قضيّة “لابورا” تلامس الوتر الطائفي

المسألة ليست قصة "رمّانة ولا قلوب مليانة" كما يحاول بعض المغالين الترويج. إنما صرخة أطلقها طلّاب الفروع الثانية لوضع حدّ لسياسة الاستكبار والتمييز المعتمدة. القضية بدأت على خلفية إشكال حصل مع مؤسسة "لابورا" يوم الجمعة 27-5-2011 ووفد من الجامعة اللبنانية، ممّا دفعها إلى سحب مشاركتها في معرض المهن السنوي الذي تقيمه كلية العلوم لطلابها. إلّا أنّ القضية لم تنتهِ عند هذا الحدّ، فيوم أمس شهدت كليّة العلوم لقاء تضامنيّا مع مؤسّسة "لابورا"، لمنع "الصيف والشتاء تحت سقف واحد".

الأب خضره

استنكر رئيس "لابورا" الأب أنطوان خضره، التصرف الذي انتهجه رئيس الجامعة اللبنانية زهير شكر وعميد كليّة العلوم، واتهامهم المؤسسة بالطائفية والمذهبية، فجدّد تمسكه بشعار المؤسّسة "الحدّ من هجرة المسيحيّين اللبنانيّين"، موضحا: "أنّ هذا الشعار من أجل الحدّ من خطر تغيير صورة لبنان الرسالة".

وسأل: "هل كان رئيس الجامعة وصحبه سيتصرّفون بالطريقة نفسها في مكان آخر أو في نفس المكان، لو قامت بالأمر ذاته أيّ مؤسسة ذات طابع إسلامي، أو من قبل الذين يسعون إلى خدمة الشباب المسلم؟ وهل شعار لابورا وحده عكّر صفو الوطنية؟ ماذا عن المصليّات في الجامعة والشعارات الطائفية والحزبية والسياسية؟ هل الخلل الوحيد هو في شعار لابورا داخل حرم "اللبنانية"؟ أضاف: "ماذا عن الخلل في تعيين المدرّبين الذي كان قائما تاريخيّا ودائما على التوازن، ومعكم حصل الخلل على كلّ المستويات؟ (80 في المئة من المدرّبين مسلمون و20 في المئة مسيحيّون فقط)"، مبديا في الوقت نفسه أسفه من "محاولة البعض السير وفق مصالح فئوية وطائفية تهدف إلى إزاحة الأكفاء منهم وبخاصة المسيحيّين".

ويقول خضره لـ "الجمهورية": "لم يعد من شيء مستحيلا في هذا البلد، وأعتقد أنّنا نعيش في كذبة كبيرة اسمها التعايش، والحفاظ على بعضنا والتنوّع". أضاف: "في كلام لي مع الدكتور شكر سألته: لو رأيت ملصقا على جدران إحدى كلّيات الفرع الأول، هل تتجرّأ على إزالة ملصق لمؤسسة تدعم الشباب المسلم للدخول إلى الدولة؟ وأكثر ما فاجأني جوابه، "هيدا غير موضوع". أضاف: "في الحقيقة أستغرب هذا الموقف، لا نزال نختلف على المسلمات، وحتى الآن لم يصدر أيّ توضيح من قبل الرئيس".

إدارة "العلوم"

من جهته، اعتبر مدير جامعة كليّة العلوم الفنار، الدكتور جورج رحباني "أنّ المسألة كبرت وتضخّمت أكثر من حجمها، ولا يجب استغلالها"، وأوضح لـ"الجمهورية"،: "منذ البداية رحّبت بفكرة مشاركة مؤسّسة "لابورا"، وأنا مدرك للخلفية الدينيّة التابعة لها". أضاف: "لم يكن من أيّ مشكلة لولا الشعار الذي رفعته لابورا من أجل الحدّ من هجرة الشباب المسيحيّين، في اليوم التالي من المعرض، وأثناء مرور العميد لفت انتباهنا إلى عدم صوابية وجود هذه العبارة في صرح تربوي لبناني صرف، لا يميّز بين فئة وأخرى".

في هذا السياق، أكّد رحباني أنه ليس ضدّ مؤسّسة "لابورا" و"لا يمكن لأحد المزايدة عليه"، "ولكن من ناحية المبدأ لا يمكن التوجه داخل حرم "اللبنانية" إلى فئة محدّدة". أضاف: "انطلاقا من كوني مدير هذه الكلّية، أرغب في أن تكون في خدمة كلّ اللبنانيين، لايمكن لنا معالجة الأغلاط، عبر الإشارة إلى أخطاء الآخرين، لِمَ لا نكون قدوة لغيرنا؟" أضاف: "لا يمكننا التخلّي عن مبادئنا، ولو شعرنا بأنّنا مظلومون، يمكن دحر الظلم بأسلوب جيّد، ولا يسيء لعلاقاتنا مع الآخرين".

