نتنياهو يغلب أوباما… بلكنة نيويوركية!

عندما يصفق أعضاء مجلسي الكونغرس الأميركي بهذه القوة والحماسة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإنّ ذلك لا بدّ أن يثير الكثير من القلق. لا شكّ أن نتنياهو عرف كيف يتصرف مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ عندما ألقى خطاباً في كابيتول هيل (مقر الكونغرس). قال كلاماً جميلاً، بلكنة أهل نيويورك، جعلهم يصفقون له طويلاً وقوفاً. لم يتساءل أي من أعضاء الكونغرس بعد انتهاء رئيس الوزراء الإسرائيلي من القاء خطابه: هل قدّم الرجل أي خدمة للسلام، أم أن كل هدفه تكريس الاحتلال؟

المؤسف أن نتنياهو لا يزال هو الشخص نفسه. انه بارع في استخدام الكلام المنمق الذي ينطلي على الأميركيين لتغطية رغبته في رفض التسوية، أي تسوية من أي نوع كان. في المقابل يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى إضاعة الوقت عن طريق فرض شروط تجعل من أي مفاوضات لا معنى لها. انه بكل بساطة تلميذ نجيب في مدرسة إسرائيلية تقوم على التفاوض من أجل التفاوض. اخترع هذه المدرسة اسحق شامير الذي قال إبان انعقاد مؤتمر مدريد الذي جُرّ إليه جرّاً في أواخر اكتوبر من العام 1991 أنه سيجعل المفاوضات تستمر أكثر من عشرة أعوام سيسعى خلالها إلى خلق واقع جديد على الأرض. والأرض هنا هي أرض فلسطين، أرض الضفة الغربية التي يعتبرها نتنياهو أرضاً «متنازعاً عليها» وليست أرضاً محتلة. في مدريد كان شامير رئيساً للوزراء في إسرائيل، في حين كان «بيبي» الناطق الرسمي باسم الوفد الإسرائيلي. لم يتغيّر شيء في الرجل. لا يزال يؤمن بالاحتلال رغم من انتقال العالم إلى القرن الواحد والعشرين!
صفّق أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب طويلاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي. صفقوا حتى عندما ردّ على الرئيس باراك اوباما الذي دعا إلى مفاوضات مرجعيتها خطوط العام 1967 مع تبادل للأراضي يجري اتفاق في شأنه. صفقّوا لرفض نتنياهو العودة إلى حدود 1967، أي أنهم صفّقوا للاحتلال. الأهمّ من ذلك، رد رئيس الوزراء الإسرائيلي على اوباما الذي تحدث عن حدود للدولة الفلسطينية المستقلة «ذات السيادة» مع كلّ من إسرائيل ومصر والأردن. كان «بيبي» واضحاً في تأكيده أنه يرفض الدولة الفلسطينية التي تسيطر على حدودها وتتحكم بها. شدّد على أن إسرائيل تريد الاحتفاظ بوجود أمني وعسكري على طول الحدود بين الضفتين الغربية والشرقية، أي على الحدود التي تفصل ما بين المملكة الأردنية الهاشمية والدولة الفلسطينية المرتقبة.

ليس سرّاً أن إسرائيل تستقوي على الرئيس الأميركي الحالي الذي لا يزال متردداً في الموقف الذي يتوجب على القوة العظمى الوحيدة في العالم اتخاذه من موضوع أساسي اسمه الاحتلال. هل الولايات المتحدة مع الاحتلال أم تقف ضده؟ ان الشيوخ
والنواب الأميركيين، بدوا في معظمهم، على درجة من السذاجة تجعلهم يستحسنون كلام نتنياهو، علماً أن باراك اوباما معروف بأنه يستوعب تماماً أن هناك اسساً للتسوية لابدّ من توافرها في حال كان مطلوباً التوصل إلى صفقة ما تستند إلى خيار الدولتين…

في النهاية، ليس بعيداً اليوم الذي سيتبين فيه هل لا تزال هناك إدارة أميركية قادرة على وقف إسرائيل عند حدودها، أم أن هذا العصر ولّى إلى غير رجعة مع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الابيض قبل نحو عقد من الزمن؟
قبل توليه الرئاسة، قام المرشح باراك اوباما بجولة في الشرق الأوسط. كانت رام الله من بين محطات تلك الجولة. أبلغ مرشح الحزب «الديموقراطي» للرئاسة رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عباس (ابو مازن) أنه لن ينتظر، في حال فوزه، العام الأخير من ولايته الثانية كي يعالج قضية الشرق الأوسط. على العكس من ذلك، سيباشر ببذل جهود للتوصل إلى تسوية لحظة دخوله البيت الأبيض. في الواقع، كان اوباما يقول لـ «ابو مازن» أنه لن يتصرف على طريقة بوش الابن الذي لم يقم بأي جهد حقيقي في الشرق الأوسط إلا في العام الأخير من ولايته الثانية. كان اوباما صادقاً. لم يمض أسبوع على تسلمه مهماته حتى عيّن مبعوثاً رئاسياً هو جورج ميتشل باشر جهوده من أجل تحقيق تسوية. فشل ميتشل وقدم استقالته أخيراً. استطاعت إسرائيل القيام بهجوم مضاد توّجه نتنياهو بخطابه أمام مجلسي الكونغرس.

جرت العادة في الماضي أن يقف الكونغرس مع المقيم في البيت الأبيض في أي مواجهة للرئيس مع أي قوة خارجية، بما في ذلك إسرائيل. يبدو الآن أن هذه المعادلة تغيّرت. هل السبب تردد اوباما أم وقاحة نتنياهو التي يبدو أن لا حدود لها؟ في كل الأحوال، لا شكّ أن هناك أجواء مختلفة في واشنطن ليست لمصلحة العرب والفسطينيين في أي شكل. ربما كان ذلك عائداً أيضاً إلى أن لا موقف فلسطينياً موحداً من التسوية في ضوء إصرار «حماس» التي تقيم «إمارة إسلامية» في قطاع غزة على رفض البرنامج السياسي لـ «منظمة التحرير الفلسطينية» القائم على خيار الدولتين. ليس سرّاً أن نتنياهو استشهد في خطابه أمام الكونغرس بالبرنامج السياسي الذي تؤمن به «حماس»…

في كل الأحوال، نحن أمام مواجهة بين اوباما ونتنياهو. المؤسف أن رئيس الوزراء الإسرائيلي سجّل نقاطاً على الرئيس الأميركي في واشنطن دي.سي نفسها وسط تصفيق أعضاء الكونغرس!

السابق
البناء: تأليف الحكومة على رف الاستهتار السياسي
التالي
الحياة: السنيورة وفتفت ناقشا سليمان في مقاضاة ريفي