مطربة الواكا واكا في بلاد الواق الواق: ماذا لو غيّرنا النشيد؟

على قطعة أرض كانت حتى الأمس القريب جزءا من البحر اللبناني، وتحولت بقدرة قادر منتجعا سياحيا، وقفت (شاكرة مبارك) – الملقبة بشاكيرا – وراحت تهز ردفيها.

ولأن الأرداف لا تكذب، كما تقول كلمات أغنيتها، تفاعل اللبنانيون معها – هم المعروفون بحبهم للصدق – وعلى نحو هستيري، فاهتزت الأرض تحت أقدامهم.

هي الزيارة الثانية للفاتنة الكولومبية إلى ارض أجدادها، بعد زيارة خاطفة قبل ثمانية أعوام، كان هدفها البحث عن طريقة قانونية لاستعادة ميراث والدها الضائع في زحلة. وقد انتهت تلك الزيارة بعودتها خائبة، بعدما تبيّن لها أن القانون في لبنان يدار بطريقة "أهلية بمحلية"، وأن اتصالا صغيرا من أصغر نائب في أصغر كتلة وبأصغر موظف في أصغر دائرة… يكفي لتوجيه الأمور في هذا الاتجاه أو ذاك!

على العموم، لعل من الجيّد أن شاكيرا أقلعت عن فكرة المطالبة بمرقد عنزة لها في بلاد الأرز. ولعل من الجيد أيضا أنها في زيارتها الثانية اكتفت بالغناء وهزّ الردفين من دون محاولة السؤال عن مصير ميراثها، وخصوصا أن يوم أحيت امرأة المئة وستين سنتيمترا حفلتها الليلية في بيروت، تابع اللبنانيون صباحا، صوتا وصورة، وقائع الصدام بين وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال شربل نحّاس وفرع المعلومات، أمام مبنى التخابر الدولي في العدلية. فأكد اللبنانيون لشاكيرا أنهم على الوعد، وأن القانون في لبنان لا يزال كما تركته الشاكيرا في العام 2003، مجرّد وجهة نظر وتخضع للتأويل السياسي.

ولأنه كذلك، لم "يخجل" وزير داخلية سابق (ولو بالوكالة)، هو النائب أحمد فتفت، من المجاهرة بأنّ تيار "المستقبل" سيغطي سياسيا مخالفة اللواء أشرف ريفي تعليمات الوزير زياد بارود، لا لشيء إلا لأننا "في لبنان، والمسألة برمتها هي مسألة سياسية"، كما صرّح لإحدى وسائل الإعلام، علما أنه، وكما جاهر فتفت، ومعه تيار "المستقبل" بتغطية ريفي، يجاهر الفريق المناوئ له – حزب الله وحركة أمل تحديدا- بنيته التصدي لأي إجراء مسلكي قد يفكر مدير عام قوى الأمن الداخلي في اتخاذه بحق قائد جهاز أمن السفارات العميد محمود ابراهيم المحسوب على الثنائي الشيعي، على اعتبار أنّ الأخير رفض بدوره تنفيذ أوامر ريفي القاضية بإخلاء المبنى موضوع النزاع من أي وجود لعناصره. وهو ما أدى إلى وجود جهازين أمنيين مسلّحين (أمن السفارات والمعلومات)، وكلاهما محسوب على طرف سياسي لثمان وأربعين ساعة في بقعة جغرافية واحدة لا تزيد مساحتها عن المئة متر مربع. وقد تسبب هذا الأمر بوقوع مشاحنات وملاسنات بين العناصر كادت تتطور غير مرة نحو الأسوأ، وخصوصا مع طغيان اللون الشيعي على عناصر أمن السفارات الموجودين في المكان، وطغيان اللون السني – المسيحي على عناصر فرع المعلومات. ولعلّ هذا التوتر مثل واحد من أهم الأسباب التي دفعت الجيش إلى تسريع قراره بالتدخل.

وحسب ما يقول عارفون بخطة الهجوم المضاد لتيار "المستقبل"، فإنّ ورقة الإجراء التأديبي بحق العميد ابراهيم قد تتحوّل في الأيام المقبلة ورقة أساسية لإحراج حزب الله وحركة أمل بغية دفعهما إلى التراجع عن إصرارهما على معاقبة ريفي، وإقناع التيار الوطني الحر بالأمر ذاته وخصوصا أنّ موقف مدير عام قوى الأمن الداخلي سيكون أكثر حرجا وصعوبة من موقف مدير عام هيئة "أوجيرو" عبد المنعم يوسف أولا، لأن رئيس الجمهورية انضم، على ما يبدو، إلى قائمة خصومه، فضلا عن عدم حماسة مسيحيي الرابع عشر من آذار للدفاع عنه، وثانيا لأن يوسف يملك هامشا واسعا للمناورة نظرا إلى أنّ مؤسسة "أوجيرو" تتمتّع باستقلالية نسبية تسمح لها، في حالات معيّنة، بعدم التجاوب مع ما يطلبه الوزير وخصوصا أنّ الفنيين الذين رافقوه إلى مبنى العدلية كانوا ينوون نقل معدّات وتجهيزات وتغيير وجهة استعمالها من دون العودة إلى مجلس الوزراء، علما أنّ بقاء هذه المعدّات التي تملك عمرا قصيرا لا يتجاوز السبع سنوات، من دون استخدام بعد مرور عامين وأكثر على انتهاء التجارب عليها، يمثل بدوره لغزا محيّرا لم يتبرّع أحد للإجابة عنه حتى الساعة.

عموما، وفي معزل عن القنابل الصوتية الصادرة من هنا وهناك، فإنّ الأرجح أن تنتهي الأحداث بعد أن "يفش كل طرف خلقه" على الطريقة اللبنانية، طريقة "لا غالب ولا مغلوب"، لتكون السياسة مجددا – وبمفهومها الملبنن – المنتصر الوحيد، بإثباتها أنها أقوى من القانون، بل إنها القانون الحقيقي الذي يحكم حياة اللبنانيين، ما دام الولاء السياسي الأعمى شرطا شبه وحيد للوصول إلى المناصب والمسؤوليات، وما دامت الحماية السياسية ملاذا أخيرا يلجأ إليه الوزراء والمدراء والموظفون في المحطات المفصلية.

وما دامت هذه هي شروط اللعبة، فسيبقى في مقدور أي وزير كسر أي قرار لمجلس الوزراء ساعة يشاء، تماما كما سيبقى في مقدور أي مدير عام كسر قرار وزيره، وفي مقدور أي موظف قادر على كسر مديره.

هذا هو المنطق السائد، الذي سيسود عقودا طويلة على ما يبدو، وما على المعترضين عليه إلّا تبليط البحر، كما دعاهم اللواء أشرف ريفي، أو الرقص على الجزء المبلّط منه على أنغام الواكا واكا.

ومن يدري، ربما في جمهورية تتجه بسرعة الصاروخ نحو التحول إلى جمهورية الواق الواق تستحق أغنية (الواكا واكا) أن تكون نشيدا وطنيا جديدا، بدل النشيد القديم… "المسروق" على أي حال.قيم المقال
654321التعليقات

السابق
روك وسالسا وراب وتجارب شبابية متنوعة.. في مهرجان بيروت للموسيقى
التالي
جمعية اندية الليونز عقدت مؤتمرها السنوي