الفارق بين سوزان مبارك وسوزان تميم!

المؤكد أن من سيقرأ العنوان سيندهش، ويسأل: ما علاقة هذه بتلك، وما الذي يجمع المصري بالشامي، وسيدة القصر بسيدة الفيديو كليب، وصاحبة العصمة بصاحبة العلاقات المثيرة للجدل؟
ظاهريا لا يوجد رابط، بل أتوقع من يستنكر ويشجب ويدين -على طريقة خالدة الذكر الجامعة العربية- هذا الربط أساساً بين المرأتين، وسـأتقبل بصدر رحب أي هجوم على شخصي بإساءة الأدب مع الأسياد وعلية القوم، مثلما سبق واتهمني قارئ كريم في موقع «إيلاف» معلقا على مقال بعنوان «تبرعوا من أجل مبارك وسوزان!» والذي أعاد الموقع نشره مؤخرا عن «العرب». قال القارئ: «أفكار سوقية وقليلة الأدب على ثالث زعيم يحكم مصر».

لكن من يمعن النظر قليلاً سيدرك أن هناك رابطا كبيرا بين «السوزانتين». سوزان مبارك نموذج صارخ على فساد عصر زوجها، بتدخلها في تشكيل الحكومات وفرض رأيها فيما لا يعنيها أو يخصها من أمور الدولة، فضلا عن عدم تفرقتها بين المال العام والخاص. لقد فتحت «ماسورة» توصل أي تبرعات -وهي بعشرات الملايين- تأتي للمشروعات التي وضعوها تحت إشرافها مثل مكتبة الإسكندرية والجمعيات الاجتماعية، إلى حسابها الشخصي مباشرة. أما سوزان تميم فهي نموذج صارخ للجمال (مع كل الاحترام للسليكون والبوتكس) الذي جمع الرجال من كل حدب وصوب، كانوا مثل الذباب الذي يتجمع على بقعة العسل. من بينهم أحد أبرز رموز وإفرازات «قاذورات» عصر مبارك، وأحد أبناء السِفاح نتيجة العلاقة غير الشرعية بين السلطة ورأس المال: هشام طلعت مصطفى، عضو قيادي بالحزب الوطني الحاكم الذي أطبق على رقبة مصر بالتزوير والبلطجة، عضو مجلس الشورى، رجل الأعمال الشهير.

سوزان مبارك ضالعة ومغموسة وغارقة في بحر الفساد السياسي والاقتصادي لنظام زوجها ونجلها، وسوزان تميم شاءت الظروف أن تكون شاهدة عيان على هذا الفساد. إن رجل الأعمال الذي هام بها عشقا، كان في مقدمة المستفيدين من سياسات وقوانين مبارك التي وضعت فقط من أجل إثراء رجال الأعمال وحدهم، فحصل على عقد مشروع «مدينتي» السكني بما يقل عن سعر الأرض الحقيقي بكثير، والنتيجة أن هذه الصفقة -بحسب اقتصاديين- أضاعت على الدولة المصرية 300 مليار جنيه، بعدما حصل على 8 آلاف فدان في غمضة عين وبـ «الأمر المباشر»، واشترى المتر بجنيه ليبيعه بعد ذلك بعشرة آلاف. لم يجد هشام ما يفعله بهذه الأرباح سوى أن يزكـّي بها على المسكينة سوزان تميم، فكان يعطيها مصروفا شهريا 200 ألف دولار، كما ذكر بنفسه في تحقيقات القضية بحسب صحيفة «الشروق» المصرية. ولأن الرجل يفكر بنفس طريقة سيده وراعيه مبارك في الاستحواذ على كل شيء، فقد أراد أن يكون ديكتاتورا على سوزان تميم، لتكون مثل الشعب بالنسبة لمبارك.. مجرد جارية لا أكثر. ولما استصعبت عليه تصرف أيضا بأسلوب الجهاز الأمني لمبارك «الخضوع التام، أو الموت الزؤام». من أجل إنجاح معركة «برج الرمال بدبي» واصل مسلسل الفساد في صرف الأموال التي نهبها من أراضي الدولة ورفع أجر القاتل المحترف إلى 2 مليون دولار، غير المصروفات النثرية. وبعد تحقيق الانتصار على المتمردة وصل برقم أتعاب المحامي الواحد إلى 5 ملايين دولار، ثم ذكرت تقارير إعلامية أنه دفع لوالد سوزان 750 مليون جنيه حتى يتنازل عن اتهامه لرجل الأعمال بقتلها.

