البناء: انعدام التوازن في الدولة قراراً ومؤسسات

تعيش الساحة السياسية الداخلية في حال من انعدام الوزن السياسي والحكومي، وحتى على الصعيد الأمني نتيجة التفكك والجمود اللذين تمر بهما مؤسسات الدولة. وقد رفع من نسبة هذا التفكك تخلي حكومة تصريف الأعمال عن كامل الدور المنوط بها في مثل هذه الحال، خصوصاً أن رئيسها لا يقوم بالحد الأدنى المطلوب لمتابعة وتصريف الأعمال المطلوبة، في وقت لا يبدو أن هناك بوادر أو مؤشرات حول إمكانية تشكيل حكومة في وقت قريب، بل إن موضوع التأليف دخل «غرفة العناية» في الأيام الأخيرة.
إلا أن الأمور لم تتوقف عند هذه الحدود بل ان ما زاد «الطين بلة» ما أقدمت عليه شعبة المعلومات الأسبوع المنصرم من تمرد على أوامر وزير الداخلية زياد بارود من خلال رفض الانسحاب من مبنى الاتصالات قرب العدلية بعد أن أقدمت هذه الشعبة على منع وزير الاتصالات شربل نحاس من دخول الطابق الثاني في المبنى المذكور لمعرفة ما يحصل هناك على صعيد الشبكة الثالثة التي تُشغّل دون معرفة الوزير وكبار المسؤولين في وزارة الاتصالات، بل بناء على قرار مدير عام أجيرو عبد المنعم يوسف. وقد طرح هذا التصرف من جانب شعبة المعلومات علامات استفهام خطيرة لم تفكك رموزها حتى الساعات الماضية حول ما كان يحصل في الطابق الثاني من مبنى الاتصالات ولمصلحة أية جهة كانت تعمل الشبكة الثالثة التي تضم 50 ألف خط، وإن كانت مصادر عليمة قد أكدت أن الشبكة كانت تستخدم للتنصت على بعض أجزاء من سورية وإن هذه الشبكة كانت مربوطة بمكتب مختص في المعلومات داخل السفارة الأميركية في لارنكا في قبرص.

كما أن ما أثار القلق أيضاً لدى المواطن هو الانفجار الذي استهدف الوحدة الإيطالية يوم الجمعة الماضي في بلدة الرميلة بالقرب من الأولي. وبحسب مصادر أمنية عليمة فإن التحقيقات مستمرة لكشف الجهات المتورطة باستهداف الوحدة الإيطالية. لكن المصادر أكدت أن شكل الانفجار ومكان حصوله يؤشران إلى أن هناك «جهات متطرفة» وراء استهداف اليونيفيل على غرار ما حصل في المرات السابقة. وقالت إن حصول الانفجار بالقرب من صيدا وفي منطقة غير مأهولة ولا وجود قوياً لأي تنظيم سياسي هناك يؤشران إلى وجود «تنظيم إرهابي» وراء العملية. ولم تستبعد المصادر أن يعلن طرف معين عن مسؤوليته.

ومن المنتظر أن يقوم قائد القوات الدولية الجنرال اسارتا في الساعات المقبلة بجولة على المسؤولين للبحث في هذا الموضوع، مع العلم أن أركان الدولة أبلغوا الجهات الدولية المعنية الموقف اللبناني الرسمي الحريص على عمل قوات اليونيفيل في الجنوب وعلى التحقيق حتى النهاية بما جرى للاقتصاص من الجناة والجهات التي وراءهم.

لكن مصادر سياسية متابعة أبدت قلقها من أن تسعى بعض الجهات المتضررة من الاستقرار الأمني ومن الجهود المبذولة لتشكيل الحكومة في سبيل إظهار عجز قوى الأكثرية الجديدة عن إدارة شؤون البلاد إلى القيام بمزيد من المحاولات لاستهداف الوضع الأمني في البلاد.
وأكدت المصادر أن استمرار الفراغ السياسي داخل الدولة مؤسساتها يشجع العابثين بالأمن على تنفيذ مخططاتهم المشبوهة، مشيرة إلى وجود معطيات ومعلومات لدى الأجهزة الأمنية عن عودة بعض الجهات المتطرفة إلى تنشيط عملها في الفترة الأخيرة، لأن غياب القرار السياسي ينعكس سلباً على الوضع الأمني.
وأمس نقلت صحيفة «الوطن» السورية عن مصدر سياسي رفيع أن الاعتداء على اليونيفيل في الأولي أول من أمس حلقة في سلسلة الضغوط التي يتعرض لها محور المقاومة والممانعة من لبنان إلى سورية فإيران. وتوقع المصدر أن تزيد وتيرة هذه الرسائل الأمنية الدموية كلما أظهر هذا المحور إرادته الصلبة في التصدي لهذا المشروع. وقال إن هذا التحدي يتطلب تماسكاً لبنانياً على المستوى السياسي وتضامناً مع سورية في وجه المخططات التي تحاك ضدها، وبعضها يتطلع إلى استعمال لبنان ساحة لضرب استقرارها ولتصفية الحسابات الدولية معها.

