الراي: لبنان ينزلق في الطريق إلى… الدولة الفاشلة

ينزلق لبنان نحو «دولة فاشلة» وبلا كوابح في لحظة اقليمية «مؤاتية» للاعبين محليين واقليميين، وسط ملامح من «الفوضى» المرشحة لـ «التدحرج» على وهج الاهتزاز الدراماتيكي في مكانة نظام الرئيس بشار الاسد داخل سورية وعلى المستويين الاقليمي والدولي، وصراعه المرير لتفادي السقوط.

فلم يكن إنفجار الصراع حول ملف «الاتصالات» البالغ الحساسية مجرد «مصادفة» مع دخول البلاد الشهر الخامس من دون حكومة رغم تعاظم التحديات، ومع إشتداد العزلة الدولية للنظام في سورية، عقب العقوبات الاميركية والاوروبية والتحضير لنقل الملف السوري الى مجلس الامن الدولي.
وإذ شكل التطور المثير في الصراع على ملف الاتصالات مؤشراً على الانزلاق المتسارع نحو فوضى توحي بإنتقال البلاد الى ما يعرف بـ «الدولة الفاشلة»، فإن الدوائر المراقبة في بيروت تتحدث عن «عينة» الاتصالات كـ «موجة» مرشحة للتكرار في ميادين اخرى على النحو الذي من شأنه «تعميم» تلك الفوضى.

وكان إنفجار «رأس جبل» الاتصالات دوى إثر المواجهة بين وزير الاتصالات شربل نحاس، المدعوم من تحالف «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون و«حزب الله»، وبين المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء اشرف ريفي، «رأس حربة» تحالف «14 آذار»، والتي سرعان ما سقط «ضحيتها» وزير الداخلية «المعتكف» زياد بارود المحسوب على رئيس الجمهورية ميشال سليمان.

وفي الحكاية، في جانبها «التقني» ان نحاس اراد وضع اليد على شبكة خلوية موضوعة في عهدة «اوجيرو»، التي طلبت من قوى الامن الداخلي «حراسة» تلك الشبكة لمنع تفكيكها ونقلها خلافاً لقرار صادر عن مجلس الوزراء في العام 2007، الامر الذي اعتبره وزير الاتصالات بمثابة «عمل انقلابي»، خصوصاً ان ريفي لم يستجب لطلب الوزير بارود سحب العناصر الامنية.

دوائر محايدة في بيروت رأت في «الانفجار الموضعي» للصراع حول «الشبكة الخلوية» القشة التي قسمت ظهر البعير في مواجهة «شرسة» مستمرة منذ اعوام حول ملف الاتصالات «المتصل» بالمحكمة الدولية في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق، وقاعدة البيانات، وعملية خطف الاستونيين السبعة، إضافة الى قضية القيادي في «تيار عون» العميد فايز كرم المتهم بالتجسس لمصلحة اسرائيل.

وفي اللحظة التي وضع الجميع اسلحتهم على الطاولة في مواجهة مفتوحة على الاسوأ، استمر «الوضع الامني» على حاله في مبنى التخابر الدولي، القريب من العدلية في بيروت… عناصر من «فرع المعلومات» في قوى الامن على مدخل الطبقة الثانية حيث «الشبكة» التي نصبت أفخاخاً في تطور مليء بـ «الألغاز»، جهاز امن السفارات، الذي جاء به الوزير، على المدخل الخارجي للمبنى، والمحيط جهاز الاستقصاء التابع لقوى الامن.
اما خريطة «الاتصالات» الماراتونية التي اعقبت الشرارة التي انفجرت اول من امس، بإستقرت على النحو الآتي:

* العماد عون، المدعوم من «حزب الله» أمهل رئيس الجمهورية حتى الثالثة من بعد ظهر غد «تنفيذ» ثلاثة شروط وإلا… كف يد ريفي، إحالته على القضاء العسكري، وسحب العناصر الامنية من مبنى الاتصالات.
* الرئيس سليمان الذي ابدى ميلاً لوضع الملف في عهدة القضاء العادي للتحقيق في اداء ريفي، اجرى اتصالات مع بارود «المعتكف» وخلَفه في الداخلية بالوكالة الياس المر ووزير العدل ابراهيم نجار والنائب العام التمييزي سعيد ميرزا.
* رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، الموجود في الخارج، لم يمانع في وضع القضاء المدني يده على الملف من بوابة محاسبة وزير الاتصالات لمخالفته قرار مجلس الوزراء ولعزمه على تفكيك الشبكة ووضعها خارج الشرعية.
* اللواء ريفي، الذي «يحترم بارود»، لكنه مستعد لأن «يقاتل» لحماية ممتلكات الدولة، لن يسحب العناصر الامنية المولجة حماية «الشبكة الخلوية» بعدما طلبت مؤسسة «اوجيرو» نجدته.
ازاء هذه الخريطة، في اي اتجاه تسير المواجهة؟

