الجمهورية: الجنوب يهتز على وقع الضغوط الدولية

مَن يحرّك الأرض اللبنانية ساعيا الى انفجار أمني بأي ثمن يتزامن مع ما يدور في الجوار القريب والبعيد من ثورات واحتجاجات يختلط فيها العامل المَحلّي بالعاملين الاقليمي والدولي؟

سؤال يطرح نفسه بعد أيام على حادثة مارون الراس، وأسابيع على خطف الاستونيين السبعة، وتفجير كنيسة سيدة النجاة في زحلة، إضافة الى تحريك ملف وزارة الاتصالات، في محطة فاصلة يطرح حيالها أكثر من سؤال توقيتا وأطرافا ووسائل.

فبعد 48 ساعة على خطاب الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله، والذي حَثّ فيه الفلسطينيين في الدول المتاخمة لإسرائيل بالتوجه الى الحدود واستعادة المبادرة لتحرير الأرض وقلب الطاولة، وقبل ان يجفّ حِبر بيان قمة مجموعة الثماني، وبعد انضمام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الى نظيره الأميركي باراك اوباما في مطالبة الرئيس بشار الاسد بقيادة عملية تحوّل ديمقراطي لبلاده او التنحّي، وإعلان الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف ان على الرئيس السوري العبور "من مرحلة الأقوال الى الافعال"، حتى حصل تطور خطير حمل علامات استفهام كثيرة حول توقيته ونتائجه. فقد تحركت أرض الجنوب عبر رسالة دموية استهدفت دورية للكتيبة الإيطالية على طريق عام الرميلة ـ صيدا، ذلك في أخطر مؤشّر الى معالم المرحلة المقبلة على المستويين اللبناني والاقليمي، في وقت أعلن وزير الدفاع الإيطالي انياتسيو لاروسا أن هذا العمل الإرهابي لم يفاجىء بلاده، قائلا: "لقد كانت لدينا مؤشرات تفيد بتصاعد الأخطار"، مشيرا الى اصابة 6 جنود ايطاليين في الانفجار الذي دانته الأمم المتحدة على الفور. واعتبر أمينها العام بان كي مون "أن من المؤسف حصول الانفجار، وخصوصا في اليوم العالمي لقوات حفظ السلام في الأمم المتحدة، مؤكدا العمل مع السلطات اللبنانية لكشف ملابسات الهجوم وتحويل المسؤولين عنه الى القضاء".

مخاوف دبلوماسية

وعبّرت مراجع دبلوماسية عُليا عن مخاوفها حيال ما يجري، وقالت لـ "الجمهورية" ان استهداف "اليونيفيل" يأتي غداة القرارات الأوروبية بفرض عقوبات شملت الرئيس السوري، ورد وزير الخارجية وليد المعلم بقوله إن الاوروبيين "أخطأوا بهذه العقوبات عندما تطاولوا على الرئيس واتخذوا عقوبات تضرّ بالشعب السوري، محذرا من أن سوريا لن تسكت عن هذا الاجراء".

وإذ حذّرت المراجع من خطورة الأوضاع، لم تستبعد اللجوء، عند مرحلة اشتداد الخطر على النظام السوري، الى تنظيم إلهاءات عدّة في أماكن اخرى بهدف حرف الأنظار العالمية عن بعض الساحات الساخنة، وبينها الساحتان السورية والليبية.

من جهتها، قالت مصادر في قوى 14 آذار إن هناك من يطيح الدولة اللبنانية في بيروت عبر ما حصل في وزارة الاتصالات، وهناك من يطيح الشرعية الدولية عبر ما حصل في الجنوب.

بيان القمة

في غضون ذلك، طالب زعماء مجموعة الثماني، أمس، بإنهاء قتل المتظاهرين في سوريا، ولكنهم تراجعوا عن اقتراح صدور قرار من مجلس الأمن، وسط معارضة من روسيا التي لا ترى أسبابا للنظر في مثل هذه الخطوة.

وفي بيان القمة قال الزعماء إنهم "روّعوا" من سَفك الدماء في سوريا، وطالبوا بوقف فوري لاستخدام القوة، لكن تمّ تخفيف لهجة مشروع البيان النهائي لإزالة اقتراح صريح للتحرّك ضد دمشق في مجلس الأمن.

وبدا أن التحوّل في لهجة البيان إلى تهديد مبهم لدمشق "بمزيد من الإجراءات" كان بسبب إحجام روسيا التي تملك حَق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والتي تتبنى خطّا أقلّ حدة من الدول الغربية مع الزعماء العرب الشموليين.

وقال نائب وزير الخارجية الروسية سيرجي ريابكوف للصحافيين في دوفيل في فرنسا "لا توجد أسباب للبحث في هذه المسألة (سوريا) في مجلس الأمن الدولي".