ماذا حصل في مبنى «الاتصالات»؟
في هذا الوقت، فإن انسحاب «شعبة المعلومات» من مبنى الاتصالات وتسليمه إلى الجيش اللبناني لم ينهيا الأزمة التي افتعلتها شعبة المعلومات بقرار واضح وصريح من القيمين والمسؤولين عليها والتي كادت أن تطيح ما تبقى من مؤسسات في البلاد نتيجة تمرد هذه «الشعبة» على قرار وزيري الاتصالات والداخلية ورفضها دخول الوزير شربل نحاس إلى المبنى وكذلك رفضها تنفيذ قرار الوزير بارود بالانسحاب منه إلا بعد سلسلة كثيفة من الاتصالات قام بها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وتيارات أخرى وكادت أن تؤدي إلى أزمة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المنصرف سعد الحريري الذي يبدو أنه ليس بعيداً عما قامت به «شعبة المعلومات» ولا مدير عام أوجيرو عبد المنعم يوسف.
وعلم في هذا السياق، أن تحويل «تمرد شعبة المعلومات» إلى القضاء ما زال مدار تشاور بين المسؤولين حيث بحث رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان هذا الموضوع مع وزير العدل ابراهيم نجار ومدعي عام التمييز سعيد ميرزا.
وبحسب مصادر مطلعة فإن مسألة إحالة ما حصل من تمرد إلى القضاء لم تبت حتى مساء أمس. وقالت المصادر إن الوزير نجار والقاضي ميرزا أبلغا رئيس الجمهورية أن القضاء يدرس ما إذا كان ما يحصل هو من اختصاصه أم من صلاحية جهات أخرى؟

نحاس يرفع شكوى لدى المحكمة العسكرية
ومساء أمس أكد وزير الاتصالات شربل نحاس أنه تم تسجيل شكوى لدى مفوض الحكومة في المحكمة العسكرية كي لا تتقاعس السلطة القضائية عن اتخاذ الإجراءات التي يوجب القانون اتخاذها تجاه هذا التمرد.
وتطرق نحاس إلى قضية عبد المنعم يوسف فقال هذا الموظف المتمرد بعد أن قام بدوره في العملية الانقلابية وخرج من لبنان عطل كل البطاقات التي تسمح بالدخول إلى القاعة التي فيها الهبة الصينية وأخذ البطاقات وخرج من البلاد، لافتاً إلى أن الجيش يطلبه لإعادة البطاقات.
أما عبد المنعم يوسف فقال مساء أمس إنه موجود في باريس، وأضاف إنه خارج البلد فترة وجيزة بإجازة إدارية صادرة عن نحاس شخصياً. ورأى أن الموضوع لا يستأهل مذكرة جلب موضحاً أنه سيعود إلى لبنان يوم غد.
وبحسب مصادر بارزة فإن لجوء شعبة المعلومات بتوجيه من مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي إلى منع وزير الاتصالات من دخول مبنى الاتصالات قرب العدلية، يحمل الكثير من علامات الاستفهام. وسألت المصادر كيف تعطي جهة سياسية لنفسها الحق بالتصرف بشبكة خلوية ثالثة تضم 50 ألف خط وكان جرى منع الوزير نحاس من دخول المبنى؟ وقالت إن هذا المنع يؤكد وجود شكوك حول خطورة ما كان يحصل في الطابق الثاني من مبنى الاتصالات لأنه لو لم يكن هناك من مسائل تُهرّب ـ تنصت وما إلى ذلك ـ لماذا يُتّخَذ قرار على هذا المستوى بدأ بالطلب من شعبة المعلومات حراسة المبنى بعشرات العناصر ولاحقاً منع وزير الاتصالات من الدخول إلى المبنى، وبالتالي لماذا لم تكن بالأساس تحت تصرف وزارة الاتصالات؟
أضافت المصادر أنه بعد الذي حصل لا بد من توضيح ما كان يحصل داخل مبنى الاتصالات ولماذا حصل ما حصل وما هي خلفياته وظروفه وأسبابه وإن كانت المصادر قد أكدت أن أموراً خطيرة كانت تجري هناك خصوصاً أن عبد المنعم يوسف أخذ مفاتيح الطابق الثاني ولا يعرف أين هي.
لذلك تبدي المصادر تخوفها من أن يصار إلى لفلفة ما حصل من «تمرد» بما يؤدي إلى تهريب ما كان يحصل في مبنى الاتصالات.

