فرع المعلومات يواجه نحاس: 7 أيّار معكوساً

ما كان اتهامات يكيلها بعض الساسة ثبت أمس بالصوت والصورة أنّها حقيقة ثابتة. في لبنان دويلة أمنيّة يقودها فرع المعلومات. وفيه أيضاً شبكة ثالثة للخلوي تحتضنها الطبقة الثانية لمبنى وزارة الاتصالات قرب العدلية، وإلا فكيف تُفسر هذه الاستماتة في الدفاع عنه من مديرية الأمن الداخلي والمخاطرة بحياة وزير، والتسبّب في تنحّي آخر 

لا بدّ من أن يكون اللبنانيون قد ترحّموا على «دولة المزارع»، بعد ما شاهدوه أمس في مبنى وزارة الاتصالات قرب العدلية: مسلّحون بثياب مدنية ورجال أمن بلباسهم الرسمي يمنعون وزيراً من دخول مبنى يتبع لوزارته. تلقيم أسلحة ومواجهة كادت تتحوّل إلى مجزرة، وبين من؟ بين رفاق السلاح الذين حافظوا على وحدتهم حتى في أوج الحرب الأهلية.

ضباط يتمرّدون على وزير الداخلية ويرفضون تنفيذ أوامره، ما يدفع بهذا الأخير إلى الاعتكاف. رئيس جمهورية يطلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي الامتثال لأوامر وزير الداخلية فيرفض. مصادر تؤكد أن سيّد قصر بعبدا طلب من قيادة الجيش عدم التدخل في ما يجري… كل ذلك في ظل معلومات وتسريبات عمّا تحتضنه الطبقة الثانية من هذا المبنى، الذي يؤكد البعض أنه عبارة عن شبكة خلوي تحوي نحو 50 ألف خط، وتُستخدم في الداخل السوري.
ولعلّ وعي الوزير شربل نحاس وحسن إدارته للأزمة كانا العامل الأساس الذي حال دون إراقة الدماء في المبنى الذي اختار الانسحاب منه، مع الاحتفاظ بإصراره على تنفيذ أوامر الأشغال الصادرة عن مديرية التجهيز في الوزارة والقاضية بنقل تجهيزات تعود ملكيتها لوزارة الاتصالات. وبناءً عليه، توجّه نحّاس بكتاب رسمي إلى قيادة الجيش طالباً تدخّلها لإخلاء مبنى الوزارة من عناصر فرع المعلومات الذين سيطروا عليه منذ يوم الجمعة الماضي، وهم يحولون منذ ذلك التاريخ دون اقتراب أحد من الأجهزة الموجودة فيه، حتى وإن كانوا من موظفي الوزارة.
ويبدو أنّ نحاس يخشى من تهوّر مسؤولي فرع المعلومات إذا أرسل الفرق الفنية التابعة للوزارة لتنفيذ مهمّتها في الطبقة الثانية من المبنى التابع لها، بعدما حوّل رجال هذا الفرع، بلباسهم المدني والعسكري، المبنى المذكور إلى حصن أمني، وبلغت بهم الجرأة أن رفعوا سلاحهم في وجه الوزير وكبار موظفي الوزارة، وأعاقوه مرتين، الأولى عند مدخل المبنى والثانية عند مدخل المصعد الذي عطّلوه، وذلك قبل أن يمنعوه فعلياً من دخول الطبقة الثانية من مبنى الوزارة، حيث توجد المعدّات المطلوب نقلها.
إصرار نحاس على القيام بجولته في مبنى وزارته واجهه إصرار العناصر المسلّحين على التمسك بأوامر قيادتهم في منع دخول أيّ أحد إلى الطبقة الثانية. بعد اجتياز نحّاس للحاجزين العسكريين والمدنيين السابقين، وصل إلى مدخل الطبقة الذهبية، حيث حاول مرة جديدة إقناع المعنيين بأن ما يحصل اعتداء وتخطّ للصلاحيات. وبينما كان الحوار يجري بين نحّاس والضابط المسؤول في فرع المعلومات، كانت نقاط اللايزر الخاصة بالأسلحة الرشاشة تتقاطع في بهو المبنى وتثبّت على المديرين والموظفين المرافقين له في جولته. دقّة الموقف وحرجه ورفع الأسلحة، دفعت الضابط إلى الصراخ لتهدئة عناصره: «أخفضوا مسدساتكم نحو الأرض، وأخرجوا الرصاص من بيوت النار، وإلا فسنموت كلّنا».
دفع هذا المشهد نحّاس إلى مغادرة المبنى، حيث حافظ فرع المعلومات على دويلته وكثّف فيه وجوده العسكري. ونقل إليه العتاد اللازم للمبيت. كذلك فعل جهاز أمن السفارات والإدارات والمؤسسات العامة بوصفه مسؤولاً في الأساس عن حماية هذا المبنى.
ومع انتهاء المواجهة، وعقد الوزير نحاس لمؤتمره الصحافي، تداعت قوى الأكثرية الجديدة التي عقدت عدة اجتماعات مسائية لتنسيق المواقف، فيما قرر تكتل التغيير والإصلاح عقد اجتماع عند الساعة 11 من قبل ظهر اليوم لاتخاذ ما يلزم. أما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، فكلف وزير العدل إبراهيم نجار التحقيق في سبب عدم امتثال عناصر قوى الأمن الداخلي لأوامر الوزير زياد بارود، الذي سارع إلى إعلان تنحّيه عن وزارة الداخلية.

