الحقيقة وحدها تبقى

لم يحاول أي رئيس عربي أن ينقل أي تجربة ازدهار أو عدالة اجتماعية عن الخارج. باستثناء فؤاد شهاب، في لبنان، الذي سعى إلى عدالة اجتماعية ودمج سياسي. نقل سائر الرؤساء خليطا من تجارب الشرق والغرب التي تؤمن شيئا واحدا، هو استمرارية النظام. أخذوا شيئا من فرانكو اليميني وشيئا من تشاوشسكو، مدعي اليسار. وحده إلياس سركيس رفض أن يعيد انتخاب نفسه. الباقون إما مددوا وإما سعوا إلى ذلك، سرا وعلنا. وكل تجديد كان يعود على البلد بالخراب، والمزيد من التدهور.

أسوأ ما نقله الحكام عن هتلر وموسوليني وستالين وفرانكو هو ممارسة عدم قول الحقيقة، أو نكرانها. وعد هتلر بريطانيا بأن لا نية لديه في القتال، وبعد أيام كانت جيوشه تغزو تشيكوسلوفاكيا في الطريق إلى بقية أوروبا وروسيا. في اليمين وفي اليسار، في الشرق وفي الغرب، في الفاشية والشيوعية، لم يتردد الحاكم لحظة في تقديم مئات الوعود ولا في العودة عنها.

صدام حسين لم يكن أول حاكم يمتدح مزايا جاره اليوم ويغزو دياره غدا. كل ما فعله أنه نقل وعود موسوليني إلى جارته اليونان. وقف الدوتشي خطيبا في روما يعلن أنه لن يهاجم اليونان، لا الآن ولا في المستقبل. وبعد أيام كانت جيوشه تزحف عليها بعد توجيه إنذار لم يزد على ثلاث ساعات. سوف يقلده صدام تماما بالقول إن الكويت تهدد أمنه وتسطو على ثروة العراق. لكن الغرور، الذي يميز جميع المتسلطين والجاهلين بتحولات السياسة، منعه من رؤية نتائج مغامرة موسوليني. لقد دحرت جيوشه بعد ثلاثة أشهر، وهي تردد أناشيد النصر، والدوتشي يخاطب المتراجعين بالألقاب الطنانة: أيها الفرسان، أيها الأبطال.

تكررت الوعود للوسيط الخليجي في صنعاء: عودوا غدا لأوقع، فقرة أخرى وأوقع، ضمانة أخرى وأمضي، أي: أعطيكم إمضائي. المتسلط لا يفي. قبل غزو العراق قال صدام حسين عن جابر الأحمد: إنه جابر العرب. وقال موسوليني عن الجنرال مستاكساس، حاكم اليونان: إنه جابر أوروبا. ليت الحكام العرب نقلوا تجربة ديغول وأديناور وفيلي برانت ولي كوان يو. لكانوا دخلوا التاريخ ولم يخرجوا كما خرج الذين قلدوهم.

السابق
البناء: رئيس الجمهورية يطلب اتخاذ إجراءات قانونية بحق ريفي
التالي
مصدر 8 آذار لـ “الأنباء”: فيلتمان وشيباني التقيا سراً في لبنان!