عون يدعو إلى استكمال التحقيق
وفي هذا الإطار، رأى العماد ميشال عون بعد ترؤسه اجتماعاً استثنائياً لتكتل التغيير والإصلاح اننا نعيش مهزلة الدولة التي سلطتها أقل من سلطة ورقية، مشيراً إلى أن المطلوب تكملة التحقيق في القضاء مع مدير عام أوجيرو عبد المنعم يوسف والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي لكف يده وإحالته إلى القضاء لأن وزير الداخلية أوامره تكون مباشرة لمدير عام قوى الأمن وعدم إطاعتها يطبق عليها القوانين العسكرية. وكشف أن عبد المنعم يوسف غادر إلى الخارج مشككاً في أن يعود ويجب أن تصدر بحقه مذكرة استدعاء فورية وإلا برقية تحر وإلقاء قبض.
وأعلن عون أنه لا يقوم بتسويات وحتى أخذ الجيش مكان المعلومات في مبنى الاتصالات لم نتدخل ونحن نبحث عن مفاتيح السنترال التي أخذها يوسف معه.

فريق «14 آذار» يغطي «التمرد»
ولوحظ أن فريق «14 آذار» ورغم القرصنة التي افتعلها قسم المعلومات يواصل حملته لعدم المس بالدور الذي تقوم به شعبة المعلومات. ورأت مصادر في هذا الفريق أن المواجهة من قبل وزير الاتصالات شربل نحاس مع شعبة المعلومات تدخل في سياق المحاولات اليائسة لتدجين القوة الأمنية الوحيدة التي لا تخضع ـ كما زعمت ـ لوصاية حزب الله. وحاولت مصادر فريق «14 آذار» الربط بين الخطوة الجريئة للوزير نحاس وبين تحرك واشنطن وحلفائها الغربيين ضد سورية في مجلس الأمن. كما اعتبرت أن تنحي الوزير زياد بارود «للهروب من المسؤولية وأن بيانه لا يمكن وضعه سوى في «خانة البيان الانتخابي»؟

جولة جديدة حول تشكيل الحكومة
على صعيد آخر، تفيد المعلومات المتوافرة لـ»البناء» بأن العقد التي تواجه تشكيل الحكومة لم تزل على حالها بسبب عدم الوصول إلى تسوية حول الحقائب المختلف عليها. وتضيف المعلومات أن جولة جديدة من المشاورات والمداولات سيشهدها هذا الأسبوع وأن الحافز الأساسي لهذه الجولة هو تعزز الاعتقاد بأنه لم يعد من المفيد انتظار التطورات الخارجية أو إعطاؤها الأهمية التي أدت وتؤدي إلى إعاقة تشكيل الحكومة ولا سيما أن ما حصل في مبنى الاتصالات يشكل نموذجاً لسلبيات وخطورة الفراغ السياسي الحاصل بسبب عدم تشكيل الحكومة.

… ودعوة متوقعة إلى جلسة نيابية
وعلى الصعيد السياسي يتوقع أن يطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم مواقف سياسية مهمة حول التطورات الراهنة في احتفال يقام عصراً في الضاحية الجنوبية.
وكذلك يتوقع أن يدعو رئيس مجلس النواب بعد انتهاء مهلة العشرة أيام إلى جلسة عامة لمجلس النواب حيث يفترض درس بعض القضايا الملحة والضرورية، لكن السؤال هنا هل سيتوفر نصاب الجلسة أم أن فريق «14 آذار» سيقاطعها؟ وكما هو معلوم فإن نواب فريق «14 آذار» يعارضون عقد مثل هذه الجلسة كما أنه وحسب مصادر نيابية فإن النصاب غير مضمون بانتظار جلاء المواقف.