الفرع يضع يده على المبنى

قبل أسبوع من اليوم، أي نهار الجمعة 20 أيار الجاري، وصل عناصر فرع المعلومات إلى مبنى وزارة الاتصالات في العدلية. انتشر المسلّحون عند مدخل المبنى وداخله، وتألّفت مناوبات حراسة من ثلاثة عناصر عند باب مدخل الطبقة الثانية لمنع أي موظّف من دخوله. في اليوم التالي، توجّه الوزير نحاس بكتاب إلى وزير الداخلية زياد بارود، سائلاً عن أسباب وموجبات وجود العناصر في مبنى الوزارة. لم يفهم بارود سؤال نحاس، طلب منه القليل من الوقت لمعرفة ما يحدث، مؤكداً أنه لا علم له بوجود قرار بهذا الشأن. في اليوم نفسه، حاول وزير الداخلية استيضاح الأمر من المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، فأرسل كتاباً رسمياً إلى المديرية، لكن الجواب تأخّر حتى يوم الاثنين، فردّت المديرية على الوزير بارود بإرسالها نسخة عن كتاب صادر عن أوجيرو يحمل الرقم 5799/ه، طلبت فيه من المديرية «اتخاذ التدابير اللازمة لتأمين وحدة حراسة وحماية أمنية للمركز الرئيسي للشبكة الخلوية الثالثة حيث توجد المعدات والكائنة في الطبقة الثانية من مبنى الهاتف في منطقة العدلية، وذلك للحفاظ على سلامة هذه المنشآت ومنع الإضرار بها». ووقّع الكتاب المدير العام لهيئة أوجيرو، عبد المنعم يوسف، في 21 أيار، أي بعد يوم من وصول عناصر فرع المعلومات إلى المبنى! والمضحك في الموضوع، أنّ يوسف كان قد حصل في 20 أيار، أي قبل يوم من توقيعه هذا الكتاب، على إجازة لمدّة أسبوعين لأنه سيكون خارج الأراضي اللبنانية.
وبالعودة إلى عملية «الأخذ والردّ» بين نحاس وبارود وريفي، يوم الاثنين 23 أيار، تمادى العناصر الأمنيون المنتشرون في المبنى في تنفيذ «مهمّتهم»، إذ تمركزوا في الطبقة الثانية. وبحسب كتاب صادر عن نحاس بهذا التاريخ، «عزّزوا وجودهم عديداً وعدةً، واستمرّوا بمنع الموظفين والمكلفين بأعمال من قبل الوزارة من الوصول إلى المكاتب الكائنة في الطبقة المذكورة والتابعة جميعها لوزارة الاتصالات». وأشار نحاس في الكتاب نفسه، الذي يحمل الرقم 2814، إلى أنّ تمركز هؤلاء العناصر «لم يأت بناءً على طلب من الوزارة، وهو يمثّل وضعاً غير قانوني وغير مقبول»، طالباً من زميله في حكومة تصريف الأعمال تكليف الأشخاص المعنيين بإصدار الأوامر لسحب هؤلاء العناصر.
رغم هذه الاتصالات الثلاثية، كان عديد عناصر فرع المعلومات إلى ارتفاع في مبنى الوزارة، ففي يوم الاثنين ارتفعت مناوبات الحراسة والحماية من ثلاثة عناصر إلى تسعة، ومن بعدها إلى 35 عنصراً يوم الأربعاء، إلى أن وصلت إلى المئات يوم أمس! وما تجدر الإشارة إليه، أنّ عناصر فرع المعلومات يعمدون منذ يوم الاثنين الى إدخال وإخراج حقائب ومعدات، من وإلى الطبقة الثانية من المبنى، مع العلم بأنّ هذه الحركة بدت علنية بعد ظهر أمس.
بعد الكتاب الأخير، تتابعت الاتصالات والمشاورات بين الأطراف المعنية، من دون أن يتمكّن الوزير بارود من حلّ الأمر بما هو مناسب، ما دفع نحاس إلى إرسال كتاب آخر إلى وزارة الداخلية، في 25 أيار، يعيد طلب إخلاء المبنى. وقد سجّل هذا الكتاب الذي يحمل الرقم 2892 في ديوان الداخلية يوم أمس، باعتبار أنّ يوم الأربعاء كان يوم عطلة رسمية. وفوراً، استجاب بارود، فأرسل يوم أمس كتاباً إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، برقم 9143 د، وجاء فيه: «يطلب إليكم العمل فوراً على إخلاء الطبقة الثانية من مبنى وزارة الاتصالات… استناداً إلى الطلب الصريح الوارد بهذا المعنى من معالي وزير الاتصالات».
أمام هذا الأمر الصريح الذي تلقّاه اللواء ريفي، لم يجد الأخير مخرجاً سوى استخدام عبارة «يروحوا يبلّطوا البحر»، بعدما كان قد أكد في كتاب أرسله إلى بارود أنّ عناصره لن يخرجوا من المبنى.