اوساط محايدة في بيروت قالت لـ «الراي» ان ما جرى يؤشر الى ان البلاد دخلت مرحلة «حارة كل مين ايدو إلو»، اي انها ذهبت في اتجاه الفوضى التي قد تشكل وضعاً مثالياً للاعبين محليين واقليميين، متوقعة إنفلاش «بقعة الزيت» على النحو الذي من شأنه ليس الاجهاز على امكان تشكيل حكومة، وإنما على «بقايا» الدولة.

وفي تقدير هذه الاوساط، التي استوقفها كلام الزعيم الدرزي وليد جنبلاط عن ان «حلفاءنا في «حزب الله» لا يريدون حكومة»، ان الحزب غير منزعج في بلوغ الاوضاع هذا المستوى، خصوصاً وانه الاكثر قدرة على توظيف الوقائع الجديدة المحتملة لمصلحة مقاربته الاستراتيجية للوضع في المنطقة انطلاقاً من تطورات الاحداث في سورية وتعاظم التحديات الدولية في مواجهة نظام الرئيس الاسد، الحليف الذي لا يمكن تعويضه للحزب وايران.
ولم تستبعد الاوساط، التي كانت تعاين مزاج المشاركين في اجتماع دول الثماني حيال دمشق وحصيلة «الجمعة» الاضافية في المدن السورية، إنزلاق لبنان نحو الفوضى التي تجعل عدم الاستقرار فيه واحدة من الاوراق التي يتم إستخدامها في معرض اظهار حجم «الخسائر اللامحدودة» التي قد تنجم عن انهيار نظام الاسد.

هل فات الاوان لكبح السقوط اللبناني المتسارع نحو الفوضى؟…
ثمة «نقطة ضوء» في النفق المأسوي، في رأي الاوساط المحايدة التي قالت لـ «الراي» ان وحده رئيس الجمهورية ميشال سليمان في امكانه قلب الطاولة في وجه الجميع عبر تدارك المنزلق الخطر من خلال التفاهم مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي على اعلان «اليوم اليوم وليس غداً» حكومة من الاكفاء وأصحاب السمعة الحسنة.

ورأت هذه الاوساط ان من شأن اعلان حكومة من هذا النوع وضع الجميع في البلاد امام مسؤولياتهم عبر مخاطبة اللبنانيين بأن اللحظة الحرجة تستلزم حكومة اكفاء يمكنها تفويت الفرصة على السقوط المريع في لحظة بالغة الخطورة، وهو الامر الذي من شأنه ان يوفر لتلك الحكومة نصاباً سياسياً ونيابياً كافياً.

وفي اعتقاد الاوساط عينها ان الرئيس سليمان مطالباً باستخدام ما لديه من احتياطي «جرأة» للاقدام بالتفاهم مع الرئيس ميقاتي على خطوة من هذا النوع، وفي غضون ساعات، لأن من شأن ذلك «كسر المأزق» الناجم عن المواجهة حول «ملف الاتصالات»، وإنقاذ لبنان من الفراغ الملغوم، المرشح للإنفجار.
وأفضت الاتصالات ليلا بين الرئيس ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري ووزير الدفاع الياس المر الذي يتولى الداخلية بالوكالة واللواء أشرف ريفي وقائد الجيش العماد جان قهوجي على أن يتولى الجيش حراسة الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات مع المحافظة على المعدات الموجودة وأن تبقى غرفة «الشبكة الثالثة» مقفلة، الأمر الذي يعني انسحاب عناصر فرع المعلومات.
في موازاة ذلك تجلى «التمتْرس» السياسي حول هذا الملف في «التفاف» كل «معسكر» خلف الطرف الذي «يمثله» في «المعركة» التي جاء عنوان الشبكة الخلوية الثالثة بمثابة «عود الثقاب» الذي أضرم النار في «برميل بارود»، كما في «السيناريوات» المتضاربة حيال «السرّ» الذي يختبىء خلف الابواب الموصدة للمبنى الذي يتضمن مركز التحكم والادارة والتشغيل والمنصة الذكية للشبكة الجديدة التي تخضع لهيئة اوجيرو والممنوحة من الحكومة الصينية الممثلة بالشركة الخاصة «هواوي». وأمكن في هذا الاطار رصد الوقائع الآتية:

