أنتظر لاءات عربية جديدة … إن بقي عرب

كان بنيامين نتانياهو يخطب، عفواً يكذب، أمام الكونغرس الأميركي، والأعضاء يقفزون ويصفقون له كأنهم «يو – يو»، على حد قول داعية السلام البارز يوري أفنيري، وأنا أتذكر شيئاً قاله الرئيس جون كنيدي عن الكونغرس، وأترجمه حرفياً: ماذا يمكن أن تتوقع من حديقة الحيوان هذه؟

الأعضاء كانوا يقفزون مصفِّقين لرئيس وزراء إسرائيل مثل قرود يرمي لها اللوبي الفستق، أو الدولارات، لتمويل الحملات الانتخابية، والكاتب والسياسي الأميركي بات بوكانان هو الذي قال إن مبنى الكابيتول «أرض تحتلها إسرائيل».

غير أنني أريد أن أعود الى خطاب نتانياهو اليوم، كما عدت مع خطاب الرئيس أوباما أمس، فقد كنت أسمعه بعد أن تلقيت خبر وفاة راشيل أفنيري، زوجة داعية السلام يوري، وكانت نشطة مثل زوجها في مجموعات السلام الإسرائيلية وهي من نوع يمكن الفلسطيني أن يعقد سلاماً معه غداً. كان نتانياهو يكذب وأنا أفكر لماذا رحلت راشيل وبقي هو.

إذا تجاوزنا المجاملات في تحيته المشترعين الأميركيين في البداية، وشكرهم وبلادهم في النهاية، فهو كذب في كل سطر في الخطاب، فكان أميناً لشهرته في الدجل وقلب الحقائق واتهام الآخرين بالإرهاب الذي مارسه يوماً ويديره اليوم عبر حكومة إرهابية.

نتانياهو بدأ بالقول: «لا يوجد صديق لإسرائيل أفضل من أميركا، ولا يوجد صديق لأميركا أفضل من إسرائيل». أقول إن رشوة الكونغرس ليست صداقة، وإن أكبر عدو لأميركا ومصالحها هو إسرائيل، فقد دمرت سمعة أميركا حول العالم، وخلقت لها أعداء لم يكونوا موجودين، وتسببت في إطلاق جماعات إرهابية علّة وجودها الإرهاب الإسرائيلي المقابل. وأنا أحمّل إسرائيل مسؤولية كل إرهاب بما فيه إرهاب القاعدة.

وهو انتقل بسرعة الى إيران وحزب الله، وعاد في فقرة لاحقة ليحذر من نظام إسلامي متطرف في إيران يملك سلاحاً نووياً. وأقول إن حزب الله حركة تحرر وطني في وجه الإرهاب الإسرائيلي، وإن إيران لا تحتل القدس (أطالبها بالانسحاب من جزر الإمارات) ولا ترسل إرهابيين لقتل الناس في بلاد بعيدة، ثم أرجو أن تكون مخاوفه منها في محلها، وأقول عن كل كذبة وتخويفة من إيران: إن شاء الله. أقول هذا ونتانياهو يزعم أن إيران تُخضِع لبنان وقطاع غزة، وهذا مستحيل والموجود تحالفات موقتة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

ويكذب نتانياهو مرة أخرى وهو يقول إن الفلسطينيين في إسرائيل (أي فلسطين المحتلة) هم الوحيدون بين 300 مليون عربي الذين يملكون حقوقهم الديموقراطية. هؤلاء الفلسطينيون أصحاب الأرض كلها، وقد احتلت بلادهم وقتلوا وشرد أكثرهم، واليوم أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانوناً يمنعهم من إحياء ذكرى نكبتهم، فالديموقراطية الإسرائيلية تقضي بأن يحتفي الضحية بالجلاد، وهناك قانون يختار فيه سكان البلدات من يسكنها، والمقصود منع الفلسطينيين من السكن حيث يريدون في بلادهم، بل إن عضو كنيست مهاجرة من أوكرانيا طلبت منع الأذان حيث يوجد يهود، وتصدّى لها الدكتور محمد الطيبي وأحبط اقتراحها.

نتانياهو يتباكى على المحرقة وهو يمارس مثلها ويتاجر بذكرى عمرها 70 سنة، ويتجاوز جرائم حكومته اليومية، وهو لم يخرج من مستنقع الكذب الذي ولد فيه وهو يزعم أن إسرائيل تريد السلام وتدرك أنها ستتخلى في سبيله عن أجزاء من الوطن اليهودي، في يهودا والسامرة، حيث الشعب اليهودي ليس محتلاًّ أجنبياً على حد قوله.

أقول إن فلسطين كلها أرض محتلة من البحر الى النهر، وليس الضفة الغربية وحدها، وإذا كان هناك طرف سيتخلى عن أرضه في عملية السلام، فهم الفلسطينيون الذين حتى لو عادت الأراضي التي احتلت سنة 1967 سيتخلون عن 78 في المئة من بلادهم.

السلام الذي يدعو إليه نتانياهو مستحيل، فبعد ثلاث لاءات عربية تخلى عنها الذين أعلنوها جاء نتانياهو بأربع لاءات أو خمس، وهو يصر على القدس عاصمة موحدة لإسرائيل ما يلغي عملية السلام قبل أن تبدأ، لأن القدس لنا، وعلى بقاء المستوطنات، أي ضم أهم الأراضي حول القدس، وتجريد دولة فلسطين من السلاح، أي لا دولة، ووجود عسكري إسرائيلي في الأغوار، أي لا حدود. بل إنه يرفض مصالحة حماس وفتح، مع أن حكومته تضم ثلاث عصابات جريمة لا أحزاباً سياسية وأحزاباً يهودية أصولية إرهابية أخرى.

عملية «السلام» التي يروج لها نتانياهو تعني بقاء 60 في المئة من الضفة تحت سيطرة إسرائيل، فانتظر لاءات عربية جديدة إن بقي عرب.

السابق
الإسرائيليون في إيران!
التالي
كادا يتضاربان