النهار: صاعق الاتصالات ينفجر ويودي بوزير الداخلية

فجأة تلاشت كل الانشغالات والاهتمامات والاستحقاقات المتصلة بالأزمة الحكومية العالقة وحتى بانعكاسات الحدث السوري على الوضع في لبنان، لتعود الازمة الداخلية برمتها الى حقب ما قبل اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري، مستعيدة الفصل المتفجر تكرارا والمرتبط بصاعق الاتصالات ووزارتها والصراعات المتداخلة فيها بين الأبعاد الخليوية والاقتصادية من جهة والامنية من جهة أخرى.

واذا كان الصراع القديم المتواصل بين وزير الاتصالات شربل نحاس والادارة العامة لهيئة أوجيرو برئاسة عبد المنعم يوسف شكل الاطار المباشر للانفجار الجديد، فإن البعد الاخطر الذي اكتسبه هذا الانفجار تمثّل في أنه أدى الى سابقة نادرة تمثلت في تنحي وزير الداخلية زياد بارود واعتكافه، مع انه وزير في حكومة تصريف أعمال. وكشفت هذه السابقة بدورها بلوغ الصراع داخل وزارة الاتصالات اولا بين الوزير وأوجيرو حدودا غير مسبوقة، ثم تطور الصراع الى متاهة وضع جهة أمنية في مواجهة جهة أمنية اخرى من الجهاز نفسه، أي قوى الامن الداخلي، الامر الذي ينطوي على التباسات بالغة الخطورة ومسؤوليات لا تزال غامضة في مآل هذا الملف المتفجر، مع ان نتائجها المباشرة افضت الى تنحي بارود بدعوى عدم التزام المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء أشرف ريفي طلب الوزير سحب عناصر شعبة المعلومات من الطبقة الثانية من مبنى الوزارة استجابة لطلب قدمه نحاس الى بارود.

ولم تكتم أوساط وزارية في حكومة تصريف الاعمال تخوفها من ان يكون هذا الصدام المتعدد الوجه والطرف والذي تمدد بسرعة الى استعادة الفرز السياسي الحاد، نذير مرحلة طويلة من اشتباكات وصدامات مشابهة داخل الدولة ووزاراتها واداراتها تحت وطأة التآكل والانقسامات التي يتسبب بها الفراغان السياسي والحكومي مع حكومة تصريف الاعمال والعجز المعلن عن تأليف حكومة جديدة. ورأت ان ما جرى أمس في وزارة الاتصالات يثير الخوف من ان يكون نموذجا سلبيا متقدما من لوحة قد تتسع فصولها تباعا ولا توفر معظم المؤسسات، مما يهدد بمزيد من الفوضى وتآكل صورة الدولة وفاعليتها في الحدود الدنيا الممكنة التي تجعلها متماسكة في انتظار تأليف الحكومة.

وفيما تبين ان المشكلة لم تكن بنت ساعتها بل كانت تعتمل منذ نحو خمسة أيام، حصل الصدام امس بعدما حضر الوزير نحاس الى الوزارة مصطحبا كاميرا لمحطة "أو تي في"، وتبين انه كان أرسل طلبا الى بارود لاخلاء الطبقة الثانية من عناصر من شعبة المعلومات كانت أرسلتهم المديرية العامة لقوى الامن الداخلي بناء على طلب من أوجيرو منعا لتفكيك معدات تعود الى هبة صينية. وقد وجه بارود كتابا الى اللواء أشرف ريفي طلب فيه سحب العناصر وتأمين حضور الوزير والموظفين، لكن ريفي لم يسحب العناصر مستندا الى مذكرة أوجيرو ومثيرا بعدا آخر في القضية هو منع نحاس "الداتا" عن شعبة المعلومات في تحقيقاتها المتعلقة بخطف الأستونيين السبعة. وواكبت نحاس لدى حضوره الى الوزارة قوة تابعة لأمن السفارات، لكن عناصر المعلومات التزموا ادخال الوزير وحده فرفض، وذكر أن عناصر المعلومات عملوا على الحصول على "الداتا" المطلوبة، فيما كان نحاس يثير الموضوع من زاوية التصرف بالهبة الصينية، واصفاً ما جرى بأنه "انقلاب وتمرد على سلطة الدولة"، ومطالباً الجيش بانهائه.