نحاس: انقلاب!

بعد كل ما حصل، لجأ أمس الوزير شربل نحاس إلى مكتبه في الوزارة، حيث عقد مؤتمراً صحافياً عرض خلاله كل التجاوزات التي تمّت بحق القانون ومؤسسات الدولة والخروقات التي تتعرّض لها وزارته وصلاحياته في إدارتها وتسيير شؤونها. ورأى نحاس أنّ ما يحصل في المبنى التابع لوزارته هو «تمرّد قوة أمنية رسمية على قرارات السلطة السياسية الخاضعة لها»، مشيراً إلى أنّ «هذا التمرد يعرّف قانوناً بالانقلاب، ثمة انقلاب يقوم به فرع المعلومات في مبنى حكومي رسمي عائد للجمهورية اللبنانية».

——————————————————————————–

قوى الأمن تنجو من مجزرة

«هي لحظة مأسوية، أن يقف أفراد من المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي ويلقّموا أسلحتهم بعضهم في وجه بعض»، يقول أحد الضباط المعنيين بالخلاف الدائر حول مبنى وزارة الاتصالات في العدلية. فهذه السابقة لم تحصل طوال الحرب الأهلية اللبنانية، ولا شهدت البلاد مثيلاً لها في عز الانقاسم السياسي. أفراد من جهاز أمن السفارات والمؤسسات العامة (التابع لقوى الأمن الداخلي) وزملاؤهم العاملون في فرع المعلومات، كانوا على شفير مجزرة، لولا حكمة وزير الاتصالات وضابطين كانا في الميدان. ومن أكثر ما يلفت الأنظار في ما جرى أمس، هو أن القوة الخاصة («فرع الحماية والتدخل» في «شعبة» المعلومات) التي بُنِيَت خلال السنوات الأربع الماضية لتنفيذ المهمات الخطيرة والحساسة، زجّت بها قيادة المديرية في زاروب الخلاف بين وزير الاتصالات شربل نحاس، وبين المدير العام لهيئة أوجيرو عبد المنعم يوسف، لتقف قبالة أفراد من قوى الأمن الداخلي، ولتمنع وزيراً من دخول أحد مباني وزارته.
المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، استخدم أمس لغة حربية غير معهودة منه. استذكر عند الحديث عن موقعة وزارة الاتصالات معاركَ القوى الأمنية والعسكرية في مواجهة شاكر العبسي وتنظيم فتح الإسلام، متهماً الوزير نحاس بفقدان «الحد الأدنى من الحس الوطني»، وطالباً ممن وضعهم في موقع الخصم أن «يبلّطوا البحر». واتهم ريفي، في حديث مع موقع النشرة الإلكتروني (من دون إذن وزير الداخلية)، نحاس بحجب بيانات الهاتف الخلوي عن فرع المعلومات، ما يؤدي إلى إبطاء التحقيق في جريمتي اغتيال الرتيب في قوى الأمن الداخلي راشد صبري واختطاف الأستونيين.
وذكر مسؤول رفيع المستوى في قوى الأمن الداخلي في اتصال مع «الأخبار» أن المديرية «ملزمة قانوناً بتنفيذ طلب المدير العام لهيئة أوجيرو، كما عندما نستجيب لطلب المدير العام لوزارة التربية بحماية مراكز الامتحانات الرسمية». لكن ماذا لو طلب وزير التربية منكم عدم تنفيذ طلب المدير العام؟ يجيب المسؤول الأمني: «ننفذ طلب الوزير إذا أردنا مسايرته، وإذا لم نرد ذلك فلا نستجيب».
القضية إذاً مرتبطة بالمسايرة. والضابط الرفيع المستوى يعلق قائلاً: كلام اللواء ريفي كان واضحاً. المشكلة هي «قلوب مليانة». والقلوب مليانة ببيانات الهاتف الخلوي التي تؤكد المديرية أنها لم تحصل عليها منذ 26 نيسان الماضي، «رغم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال وقّع على طلب الحصول على بيانات الأيام العشرة الأولى من الشهر»، على حد قول مسؤول رفيع المستوى في المديرية. وتنفي المديرية تماماً أن يكون فرع المعلومات يشغّل الشبكة الثالثة للاتصالات الخلوية، مشيرة إلى أن وجود قوة من الفرع في مبنى وزارة الاتصالات في العدلية يعود إلى اكثر من عام، إذ تحرس هذه القوة مركز التحكم بالاتصالات التابع لوزارة الداخلية، الموجود في الطبقتين 7 و8 من المبنى المذكور.

السابق
بان يجدد دعمه المحكمة الخاصة
التالي
تسليم وتسلّم في دير كيفا وتقليد أوسمة في الطيري