* وقوف العماد عون وراء وزير الاتصالات الذي يمثله متّهماً اللواء ريفي بانه «قائد ميليشيا (فرع المعلومات) تنفذ تمرداً».
ورمى عون، بعد اجتماع طارىء لكتلته البرلمانية امس «كرة النار» في مرمى رئيس الجمهورية، الذي يخوض معه «صراعاً طاحناً» على خلفية ملف تشكيل الحكومة، اذ اعلن أن «وزارة الداخلية باتت بعهدة رئيس الجمهورية بصفته القائد العام للقوات المسلحة، لذلك تعود إليه تبعة معالجة الموضوع».

واذ اتهم اللواء ريفي وفرع المعلومات بارتكاب «جريمة مشهودة متمادية وإنقلابيّة وفقاً للقانون العسكري»، اكد ان تكتله سيبقى «في انعقاد دائم، وسندعوكم إلى جلسة خاصة الأحد لنطلعكم على النتائج». وختم: «ليس واجبنا أن نردّ على الشائعات، ومن يطلقها «بدا تنفك رقبتو».

وفيما ذكرت تقارير ان عون كان سيعلن عن اعتصام ينفّذه مناصرو «التيار الحر» امام مبنى الاتصالات موضع «الإشكال» لتحقيق المطالب، بدا ان زعيم «التيار الحر» أمهل رئيس الجمهورية قبل الانتقال الى «المرحلة ب» التي لمح اليها حين قال رداً على سؤال «لدينا جميع الخطوات التي تلي هذا الموضوع». علماً ان النائب آلان عون (من كتلة عون) كان اكثر وضوحاً حين نبّه الى وجوب «عدم اللعب بالخيط الرفيع الذي ما زال موجودا او رابطا بيننا، ومن يعتقد انه يستطيع فرض امر واقع بالقوة يكون قد فتح المجال لاستعمال القوة واخذ البلد للمجهول».

* وصْف قوى 8 آذار وإعلامها ما جرى في مبنى الاتصالات بانه «احتلال لمبنى رسمي» نفذته «دويلة أمنيّة»، متحدثة عن « 7 مايو» معكوس في اشارة الى احداث 7 مايو 2008 العسكرية التي قام بها «حزب الله» في بيروت والجبل على خلفية سلسلة قرارات اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حينها وتتصل بإزالة شبكة اتصالات «حزب الله».
* ردّ 14 آذار بان ما قام به نحاس بمحاولة مصادرة المعدات هو «انقلاب على الحكومة»، معتبرة ان «نحاس المكلف أساساً من «حزب الله» بمهمة حجب داتا الإتصالات عن قوى الأمن الداخلي لمنعها من كشف خيوط عدد من الجرائم وآخرها خطف الإستونيين السبعة، كُلّف بالإنتقال إلى مرحلة ثانية من المهمة الموكلة إليه فأقدم على ما أقدم عليه في مركز اتصالات العدلية»، مضيفة لموقع «ناو ليبانون»: «باختصار يريدون أن يفقؤوا «عيون» قوى الأمن الداخلي الخارجة عن مدار الولاء لـ»حزب الله»، وباختصار أيضا لن يتمكنوا من ذلك».

واشارت مصادر 14 آذار الى ان الدولة تتصدى حالياً لقوى 8 آذار وتمنعها من تنفيذ « 5 مايو» معكوس (في اشارة الى القرارات المتخذة من حكومة السنيورة العام 2008 في شان شبكة اتصالات حزب الله) حاولت خلاله تفكيك معدات وتجهيزات المركز الرئيسي للشبكة الخليوية الثالثة في محلة «العدلية».

* بروز الفرز في موقفيْ رئيسي الجمهورية وحكومة تصريف الاعمال على خلفية هذا الملف. فسليمان، الذي كان اعلن انه أعطى أوامره (الخميس) للواء ريفي من اجل سحب القوة الأمنية من مبنى الاتصالات، تشاور مع وزير العدل في إمكان وضع النيابة العامة التمييزية يدها على القضية التي اعتبر انها تتعلق «بعدم تنفيذ قوى الأمن الداخلي قرار وزير الداخلية»، في مقابل وصف الحريري القضية على انها تتعلق بـ «تجاوز وزير الاتصالات لقرارات مجلس الوزراء»، مؤكداً ان لا مانع لديه «من قيام القضاء المختص بوضع يده على القضية على هذه القاعدة ولتحديد الجهة التي يريد نحاس تسليمها شبكة الاتصالات الثالثة».
ولفتت امس التقارير عن ان مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا يدرس الملف والطلبات الموجهة اليه انطلاقاً من ثلاثة اسئلة هي: «هل هناك جرم جزائي في ما قامت به قوى الامن الداخلي ام اداري، هل يحق لنحاس أن يخالف قرار مجلس الوزراء، وهل يحق لشركة خاصة ان تنقل معدات خاصة بالدولة؟».