قهوجي: نقف ضد العدو «الإسرائيلي»
إلى ذلك أكد قائد الجيش العماد جان قهوجي خلال جولة قام بها أمس في الشوف «أن الجيش اللبناني يقف إلى جانب مواطنيه أينما كانوا ويقف ضد العدو «الإسرائيلي» وبمواجهة اعتداءاته، منبهاً إلى مؤامراته مروراً بالتصدي للإرهاب بأشكاله كافة.
وأشار قهوجي إلى ما تمر به المنطقة العربية وقال إن لبنان معني بتجنب أي عمل ينعكس سلباً علينا وعلى غيرنا».

الموقف الروسي يحبط سعي
واشنطن إلى انعقاد مجلس الأمن
في مجال آخر، لا تزال المحاولات الأميركية والغربية لعقد جلسة لمجلس الأمن لبحث الوضع في سورية وإصدار قرار ضدها تواجه عقبات كبيرة أبرزها رفض كل من روسيا والصين انعقاد مجلس الأمن حول الوضع في سورية أو إصدار قرار بهذا الخصوص. ويبدو من خلال مصادر دبلوماسية عليمة أن أي موعد لعقد جلسة للمجلس لم يحدد برغم المسعى الأميركي والغربي لذلك نتيجة الموقف الحاسم لروسيا الرافض لمثل هذه الجلسة.
وقد أكدت روسيا أمس رفضها لما تقوم به واشنطن وحلفاؤها في مجلس الأمن بهدف إصدار بيان ضد سورية، وذكرت وكالة أنباء نوفوستي الروسية أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أبلغ نظيره السوري وليد المعلم في اتصال هاتفي موقف روسيا المبدئي الرافض لفكرة طرح موضوع سورية في مجلس الأمن. وقالت الوكالة إن الوزيرين تبادلا الآراء حول تطور الأوضاع في سورية في ضوء الاتصال الهاتفي بين الرئيسين ميدفيديف والأسد. وذكر بيان لدائرة الإعلام في الخارجية الروسية أن المعلم اطلع لافروف على الخطوات العملية التي تعتزم القيادة السورية القيام بها لتنفيذ الإصلاحات المعلن عنها بهدف تطبيع الوضع في سورية.

ترويج وأكاذيب
وكعادتها واصلت محطة الجزيرة ترويج الأخبار الكاذبة عن الوضع في سورية حيث تستمر بنقل الأخبار المدسوسة عمن تصفهم «شهود عيان» أو «مصادر شهود» وما إلى ذلك. وزعمت أن قريتي تلبيسة والرشين القريبتين من حمص محاصرتان، كما أن الكهرباء والمياه مقطوعتان عنهما. ووصلت المزاعم بهذه المحطة المشبوهة الى الحديث عن سقوط قتلى من الجيش السوري برصاص رفاقهم، كما ادعت حصول تظاهرات في بعض المناطق.
كذلك قامت بالحملة نفسها كل من قناة العربية ووكالة رويترز وجريدة الشرق الأوسط السعودية.
وقد واصلت بعض المجموعات الإرهابية القيام بأعمال التخريب والاعتداء على المواطنين حيث ذكرت وكالة «سانا» أن مجموعة مسلحة هاجمت شرطياً في منطقة حمص واعتدت على اثنين من أبنائه. وذكر مصدر في وزارة الداخلية السورية أن الشرطي تمكن من قتل اثنين من المهاجمين وجرح ثالث.
وأمس أكد رئيس رابطة الأطباء الشرعيين في سورية أكرم الشعار بوصفه الطبيب الشرعي الذي كشف بشكل رسمي على جثة الفتى حمزة الخطيب أن الطفل وصل إلى دمشق ميتاً بسبب طلق ناري وأن الفحوصات الطبية تؤكد عدم وجود آثار للتعذيب على الجثة.
وكانت قناة الجزيرة وغيرها من القنوات المشبوهة قد أثارت ضجة كبيرة يوم الجمعة الماضي من خلال ترويج الشائعات والأكاذيب حول وفاة الخطيب.

السابق
مصادر مصرفية لـ”الأنباء”: تجميد حسابات ليلى الطرابلسي وعائلتها في بيروت
التالي
الانباء: الاشتباك حول الاتصالات ينتقل إلى البرلمان اليوم