وأضاف: إن مشروع قرار وزّعته بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال على مجلس الامن الدولى الذي يضم 15 دولة، يوم الاربعاء، هو في "غير وَقتِه، وضَار". وأضاف: "لن نقرأ حتى النص". وقد يواجه ايضا مشروع القرار فيتو صينيا.

وذكر دبلوماسيون أوروبيون أن علاقات روسيا القديمة مع سوريا وما وصفوه باتصالات وثيقة بها جعلت البيان الختامي لقمّة مجموعة الثماني "أقل حدة" مِمّا كان عليه أول الأمر.

وروسيا التي تقول إن التحالف الغربي الذي يقوم بضربات جوية في ليبيا ينتهك تفويض مجلس الأمن، حَثّت الأسد على إجراء الإصلاحات التي وعد بها وتحدثت عَلنا ضدّ التدخل الأجنبي.

وكان الرئيس الروسي أعلن الاسبوع الماضي ان بلاده لن تؤيّد قرارا لمجلس الأمن في شأن سوريا، ولكنه لم يوضح هل سيستخدم حق النقض ضده.

وقال بيان مجموعة الثماني التي تضم روسيا: "روّعنا مقتل الكثير من المحتجين السلميين نتيجة الاستخدام الواسع النطاق للعنف في سوريا، إلى جانب الانتهاكات المتكررة والجسيمة لحقوق الإنسان".

ودعا البيان القيادة السورية "إلى الوقف الفوري لاستخدام القوة، والترويع ضد الشعب السوري، والاستجابة لمطالبه المشروعة في حرية التعبير وجميع حقوقه وتطلعاته".

وصعّد الرئيس الفرنسي من لهجته ضدّ الاسد، بعدما كان حاول، في وقت مُبكر من رئاسته، إحياء العلاقات الدولية بين سوريا والغرب.

وردّا على سؤال، هل يؤيد وجهة نظر واشنطن القائلة إن الاسد يجب ان يدفع تحوّلا ديمقراطيا سريعا أو يترك السلطة، أجاب ساركوزي "هل قلت ذلك؟ نعم".

أضاف: "للأسف، يؤسفني أن أقول إن القادة السوريين قد اتخذوا خطوة غير عادية إلى الوراء، وفي ظل هذه الظروف لم تعد سوريا موضع ثقتنا، وتدين فرنسا ما يجب إدانته".

وقالت مجموعة الثماني إن طريق الحوار والاصلاحات الجذرية وحده سيقود إلى الديمقراطية، ومن ثم الأمن والرخاء على المدى البعيد في سوريا.

وقال البيان: "إذا لم تُلبّ السلطات السورية هذه الدعوة، فإننا سنفكر في اتخاذ المزيد من الاجراءات. نحن مقتنعون بأن تنفيذ إصلاحات ذات معنى هو وحده الذي سيمكّن سوريا الديمقراطية من أن تؤدي دورا إيجابيا في المنطقة".

وأوضح دبلوماسيون ان جزءا من ممانعة روسيا لدعم قرار سوريا، ينبع من حقيقة انها تنظر إلى القرار المتعلق بليبيا على انه تمّ تفسيره على نطاق اوسع من اللازم، ما أتاح للقوى الغربية التحرك سريعا جدا إلى الضربات الجوية، بينما تحدث القرار في الأساس عن حماية المدنيين.

وكانت موسكو سمحت في آذار بتمرير القرار المتعلق بليبيا بالامتناع عن التصويت.

وذكر مصدر في مجموعة الثماني مُطّلع على المحادثات حول سوريا في الأمم المتحدة، أن دول المجموعة لم تفاجأ بإلغاء الإشارة الى استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي.

أضاف: ان مؤيدي القرار جمعوا تسعة من الأصوات اللازمة في المجلس الذي يضم 15 عضوا، لوضع القرار على الطاولة، ولكن روسيا أو الصين قد تستخدم حَق الفيتو.

وقال: "نبحث هل في إمكاننا التفاوض في شأن النص، حتى يمكننا تحقيق شيء. وإذا استمرّتا في الرفض، فسنحاول أن ندفعه بالاستعانة بالأصوات التسعة، ونأمل أن تتحملا مسؤوليتهما.

اتصال اردوغان

الى ذلك، أجرى رئيس الوزراء التركي رجب طيّب اردوغان اتصالا هاتفيا بالأسد، عبّر فيه ـ وفق وكالة "سانا"ـ عن حرص بلاده على العلاقة الاستراتيجية مع سوريا.

السابق
اليونيفيل: لاستخلاص العبر من مأساة 15 أيار
التالي
المبدئيّة والأولويّة