في موازاة ذلك، بقي المشهد امام مبنى الاتصالات في العدلية على حاله وسط تمسك وزير الاتصالات بسلطته على الشبكة الثالثة التي هي عملياً نتاج بروتوكول التعاون الموقع بين لبنان والصين والذي منحت بموجبه الحكومة الصينية لبنان هبة لمصلحة «ليبان تلكوم» لانشاء شبكة خليوية ثالثة، وقد وافق مجلس الوزراء عليها العام 2007. في حين ترفض «اوجيرو» عبر مديرها العام عبد المنعم يوسف اي تفكيك للمعدات خارج اطار قرار من مجلس الوزراء.
في هذه الأثناء، وفي حين انتشرت صور عملاقة للواء ريفي في مسقطه طرابلس، وتداعى مناصرو الوزير بارود عبر الفايسبوك الى التوجه الى منزله للتضامن معه بعد اعلان «تحرير نفسه» من وزارة الداخلية، بقيت السيناريوات تتوالى حول طبيعة الخلاف الذي تطايرت شظاياه في اتجاهات سياسية وأمنية. وأبرز هذه السيناريوات:

* اعتبار اوساط 14 آذار، ان نحاس رمى من طلب تفكيك التجهيزات الى استعمالها لتلبية النقص في المعدات لزوم شركة «هواوي» المكلفة تجهيز شركة «ام تي سي» بخدمات الجيل الثالث بعدما تعذر على هذه الشركة الفوز بالمناقصة مما اضطر الوزارة الى اعادة اجراء استدراج عروض ثان تكون فيه اسعار هواوي أقل ولكن باحتساب اسعار كميات اقل قياسا الى المنافسين مما يجعل المنافسة غير متكافئة.
كما اشارت الى هدف آخر يتمثل في ان نحاس يريد تفكيك المعدات من مركز التحكم من اجل وضع المساحة المشغولة حاليا منه بتصرف شركة «اوراسكوم» لاستئجار الموقع من المبالغ المخصصة للشركة والتي تتقاضاها من الدولة، فيما ذكرت تقارير أخرى ان وزير الاتصالات يريد تقديم هذه الأجهزة والمعدات ووهبها «لجهة أمنية لبنانية غير رسمية».

* تمسك قوى 8 آذار وإعلامها بان الطبقة الثانية من مبنى الاتصالات في العدلية هي عبارة عن شبكة خلوية تحوي نحو 50 ألف خط يشغّلها فرع المعلومات، متحدثة عن ضبط بث هذه الشبكة والمشغّل والمصدر تحت اسم OM اي اوجيرو موبايل، وسط شكوك بانها تعمل منذ نحو عامين من دون علم وزارة الاتصالات، ولافتة الى ان منظومة الاتصالات الخلوية غير الشرعية المكتشفة تغطي عبر محطاتها حتى العمق الساحلي السوري عند الحدود مع تركيا.
واوضحت مصادر 8 آذار «ان ثمة شبهات عن امكان وجود جهاز اعتراض مخابرات هاتفية متطور (تنصت) جرى وضعه في الخدمة حديثا بطريقة غير شرعية»، متسائلة «هل صحيح ما يتردد عن وجود وصلة بين الطابق الثاني في المبنى المذكور، وبين الطابق السابع الذي يوجد فيه مركز التحكم (التنصت)، الذي بات جاهزا للعمل واعتراض المكالمات؟».
وقد نفت «اوجيرو» ومصادر قوى الامن الداخلي ان تكون الشبكة الخلوية الثالثة صارت قيد التشغيل، وسط تقارير اشارت الى اقتراح بان يتولى سلاح الاشارة التابع للجيش اللبناني التأكد اذا كانت الشبكة تعمل ام لا.

السابق
الانباء: عون يهاجم “طق الحنك” ويحذّر من “فك رقاب”
التالي
الجريدة: قضية منشآت الشبكة الثالثة تتفاعل