وعلمت "النهار" ان الوزير بارود كان أمهل اللواء ريفي حتى الرابعة عصر أمس لسحب عناصر المعلومات من وزارة الاتصالات، ولما مرت المهلة من دون التزام مضمون كتابه، عقد مؤتمراً صحافياً أكد فيه "رفضه لانتهاك الدستور عبر تكريس سوابق تسمح لأي كان أن يسقط صلاحية وزير"، معلناً انه "يحرر نفسه من ان يكون أسيراً لهذا الموقع بما تحول اليه". وحذر من أن "المشكلة أكبر من ظاهرها بكثير وأنا لا أرغب في أن أكون شاهد زور أمام انعدام لغة المنطق". وخلص الى "إن أخذ اللبنانيين وأخذنا جميعاً رهائن لم يعد مقبولاً".

ومع اعلانه هذا الموقف باتت وزارة الداخلية في عهدة وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال الياس المر بصفة كونه وزيراً للداخلية بالوكالة بموجب مرسوم توزيع الوزارات بالوكالة.

سليمان والحريري

أما التطور الآخر، فتمثل في تباين برز في موقفي رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعيد الحريري من المشكلة، وإن يكونا اتفقا على تحريك القضاء في هذه القضية.
وأبلغت مصادر مطلعة على موقف الرئيس سليمان "النهار" أنه بعد درس الواقع من الناحية القانونية والدستورية طلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي تنفيذ المذكرة الصادرة عن وزير الداخلية لأنه هو صاحب القرار في وزارته وعلى المدير العام أن يمتثل لقراراته.
وقالت هذه المصادر إن رئيس الجمهورية متمسك بالقانون وبما ينص عليه من حيث صلاحية الوزير في وزارته في كل ما يعود اليها من هيئات ومؤسسات وادارات.
وأفاد المكتب الاعلامي في رئاسة الجمهورية مساء أن الرئيس سليمان اتصل بوزير العدل ابرهيم نجار وتشاور معه في امكان وضع النيابة العامة التمييزية يدها على القضية التي حصلت أمس والمتعلقة بعدم تنفيذ قوى الأمن الداخلي قرار وزير الداخلية القاضي بسحب عناصر قوى الأمن الموجودة في مبنى وزارة الاتصالات. وأضاف ان رئيس الجمهورية يتابع اتصالاته مع النيابة العامة التمييزية والأجهزة القضائية المختصة للغاية نفسها.
وليلاً أفاد المكتب الاعلامي للرئيس الحريري أن رئيس حكومة تصريف الأعمال أجرى طوال يوم أمس اتصالات مع رئيس الجمهورية ووزير الداخلية والجهات الأمنية والقضائية والعسكرية المختصة لمتابعة قضية محاولة وزير الاتصالات شربل نحاس وضع يده على الشبكة الثالثة للاتصالات واخراجها من عهدة الشرعية من دون اي مسوغ قانوني. وأكد الرئيس الحريري أن لا مانع لديه من وضع القضاء المختص يده على هذه القضية على قاعدة تحديد أسباب تجاوز وزير الاتصالات لقرارات مجلس الوزراء وتحديد الجهة التي يريد الوزير نحاس تسليمها شبكة الاتصالات الثالثة خارج اطار سيطرة الدولة اللبنانية ومعرفتها.

السابق
قلق “حزب الله”
التالي
السفير: اغتيال الدولة بسلاح أبناء الدولة: العسكر يمنعون نحاس من دخـول الطابق الأسـود