لكن الأخطر اتضح فيما بعد، فقد كشفت الأحداث أن أحد أبرز أركان نظام مبارك، وهو الفقيه الدستوري والقانوني فتحي سرور رئيس مجلس الشعب، أصدر فتوى قانونية بأن من يحرض على القتل ويتم تنفيذ الجريمة خارج حدود الدولة المصرية لا يعاقب عقاب الفاعل الأصلي، ولذلك حصل هشام على حكم مخفف من الإعدام إلى سجن سنوات معدودات. وتردد أن سرور حصل على «عرق جبينه» بشأن تلك الفتوى عبارة عن فيلا ممن أعتق رقبته من المشنقة.

هل لا يوجد بعد ذلك كله رابط بين سوزان مبارك وسوزان تميم؟ أظن أن السؤال الذي يجب طرحه الآن ليس عن وجود رابط أم لا، وإنما: من تستحق التعاطف.. سيدة الفيديو كليب أم سيدة القصر؟
أعرف أن موجة الهجوم على العبد لله ستزداد عند طرح هذا السؤال. فلا أحد يتعاطف مع امرأة ارتبط اسمها بمثل هذه العلاقات، بينما من تستحق التعاطف هي زوجة رئيس فقدت الجاه والسلطان وانقلبت حياتها، وحتى لو شاركت في ظلم وفساد سياسي فإن الفساد السياسي أرحم من الفساد الأخلاقي. طبعا هذه الرؤية نابعة من العقليات الازدواجية العربية التي ترفع شعار الفضيلة شكلا لا مضمونا.. تلعن في العلن صنف المطربات بينما تطاردهن في الخفاء.

قد يغير أصحاب هذا الرأي فكرهم إذا جلسوا مع أنفسهم جلسة صدق، فوقتها قد يدركون أن الفساد الأخلاقي يقع ضرره على صاحبه، بينما الفساد السياسي يضر بجموع الشعب.
من تستحق التعاطف.. سوزان تميم الفتاة البائسة التي ولدت في أسرة مفككة، ولم تجد من يدلها على الصواب، ووقعت في زوج كل هدفه استغلالها ومحاولة ترويجها كمطربة لتحقيق مكاسب من ورائها، وحينما تخلصت منه وجدت مليارديراً يرمي الأموال تحت أقدامها، ويعرض عليها حزمة إغراءات أهمها الاستقرار الذي حرمت منه، ثم كان مصيرها القتل بسكين باردة ودماء أكثر برودا. أما سوزان مبارك فولدت في أسرة ميسورة محترمة، الوالد طبيب والأم من ذوات الدم الأزرق الإنجليزي، قرية كاملة «نزلة ثابت» تحمل اسم عائلتها، وعضو دائم يمثلها في البرلمان، تعليم عصري، حياة مستقرة توجت بالزواج من طيـّار شاب كان كل حلمه أن يصبح سفيراً فإذا به يجلس على حكم «أم الدنيا»، لتتحول هي من زوجة ضمن ملايين الزوجات إلى السيدة الأولى.
فهل اكتفت وحمدت ربها وسجدت له عشية وضحاها على نعمه الوفيرة، والتي اكتملت بولدين توافر لهما ما لا يتوافر لغيرهما من المصريين. سير الأحداث يؤكد أنها رفعت شعار «البحر يحب الزيادة» فدسّت أنفها في كل شؤون الدولة، وملفها بشأن تضخم ثرواتها بشكل غير مشروع ما زال مفتوحا رغم ردها للدولة 24 مليون جنيه. كما لم تكتف بأن تكون زوجة الرئيس وسعت بكل قوة لتكون أم الرئيس.

إذن أكرر السؤال: من تستحق التعاطف من «السوزانتين»؟!

السابق
الراي: لبنان في “حفرة” سيناريوات… قاتمة
التالي
المستقبل: عون مستمر في حملته على الأمن الشرعي