الاعتداء على “اليونيفيل” توّج عوامل انكشاف لبنان

تعتقد مصادر سياسية مطلعة ان الاعتداء الذي تعرضّت له عناصر من القوة الايطالية العاملة ضمن القوة الدولية في الجنوب يمكن ان يؤثر بقوة في اتجاهات متعددة، بعضها يتصل في شكل اساسي بالمشاركة الاوروبية من ضمن هذه القوة بحيث يعتقد ان غياب او تغييب اوروبا قسريا عن هذه المشاركة سيساهم في تشجيع اسرائيل على التذرع بفقدان الثقة بهذه القوة وبفاعليتها مما يفتح الباب على احتمالات خطرة بالنسبة الى لبنان. في حين ان البعض الاخر يمكن ان يؤثر على مواقف هذه الدول في حال كان للاعتداء صلة بما يجري في سوريا والدفع الاوروبي في اتجاه احالة الوضع فيها على مجلس الامن. اذ غالبا ما تأثرت هذه الدول عبر محاولات لي ذراعها باستهداف عناصرها المشاركة من ضمن القوات الدولية في اماكن عدة.

لكن الخطورة التي كشف عنها الاعتداء هو احتمال عودة لبنان ساحة لتوجيه رسائل، بحيث ان مجموعة تطورات وحوادث منذ حادثة خطف الاستونيين السبعة الى اختفاء مسؤول بعثي سابق في عاليه وحادثة مارون الراس وصولا الى محاولة تفجير ازمة سياسية داخلية على خلفية اختيار توقيت ملتبس لاجراء يتخذه وزير الاتصالات في حكومة تصريف الاعمال لم تفهم تماما او كليا على هذا النحو الى حين الاعتداء على القوة الايطالية. اذ بات واضحا بالنسبة الى مصادر ديبلوماسية تطور الامور وفق خط بياني تصاعدي في اتجاه تدهور محتمل للوضع الداخلي في لبنان في مواكبة التدهور السوري او استباقا له. وتشكل الخطورة المتمثلة في هذه التطورات سببا مباشرا بالنسبة الى مصادر سياسية من اجل ان يذهب رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي في اتجاه تأليف حكومة يمكن ان تكون مقبولة من غالبية اللبنانيين وتحرج الرافضين لها ما لم تكن بشروطهم من اجل منع انزلاق لبنان الى وضع خطير سيتحملان مسؤوليته. اذ ان الوضع الراهن لا يمكن اعتباره وضع ستاتيكو، بل هو وضع متحرك نحو الاسوأ على الصعيد السياسي وفقا للمشهد في وزارة الاتصالات وتداعياته الخطيرة على اكثر من مستوى بغض النظر عن توزيع المسؤوليات ومن يتحملها، وكذلك الامر حيال ما حصل في الجنوب علما ان عدم الكشف عن مفتعلي الحوادث ومسببيها من خطف الاستونيين الى المسؤولين عن الاعتداء على القوة الايطالية سينعكس سلبا على لبنان.

ويجد كثر في هذا الاطار ان على رئيس الجمهورية اخذ المبادرة للدفع في هذا الاتجاه ودعوة الجميع الى الاجتماع وتحميل من يرفض الاجتماع والحوار المسؤولية. اذ انه حتى الان تتصرف الاكثرية الجديدة كأنها عاجزة عن المبادرة في ظل غياب سوريا عن واجهة التعاطي المباشر وادارة الشؤون الداخلية للبنان اما بدفع طبيعي من زمن الوصاية السورية التي جعلت اللبنانيين عاجزين عن بت امورهم بأنفسهم من دون رعاية او تدخل سوري لادارة خلافات الافرقاء السياسيين او لعجز عن تحمل المسؤولية محليا واقليميا ودوليا. وفي الحالين يفترض بالقيادات اللبنانية التحرك على وقع عاملين يدركانهما وفق ما تشير الى ذلك كل المعطيات الديبلوماسية التي افاد بها الزوار الديبلوماسيون اخيرا او التقارير الديبلوماسية من الخارج . العامل الاول يتمثل في ان التحول السوري قد حصل ولم يعد الوضع السوري هو نفسه ولن يعود كما كان ولو ان اداء المسؤولين اللبنانيين وحدهم، من دون سواهم من سائر مسؤولي الدول، يحاول ان يظهر بقوة ان الامور لم تتغير وان اتصالاتهم بالقيادة السورية لا تزال على وتيرتها المعهودة. وهذا امر مفهوم نسبيا في سلوكيات المسؤولين اللبنانيين بناء على اعتبارات متعددة، لكن واقع الامور ان سياسات جديدة بدأت ترسم على اساس المتغيرات الجوهرية الحاسمة من دون حاجة الى اي موقف دولي في مجلس الامن حتى لو كان صدور هذا الموقف شكليا هو من باب الضغط المعنوي الذي يمكن ان يشكله. اذ ان مصادر متعددة تعتبر ان الوضع السوري تجاوز ما يمكن قبوله وباتت القناعات حاسمة في اتجاه معين ولو ان الخطاب العلني الدولي لا يزال يحافظ على سياسة الابواب المفتوحة ظاهريا من خلال عرض الخيارات المتاحة. ولعل المسؤولين جميعهم يدركون خفايا المواقف الدولية والاقليمية التي باتت معروفة ولو لم يتم الاعلان عنها او تظهيرها ولذلك يتصرف البعض منهم من منطلق محاولة كسب اوراق جديدة او تحقيق انتصارات في الوقت الضائع قبل ان تتبلور المواقف ويصبح تعزيز الاوراق صعبا او مستحيلا في حين يتعين على رئيس الجمهورية اخذ المبادرة الى محاولة ضبط الامور تحت سقف منع انفلاتها.

أما الامر الآخر فهو انشغال سوريا بنفسها الذي سيستغرق وقتا طويلا جدا يحتم على المسؤولين اللبنانيين عدم انتظار بلورة الوضع السوري لحل ازمتهم السياسية خصوصا انه ينقل عن زوار دمشق تشجيعها على تأليف الحكومة. فحتى الان كانت النتائج المباشرة هي العجز عن تأليف الحكومة وتفجر الاكثرية الجديدة وتفجر الوضع بين هذه الاخيرة وقوى 14 آذار اضافة الى الوضع الاقتصادي الصعب وبداية الفوضى الامنية. فهل يتحرك المسؤولون ام يتحدثون بوجوب التحرك كأن السلطة في يد سواهم وليست في ايديهم؟

السابق
الشرق الاويط: سليمان يطالب باتخاذ تدابير قضائية بحق ريفي.. لعدم تنفيذ أوامره
التالي
السفير: المستقبل يفضح نفسه: أوجيرو تيليكوم مسجلة دولياً!