منيب أراد العودة صاحبَ حقٍ لا مجرد ضيف

في الصورة شاب يقف على تلة يرتدي سترة خضراء، وخلفه تلال مكسوة بعشب اخضر تنيره الشمس. التلة هي بلدة مارون الراس في جنوب لبنان والتي قصدها في 15 أيار (مايو) الجاري فلسطينيون ومتضامنون مع الشعب الفلسطيني للمشاركة في مهرجان في ذكرى النكبة. والتلال الخضر هي أراض في الجانب الفلسطيني من الحدود. والشاب هو واحد من أكثر من مئة جريح أصيبوا برصاص الجيش الإسرائيلي على مقربة من الشريط الشائك الذي يفصل لبنان عن فلسطين المحتلة، وشاء حظه أن يكون صاحب الإصابة الأكثر خطورة.

منيب ربيح المصري هو اسم الشاب الواقف على التلة، ليلتقط له رفاقه صورة على بعد خطوات من أرضه الأم، على بعد اقل من ساعة من الرصاصة الإسرائيلية المتشظية التي اخترقت ظهره بينما كان يساعد على نقل احد رفاقه المصابين عن الأرض وأصابت عموده الفقري وأفقدته طحاله وكليته اليسرى. منيب عمره 22 سنة، فلسطيني يحمل الجنسية الأميركية، وسليل عائلة يجتمع فيها السياسة والمال، وتتشعب بين فلسطين التي يقطنها الجد منيب رئيس «منتدى فلسطين» وأقارب سياسيين، والأردن حيث الأهل ولبنان ولندن وأميركا حيث الأعمام.

أما هو، فيدرس الجيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت. وذهب إلى الجنوب ليتضامن كأي فلسطيني آخر مع شعبه ضد عدوه، وليختار البوابة الأصعب للعبور إلى بلده الذي تؤهله جنسيته الثانية الدخول إليه متى أراد ومن أي بوابة كانت، لكن كضيف وليس كصاحب حق.

في غرفة في قسم العناية الفائقة في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، يقبع منيب بعدما نقلته من مستشفى بنت جبيل طوافة تابعة للقوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (يونيفيل) إلى مطار بيروت، ومنه إلى المستشفى في إطار رحلة علاج يأمل أقاربه بأن تعيد إليه حياته كما كانت.

وفي صالة الانتظار في المستشفى يجلس أقارب منيب الذين توافدوا إلى بيروت للاطمئنان إلى حاله، وبينهم جده الذي سمي على اسمه منيب المصري رئيس «منتدى فلسطين» ورجل الأعمال الفلسطيني الشهير. وإلى جانب الجد يجلس ابنه مازن ويبدوان منهمكين في الإعداد لمؤتمر صحافي عن «شهداء وضحايا مارون الراس». يتحدث مازن عن حال منيب ويبدو مصرّاً في الحديث على ذكر الضحايا جميعهم كلما ذكر الحادث، ويقول إن العائلة تدرس أوضاع بقية الضحايا في إطار إجراءات قانونية تنوي اتخاذها لمقاضاة إسرائيل على ما فعلته.

وبين الأقارب تبدو سهى، زميلة منيب في الجامعة، اكثر انهماكاً من الجميع. سهى شاركت منيب ورفاقه الآخرين في «رحلة» التضامن إلى مارون الراس. ويقع السؤال عن سبب مشاركتها ورفاقها في التحرك كدلو ماء بارد، فترفق السؤال بآخر لتتأكد من جديته، قبل أن تجيب بحدة إن المشاركة هي للتضامن مع الشعب الفلسطيني في معاناته وللمطالبه بحقه. وتقول أيضاً إن «أطفالاً كثيرين سبقونا إلى المشاركة، فكيف نقف نحن متفرجين؟». لم تكن سهى تتوقع أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه، لكن «عندما ترين النساء والأطفال يركضون في اتجاه ارضهم، لن تكتفي بالتفرج».

ما تقوله سهى، يقوله آخرون يرفضون مجرد الإشارة إلى «استعمال التحرك رسالة سياسية». هؤلاء ليسوا كاذبين، قاماتهم المنتصبة أمام البنادق لا توحي بذلك، كما لا توحي به الصورتان اللتان التقطتا لفتى فلسطيني يظهر في الأولى وهو يسير نحو السياج مغمض العينين، رافعاً العلم الفلسطيني بيد وشارة النصر بالأخرى؛ وفي الصورة الثانية يسقط شهيداً.

منيب أيضاً ليس منافقاً… الشاب الذي ركض في اتجاه عدوه ليذكره بأنه أيضاً يحلم بالعودة إلى ارضه كأي لاجئ فلسطيني، وبأن جواز السفر الأميركي ليس هو السبيل الفعلي إلى فلسطين، ليس منافقاً.
 

السابق
خطاب أوباما… نفاق أم جبن؟
التالي
عكاظ: خطاب نصر الله يثير قلقاً لبنانياً من صيف حار