدر عن أعلى قيادات شيعية ثلاثة في "حزب الله" وحركة "أمل". وفي وقت اعترف نصر الله أمس بأنّه لا يمكن الحديث عن السياسة المحلية في لبنان بعيدا من التطورات الإقليمية في المنطقة، كان مدير عام قوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي يرسم خطا رئيسيا جديدا في بيروت، من وزارة الإتصالات العونية: فرع المعلومات.
من تركيا إلى إيران وصولا إلى ريفي: ثمة شيء قد تغيّر في لبنان، حتى قبل سقوط النظام السوري…

السابق
المثقف النزيه ضد المثقف النذل
التالي
ازمة النظام لا تكمن في شل الدولة بل استغلالها من عدو لبنان