سماحة الـسيّد بين الكسليك الشيعي وحزب اللـه الماروني

أحـسَـنَ الـسـيّـد حـسـن عـنـدمـا اخـتـار بـلـدة "الـنـبـي شـيـت" مـكـانـا للاحـتـفـال بـعـيـد الـتحـريـر بـدلا مـن الـضـاحـيـة، لأنّ بـلـدة الـنـبـي شـيـت سُـمَّـيـتْ عـلـى اسـم الإبـن الـثـالـث لآدم وحـوّاء، بـمـا يـذكّـرنـا بـوحـدة الإنـسـانـيـة مـع بـدايـات الخـلـيـقـة، قـبـل أن تـكـون طـوائـف ومـذهـبـيـات، وإنْ تـذكَّـرْنـا مـعـهـا الـخـطـيـئـة الأولـى وتـفـاحـة حـواء.

والـضـاحـيـة الجـنـوبـيـة عـلـى أي حـال، وإن كـانـت تـشـكـل ولايـة حـزبـيـة لـحـزب اللـه وحـركـة أمـل، إلا أنـهـا لـيـسـت إمـارة مـسـتـقـلّـة عـلـى المـتـوسـط شـبـيـهـة بـإمـارة مـونـاكـو، ولـيـسـت "فـاتـيـكـانـا" شـيـعـيـا يـشـكـل دولـة ديـنـيـة مـسـتـقـلـة، ولـيـسـت أيـضـا مـلـكـا عـقـاريـا للـه.

شـعـار "المـلـك للـه"، بـمـا يـوحـي مـن عـفَّـة روحـيـة، وضـبْـط لـجـوامـح الـنـفـس، لا يـعـنـي المـلـكـيـة المـاديـة، بـل هـو يـحـدّد زمـنـيـة الحـيـاة الـبـشـريـة بـمـا يـبـرّر قـنـاعـة الإنـسـان فـي مـقـتـنـاه ودنـيـاه، للـحـدّ مـن غـريـزة الجـشـع، والـتـصـارع عـلـى أسـلاب الـوجـود الـفـانـي "وكـل مـا عـلـيـهـا فـان…"

واللـه عـزّ فـي مـلـكـه وجـلّ، لا يـطـلـب مـنّـا أن نـسـجّـل عـقـاراتـنـا بـاسـمـه، ولا يـطـلـب وضـع الـيـد عـلـى مـمـتلـكـات الآخـريـن، ولـم يـطـلـب إلّا أن "نـدخـل الـبـيـوت مـن أبـوابـهـا وأن نـسـلّـم عـلـى أهـلـهـا…"

وعـنـدمـا يـكـون المـلـك بـاسـم اللـه يـصـبـح مـشـاعـا شـائـعـا، ومـادة صـراع مـحـمـوم لـبـنـي الـبـشـر، الـذيـن يـعـتـبـرون أنـفـسـهـم جـمـيـعـا أبـنـاء اللـه، والـورثـة الـشـرعـييـن لـه عـلـى الأرض.

الـضـاحيـة الجـنـوبـيـة كـغـيـرهـا مـن الـضـواحـي، انـفـصـلـت عـن الـدولـة فـي زمـن الـحـرب، كـمـا انـفـصـلـت كـل مـسـاحـة جـغـرافـيـة أخـرى مـع مجـمـوعـة بـشـرية بـإرادة أمـراء الحـرب، وقـد نـصّـبـوا أنـفـسـهـم عـنـوة عـلـيـهـا وعـلـى رعـايـاهـا، ولـم يـبـقَ إلا أن يـسـكّـوا الـنـقـود بـاسـمـهـم.

والـضـاحـيـة الجـنـوبـيـة كـالـضـاحـيـة الشـمـالـيـة، وإن كـانـتـا مـن سـلالـة حـوّاء الحـرب، وقـد ولـدتـا بـالخـطـيـئـة، إلّا أنّ خطـيـئـتـهـمـا مـبـرَّرة، لأنّ الـضـاحـيـة الأولـى قـد اسـتـوعـبـت كـل مـهـجّـري الجـنـوب بـفـعـل الاحـتـلالات والـغـزوات الإسـرائـيـلـيـة، ولأن الـضـاحـيـة الشـمـالـيـة قـد اسـتـوعـبـت كـل مـهـجّـري الجـبـل بـفـعـل الجـنـون اللـبـنـانـي الـرحـيـم.

ومـنـذ حـرب الـسـبـعـيـنـات حـتـى الـيـوم لـم يـتـمـكّـن سـيّـد مـن تـوحـيـد الـضـاحـيـتـيـن، لأن الحـرب لـم تـخـرّج أسـيـادا للـسـلام مـثـلـمـا خـرّجـت أسـيـادا للحـرب.

ولأن لـبـنـان مـنـذ انـتـهـاء الحـرب الـسـاخـنـة لا يـزال يـعـيـش حـربـا بـاردة هـي الأكـثـر ضـراوة ومـضـاضـة، أغـرقـتـه فـي دوّامـة مـن المـشـكـلات والمـحـن، لا قـدرة لـه عـلـى الـنـهـوض مـنـهـا إلّا بـتـحـقـيـق ذلـك الحـلّ الـسـحـري الـذي اسـمـه الـوفـاق… وقـد يـصـبـح الـفـراق أجـدى إذا لـم يـكـن وفـاق…؟ ولـكـن إلـى أيـن…!

