الراي: لبنان أسير “قنابل دخانية” تحجب التداعيات السورية

سقطت بيروت امس، في عاصفة من الغبار السياسي الكثيف عبر «الصراخ» الذي «لعلع» من حفلة «عض الاصابع» في مبنى البرلمان، بعدما تحولت «القلوب المليانة» رمانة إنفجرت بين معسكري «8 و14 آذار» مع مناقشة لجنة الاعلام والاتصالات النيابية «الاشكال» التقني ـ السياسي ـ الدستوري والامني الذي كان وقع الاسبوع الماضي في مبنى التخابر الدولي بين وزير الاتصالات شربل نحاس، المدعوم من تحالف «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و«حزب الله» ومؤسسة «اوجيرو»، ومعها قوى الامن الداخلي، المحسوب مديرها العام اللواء اشرف ريفي على «تيار المستقبل» بزعامة الرئيس سعد الحريري.

ورغم الفصول المثيرة التي بلغها هذا الملف مع كتاب الرئيس ميشال سليمان لوزارة العدل «لاتخاذ التدابير اللازمة بحق اللواء ريفي»، لامتناعه عن تنفيذ طلب وزير الداخلية زياد بارود بسحب العناصر الامنية يوم «موقعة» مبنى التخابر الدولي، فإن الانطباع العام يؤشر الى ان انفجار هذا النوع من القنابل الدخانية، ما هو الا عملية «تعمية» عن المأزق المتمادي في تشكيل «الاكثرية الجديدة» الحكومة المعلقة منذ اكثر من اربعة اشهر، ومحاولة لحرف الانظار عن بلوغ تداعيات المواجهة في سورية حد التلاعب بالاستقرار في لبنان من خلال اول الغيث الذي تمثل باستهداف قوة «اليونيفيل».

فالحدث في مكان والغبار في مكان آخر، في رأي دوائر مراقبة وجدت في الجلسة الصاخبة للجنة الاتصالات البرلمانية التي كثر فيها امس الضرب على الطاولة، مجرد «ضجيج» سياسي للالهاء المرشح لمزيد من «الاخذ والرد» مع دعوة رئيس البرلمان نبيه بري لجلسة تشريعية في 8 من يونيو المقبل «مشكوك في شرعية انعقادها» في ظل حكومة تصريف اعمال، اقله في نظر تحالف «14 آذار»، في اعتقاد هذه الدوائر فهو الهجوم المعاكس الذي باشرته سورية في اكثر من «ساحة» في اطار سعيها لاحداث «توازن رعب» في مواجهة تعاظم الاتجاه لـ «تدويل» ملف الاحداث المتدحرجة فيها.

وكان البرلمان شهد وعلى مدى نحو خمس ساعات عملية «كرّ وفر» بين نواب 8 و14 آذار حول ملابسات الاشكال الذي وقع قبل ايام امام الطبقة الثانية من مبنى التخابر الدولي التي تحتوي الشبكة الخلوية الثالثة المزمع تشغيلها والمقدّمة هبة الى لبنان من الصين.

وفيما كانت صحيفة «الوطن» السورية تتّهم فرع المعلومات في قوى الامن الداخلي بانه قام بتشغيل الشبكة الثالثة «جسراً خلوياً غير شرعي مع الساحل السوري»، متحدثة عن إمكان وجود جهاز اعتراض مخابرات هاتفية متطور (تنصت) من صنع فرنسي جرى وضعه في الخدمة حديثاً بطريقة غير شرعية ويستهدف خصوصاً الشبكة الهاتفية الخاصة بـ»حزب الله»، اختزلت جلسة لجنة الاعلام والاتصالات النيابية التي يترأسها نائب «حزب الله» حسن فضل الله كل علامات الانقسام السياسي الذي ظهّرته قضية مبنى الاتصالات التي أخرجت الى العلن في شكل رئيسي ما تُضمره 8 آذار لفرع المعلومات (محسوب على 14 آذار) الذي تريد إنهاء مهماته وللواء ريفي الذي تخوض منذ فترة معركة لـ «تقليم أظافره» او الاطاحة به، وما لا تُخفيه قوى 14 آذار من اعتراضات على أداء الوزير نحاس ومرجعيته السياسية.