"القوّات اللبنانية"

بشيء لا يخلو من الحماسة شارك عدد كبير من طلّاب الفروع الثانية باللقاء التضامني، مندّدين بما تعرّضت له "لابورا". أسف نائب رئيس دائرة الجامعة اللبنانية في مصلحة الطلاب في القوّات اللبنانية، إيلي جعجع للتهميش الذي تتعرّض له بعض الكلّيات قائلا: "من غير الوارد أن يصيب الفرع الأول ما يمكن أن تتعرّض له الفروع الثانية، حتى متى سنبقى مَكسر عصا؟".

وقال جعجع مؤكّدا: "لا شكّ في أنّ كيلنا قد طفح، ونريد أن نطمئن الجميع إلى أنّ في الفروع الثانية لا يزال هناك طلاب مسيحيّون قادرون على الوقوف والتصدّي في وجه قرارات تعسّفية صادرة عن الإدارة المركزيّة، وهذه المرة الأخيرة التي نقبل فيها بهذا النوع من الإجراء داخل حرم الجامعة".

جعجع ومجموعة من رفاقه اعتبروا "أنّ مسألة التجاوزات زادت عن حدّها، وردّة فعل الطلاب المستنكرة طبيعيّة وعفويّة"، معربين عن انزعاجهم من "تطنيش الإدارة حيال ما يحدث في الفروع الأولى. وقال: "لا يمكن لأحد إخفاء ما يحدث في الفروع الأولى، يكفي القيام بجولة حتى يتبيّن أنّها غالبا ما تتحوّل إلى مراكز دينيّة، من دون أن نسمع أيّ ملاحظة أو إشارة من أحد الإداريين". أضاف: "من الواضح أنّ مصالح البعض تتضارب مع تعزيز وجود الشباب المسيحي، من أخبرهم أننا الحلقة الأضعف؟".

وفي هذا السياق، لفت جعجع إلى احتفاظ مصلحة الطلاب في القوّات اللبنانية "بالعديد من الملفات عن الجامعة اللبنانية وتجاوزات إدارتها، وقريبا سيتمّ الكشف عنها، بدءا من تطبيق النظام الدراسي، مرورا بالوعود الفارغة حول عودة الحياة السياسيّة، وصولا إلى ما ستكشفه الأيام". أضاف:" كأحزاب لبنانيّة في الجامعة تعرّضنا للكثير من المضايقات، وتمّ منعنا في مرّات عدة من رفع الشعارات، ولم نعمد يوما إلى انتهاج السلوك الذي قام به ضيفانا الرئيس والعميد،أي إزالة الملصق".

وعن موقف بقيّة الأحزاب، أوضح جعجع: "من جهتنا، وضعنا الاعتبارات السياسية جانبا، في حين أنّ الزملاء في التيّار الوطنيّ الحرّ، حتى اللحظة الأخيرة لم يحسموا مشاركتهم وظلّوا يتلقّون مكالمات هاتفية، ربّما لوجود اعتبارات سياسيّة".

الهيئة الطلّابية

على رغم الدعم الذي أبدته الهيئة الطلّابية في كلّية العلوم لمؤسّسة "لابورا"، وانضمامها إلى أصوات الطلاب المندّدة، كان لرئيسها سامي إسكندر عتب على بقية الأحزاب اللبنانية: "في وقت اتفقنا على مراجعة كلّ حزب لقاعدته الحزبية، وبينما كنا نشاور قيادتنا في التيّار الوطنيّ الحرّ، تمّ الاتفاق على الموعد، وتمّ تخطّينا، كما ان القوات اللبنانية عمدت إلى إرسال وتوزيع رسائل قصيرة تحثّ الطلاب على الانضمام إلى الاعتصام". أضاف: "نأسف لأنّ البعض لجأ إلى تحوير الموضوع وإخراجه من إطاره، مقتنصين اللحظة المناسبة للتصويب على رئيس الجامعة"، منتقدا في الوقت نفسه، "لجوء البعض إلى تجاهل خصوصيّة كلّ فرع".

في وقت تتقاذف الأحزاب الاتهامات والمعاتبة، أكّد خضره أنّ المرحلة الجديدة ستكون مغايرة جدا : "لم يعد في إمكان أحد التلاعب على الوتر الطائفي لقضم حقوق شبابنا". واكتفى بالقول: "هناك من يتحدث كثيرا ويعمل قليلا، إلّا أننا من الذين يعملون كثيرا ويتحدثون قليلا، وفي الوقت المناسب من أجل التصويب".

السابق
لماذا تتخَلّف الدولة عن دَفع مستحقات البلديات؟
التالي
قصّة ألقاب تافهة وأسماء منسيّة: لشو الاسامي؟