لماذا تتخَلّف الدولة عن دَفع مستحقات البلديات؟

تعاني معظم البلديات من تقاعُس الدولة عن دفع مستحقاتها، خصوصا في ظلّ غياب أي رقابة على أموال الصندوق البلدي، وعدم المساواة في توزيع الحصص.

ومن المعلوم أنّ الموارد المالية للبلدية نوعان: رسوم مباشرة تُجبيها البلدية من المواطنين، ورسوم تحصّلها الدولة وتوزّعها على البلديات. المشكلة في الرسوم المباشرة انّها غير متلائمة مع الوضع القائم، لأنّ آخر تعديلات أدخلت تعود الى العام 1988. اما الرسوم التي تجبيها الدولة، فهي لا تستند الى توزيع عادل على البلديات، كأنّ يؤخذ في الاعتبار عدد السكان.

فميزانيات البلدية ليست مبنية على أسس ثابتة، لأنّه لا يمكن أنّ يكون هناك لامركزية إدارية، اذا لم يكن لدى البلديات القدرة المالية على أنّ تتصرف بقوّتها الذاتية. إذ يَتّفق معظم رؤساء البلديات على اعتبار حصّة الصندوق البلدي المستقل الدخل الأساسي للبلديات. وتظهر بعض الاستطلاعات أنّ نحو 86 في المئة من البلديات تعتبر أنّ الرسوم المحوّلة من الدولة تشكل دخلها الأساسي. أما الرسوم المباشرة التي تجبيها البلدية، فهي ما زالت تشكل نسبة ضئيلة من مجموع الموارد البلدية، فتضطر البلديات أحيانا إلى مراعاة أوضاع المواطنين المعيشية، فتتوصّل الى تسويات معهم على الرسوم المتراكمة من السنوات الماضية وتلجأ إلى تقسيط المتأخرات، كما تتردد في إلزام المكلّف دفع الرسوم الجديدة المترتبة عليه. من ناحية أخرى، تراجعت نسبة الرسوم المباشرة بسبب جمود القطاعات الاقتصادية. وفي هذا الإطار، يورد رؤساء البلديات بعض العوامل التي تساهم في تقليص نسبة الرسوم المباشرة من إجمالي الموارد البلدية، ويسجّلون ملاحظاتهم على آلية توزيع حصص البلديات من الصندوق البلدي المستقل واحتسابها.

أموال الصندوق المستقلّ

يعترض بعض القيّمين على العمل البلدي على آلية توزيع هذه الأموال، إذ انّها لا توزّع بانتظام، مع أنّ القانون ينصّ على ضرورة توزيع هذه الأموال في أيلول من كل سنة بموجب مرسوم.

كذلك، فإنّ البلديات لا تعرف ما هي حصتها قبل الحصول عليها، ما يعرقِل صياغة موازنة البلدية، فكلّ بلدية تملك حسابا خاصّا في مصرف يتمّ إيداع الأموال المخصصة لها فيه. إلى جانب هذه العوامل، فإنّ إقدام الحكومات السابقة على التصرّف بـ 75 في المئة من عائدات الصندوق البلدي المستقل وتحويلها الى مجلس الإنماء والإعمار لتمويل بعض المشاريع، أدّى أيضا إلى تقليص واردات البلديات.

موارد مغيّبة

تَشكو معظم البلديات من عدم حصولها على الـ 10 في المئة من فواتير الهاتف والكهرباء والمياه. فإحدى البلديات، مثلا، لم تحصل على حصّتها من رسوم الهاتف منذ العام 1992، وحصلت فقط على قسط واحد عن أوّل ثلاثة اشهر في عام 1999. كذلك، لم تحصل على حصّتها من رسوم الكهرباء منذ العام 1995، مع أنّها تدفع ما لا يَقلّ عن 95 في المئة من الجبايات المستحقة عليها، كما كشف رئيس بلديتها لـ "الجمهورية".

ومن العوامل الأخرى التي تعوق زيادة الموارد البلدية، يشير بعض رؤساء البلديات الى مَنع الفوائد على أموال البلديات وإلغاء براءة الذمة من بعض المعاملات. ويشرح احد رؤساء البلديات، كيف أنّ البلدية مُلزمة أنّ تضع الفائض من أموالها في المصرف المركزي من دون الحصول على الفوائد، بينما اذا اضطرت البلدية الى الاستدانة من الدولة فإنّ عليها ان تدفع فوائد عالية. ويعتقد أنّ إلغاء براءة الذمة البلدية من بعض المعاملات يساهم أيضا في تقليص الموارد البلدية، لأنّ هذه الوثيقة تفرض على المواطن دفع رسومه للبلدية، فتؤمن لها موردا إضافيا منتظما.

فهل يَقع اللوم على القوانين البالية التي ما عادت تلائم الأوضاع الحالية، أم أنّ الدولة تتقاعس عن القيام بواجبها ؟

السابق
خدمات الطوارئ في قضاء صور
التالي
قضيّة “لابورا” تلامس الوتر الطائفي