وتبعاً لذلك، التأمت لجنة الاتصالات بحضور 30 نائباً (اعضاؤها هم 16) وسرعان ما ارتفعت «المتاريس» السياسية داخلها، لتتحول الى ما يشبه «برج بابل» من حوارات ساخنة كان اعنفها بين النائب احمد فتفت (من كتلة «المستقبل») والنائب اميل رحمه (من 8 آذار)، وتضفي الاصوات المرتفعة التي تردد دويّها في اروقة مجلس النواب المزيد من «الإثارة» على جلسة «الضرب بالايدي على الطاولات» التي انتهت الى بقاء كل فريق على موقفه ومن دون التوافق على اقتراح بتشكيل لجنة فنية متخصصة للاجابة على سؤال «ماذا في الطبقة الثانية» وذلك نتيجة الخلاف حول مَن يعيّن ممثل «اوجيرو» في اللجنة وسط تمسك وزير الاتصالات بصلاحيته في هذا الاطار ورفض نواب 14 آذار الامر باعتباره من صلاحية الهيئة.
وشهدت الجلسة «حرب مستندات» متبادلة، تعلّق جزء منها بصلاحيات «اوجيرو» وسلطة وزارة الاتصالات عليها، وجزء آخر بالجهة التي وضع مجلس الوزراء في عهدتها معدات الشبكة الخلوية الثالثة المقدمة من الصين والتي تؤكد 14 آذار انه عهد بتركيبها وحفظها وتشغيلها الى «اوجيرو»، على عكس ما يقول وزير الاتصالات.

كما حضر الشق الامني المتصل بملابسات عدم سحب ريفي عناصر فرع المعلومات من الطبقة الثانية على ما كان أمر بارود ثم رئيس الجمهورية، قبل ان تحصل التسوية التي قضت بتسليم الجيش الطابق والغرفة التي تحتوي المعدات – الهبة والذي لم يتمكن احد من دخوله بعد نظراً الى الحاجة الى بطاقات الكترونية ممغنطة قيل انها في عهدة مدير عام «اوجيرو» عبد المنعم يوسف الموجود في الخارج والذي يعود اليوم الى بيروت.

وخلال الجلسة، تمسّك نواب 8 آذار بطرح اسئلة حول المجموعة الخليوية العائدة الى الهبة الصينية والتي جرى اتهام «أوجيرو» في رعاية قوى الامن الداخلي بتشغيلها خارج الاطار القانوني و»لأهداف مريبة» بعضها مالي وبعضها الآخر يتصل بالتنصت غير الشرعي وبالتدخل بالاحداث في سورية، كما ركزوا على المطالبة باحالة المدير العام لقوى الامن الداخلي على التحقيق وكذلك مدير «أوجيرو».

في المقابل ركّز نواب 14 آذار على «المخالفات الفادحة» لنحاس وانتهاكاته المتكررة للقانون»، وبانه كان يزمع تفكيك المعدات العائدة الى الهبة الصينية لتزويد «حزب الله» اياها، ومؤكدين ان تفكيك المعدات لا يمكن ان يحصل الا بقرار من مجلس الوزراء ونافين ان تكون الشبكة الثالثة تعمل في اي شكل، علماً ان تشغيلها يرتبط بالإنشاء الرسمي لشركة «ليبان تيليكوم» التابعة للدولة التي سبق ان أنشئت قانوناً.

ومن خلف «غبار» هذه المعركة، وجّه بري دعوة للبرلمان لعقد جلسة تشريعية لهدف رئيسي هو تدارك الفراغ في حاكمية مصرف لبنان في حال انتهت ولاية الحاكم رياض سلامة في أواخر يوليو المقبل من دون التجديد له أو تعيين خلف له من جانب الحكومة التي لا تزال ولادتها برسم المجهول.

وجاءت دعوة بري لتقطع الطريق على محاولات كانت قوى 14 آذار تجريها معه في محاولة لتبني صيغة «المراسيم الجوالة» من اجل التجديد لحاكم مصرف لبنان منعاً لنقل صلاحيات السلطة التنفيذية الى السلطة التشريعية، وهي الصيغة التي تقتضي تأمين 20 وزيراً (من اصل 30) من حكومة تصريف الاعمال لتوقيع مرسوم التجديد لسلامة كما تستدعي حضور الحريري الى لبنان.

وفي رأي 14 آذار، فان انعقاد البرلمان في جلسة تشريعية غير ميثاقي في ظل حكومة تصريف أعمال، في مقابل رفض وزراء 8 آذار توقيع اي مرسوم جوال، مصرين على التصويت على اقتراح قانون للتمديد لسلامة، على ألاّ يصبح نافذاً ما لم يوقّعه الحريري.

ويتسلّح بري في دعوته الى سابقة موافقة البرلمان في ربيع 2005 على اقتراح قانوني يرمي الى إصدار عفو عن قائد «القوات» اللبنانية سمير جعجع في ظل وجود حكومة تصريف أعمال برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي.
تجدر الاشارة الى ان قوى 14 آذار ستقاطع الجلسة التشريعية، ويفترض ان تقطع الطريق على نتائجها من خلال رفض الحريري التوقيع على نشر المرسوم الذي ستقرّه الهيئة العامة.

السابق
مصدر قضائي لـ”الشرق الأوسط: هناك معطيات تحتاج إلى إثباتات حسية في تفجير اليونيفيل
التالي
كلام المفتي قباني عن ميشال عون