لـقـد كـانـت للـطـوائـف اللبـنـانـيـة قـبـل حـرب الـخـامـسـة والـسـبـعـيـن مـشـكـلات وقـضـايـا وتـنـاقـضـات ذاتـيـة عـلـى مـسـتـوى الـغـبـن والحـقـوق والمـشـاركـة والمـسـاواة والحـرمـان، فـإذا هـي بـعـد الحـرب تـعـانـي قـضـايـا وطـنـيـة عـلـى مـسـتـوى: المـصـيـر، والأرض، والـعـرض، والـتـمـزّق والـتـبـعـثـر والانـكـفـاء، والمـستـقـبـل المـرتـعـش والمـجـهـول، وإذا هـي تـتـسـاوى جـمـعـيـا فـي صـرخـة الـوجـع حـول الحـقـوق والمـشـاركـة والمـسـاواة والـغـبـن والـقـلـق وقـشـعـريـرة الـرعـب والخـوف.

ولـم يـعـد الـشـرق كـمـا كـان عـلـيـه عـهـد السلطنة الـعـثـمـانـيـة، ولـم يـعـد الـغـرب كـمـا كـان عـلـيـه عـهـد الحـمـايـات، بـل إن كـل دولـة شـرقـيـة كـانـت أم غـربـيـة تـسـتـقـتـل مـن أجـل مـصـالـحـهـا، وتـقـاتـل مـن أجـل مـصـالحـهـا، وحـدنـا نـحـن لا نـزال نـسـتـقـتـل مـن أجـل مـصـالـح الآخـريـن، ونـتـقـاتـل عـلـى أســمـاء أنـبـيـائـنـا.

أيـهـا الـسـيّـد، لأنـّك أنـت سـيـدٌ، تـتـخـلّـق بـقـيـم الإمـامـيـة، وخـلـفـك تـاريـخ مـن الـتـجـارب والـعـبـر، وأمـامـك رهـانـات مـداهـمـة واسـتـحـقـاقـات، دَعْ عـنـك لـوم بـاراك أوبـامـا، وغـضّ الـطـرف عـن خـطـاب بـنـيـامـيـن نـتانـيـاهـو ومـجـلـس الـكـونـغـرس، ولا تـعـبـأ بـزيـارة جـيـفـري فـيـلـتـمـان، ولا تـقـم وزنـا للمـعـادلات الـدولـيـة المـتـقـلـّبـة، هـذه كـلـهـا تـسـقـط عـنـد تـكـامـل الـثـالــوث الـداخـلـي بـلا مـفـارقـات، فـإذا كـان شـعـارك "الـشـعـب والجـيـش والمـقـاومـة"، فـهـذه الأقـانـيـم الـثـلاثـة تُـخـتَـصَـر بـكـائـن واحـد اسـمـه الـشـعـب… كـل الـشـعـب، هـذا هـو سـلاحـك الـصـاروخـي الأمـضـى.

تـفـضّـل إذاً، "وشـاورهـم بـالأمـر… وعـلـى اللـه تـوكّـل، إن اللـه يـحـب المـتـوكّـلـيـن".

ألا تـرى مـعـي، أن انـتـصـارك الأمـمـي الأكـبـر، يـوم تـحـتـفـل بـعـيـد الـتـحـريـر فـي جـامـعـة الـكـسـلـيـك، وحـولـك الـعـبـاءات الـسـود المـخـتـلـطـة، وأنّ بـيـن حـزب اللـه فـي الـضـاحـيـة وحـزب اللـه فـي الـكـسـلـيـك قـربـى روحـيـة، وأوجـه شـبَـه كـثـيـرة، تـتـوحـد تـحـت أنـظـار اللـه، وتـسـهـم فـي وقـف الـتـصـارع عـلـى الأرض بـيـن أشـيـاع الأنـبـيـاء الـذيـن هـم يـتـفـقـون فـي الـسـمـاء.

مـا رأيـك أيـهـا الـسـيّـد، بـروجـر الـثـانـي مـلـك صـقـلـيـة، الـذي كـان رعـايـاه الـيـونـانـيـون والـلاَّتـيـن والمـسـلـمـون يـعـيـشـون فـي كـيـان مُـؤتـلـف، فـكـان يـجـلـس عـلـى الـعـرش مـرتـديـا حـيـنـا الـثـوب الـكـهـنـوتـي، وحـيـنـا آخـر الـزي الأمـبـراطـوري، وحـيـنـا ثـالـثـا عـبـاءة أمـيـر عـربـي، فــوحّـد بـذلـك الـشـعـب وازدهـرت عـلـى يـده الـثـقـافـتـان الـيـونـانـيـة والـعـربـيـة.

السابق
شكوى برسم بلدية النبطية
التالي
النابلسي يفتتح معرض العلوم لـمدارس المهدي