الدولة الفلسطينية: الاحتفال على شفير الهاوية

بعد أن فقدوا ثقتهم بشريكهم الاسرائيلي وأدركوا أن الأميركيين يخدعونهم، وبعد أن عافوا الأمل بإعادة إحياء عملية السلام، اختار الفلسطينيون خيار الهروب إلى الأمام. وللمفارقة، فقد كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو من يسيطر هذه المرة، ولو لبضعة أشهر على الأقل، على مسار الأجندة الدبلوماسية، ويدفع برئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى التحرك. وفيما تنظر كل من القدس وواشنطن اليوم إلى احتمال اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية في أيلول المقبل بريبة، يستبعد الرئيس الأميركي باراك أوباما خيار استخدام حق النقض (الفيتو) في مجلس الامن لعرقلة قيام دولة فلسطينية. ولكي يضمن انبثاق الدولة من المفاوضات مع إسرائيل، قد يضطر الرئيس الأميركي إلى الوقوف بوجه قيامها عبر مجلس الأمن، وهذه خطوة تهدد صورة أميركا بالتشظي في الشرق الاوسط. لذا، يبدو ان الرئيس يعوّل على الانتفاضات الشعبية التي تهز العالم العربي، كي يستفيد منها في إعادة أميركا إلى العالم العربي والاسلامي. الطريقة الوحيدة أمام أوباما للهروب من هذا الفخ، هي إقناع نتنياهو بتقديم تنازلات قد تقنع عباس بالجلوس مجدداً على طاولة المفاوضات. ومفتاح هذه التنازلات معروف للجميع: تجميد فعلي لبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية والقبول من دون شرط بالدولة الفلسطينية بحدود عام 1967. ولكن من المستبعد ان يبصر سيناريو مماثل النور، فرئيس الوزراء الاسرائيلي يكافح منذ عامين لإدارة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ومن دون أن يمتلك رؤية على المدى الطويل.

عندما وصل نتنياهو إلى واشنطن في التاسع عشر من أيار الحالي، كان قد اتخذ قراره مسبقاً باللعب وفق معادلته المفضلة: استخدام عبارات فضفاضة للكلام عن اقتناعه بالسلام، تحميل خصمه المسؤولية عن الوضع الراهن، الذي يتعدى كونه ثابتاً، ليصبح أكثر خطورة ويرحل بعدها واثقاٌ من دعم أميركا الذي لا يتزعزع للدولة اليهودية. وعلى الرغم من فشله في إقناع اوباما، من السهل أن يدافع نتنياهو عن قضيته أمام الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، وتحديداً بعد اتفاق المصالحة بين السلطة الفلسطينية و"حماس"، والأخيرة موصوفة بالإرهاب في الولايات المتحدة وأوروبا. ويصر نتنياهو لدعم موقفه على إظهار قلقه من المستقبل على خلفية الانتخابات الفلسطينية التشريعية والرئاسية المنتظرة، والتي يمكن أن تكون مؤاتية لوصول حركة المقاومة الإسلامية. وقد أسهم آلاف الفلسطينيين الذين اخترقوا الحدود الإسرائيلية في الخامس عشر من أيار بمدّ نتنياهو بالحجة المناسبة لتسليط الضوء على التهديدات الإقليمية. وفي سياق ما يعيشه العالم العربي على امتداده من احتجاجات وثورات، هل ستخاطر أميركا في إضعاف علاقتها بحليفها شبه الوحيد في الشرق الأوسط؟ وإذا كان عباس قد اختار الذهاب إلى أقصى علاقته بالأمم المتحدة ، فهذا لأن لا خيار أمامه، فضلاً عن أن «فتح» قد بنت شرعيتها على فتات عملية السلام، الأمر الذي يجعل عباس قلقاً على إرثه السياسي. ويحدو الأمل الفلسطينيين، الذين سلبت لبهم رياح الثورة العربية، ببناء دولتهم هم أيضاً.

إلا أن هذه الدولة من الناحية القانونية مهددة في ان تزج في جدل عقيم أجوف. فعباس يعوّل على انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة الذي "سيمهد الطريق إلى تدويل الصراع بوصفه مسألة قانونية لا سياسية فقط". ولكن مقاضاة اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية تبقى، في الواقع، خياراً. وعلاوة على أن إدانة اسرائيل قد أثبتت عدم جدواها تاريخياً، فإن الاعتراف لن يغيّر الحال في الأراضي المحتلة ولا في الحياة اليومية للشعب الفلسطيني، بل إن الأمور ستتجه إلى الأسوأ. اسرائيل لن تبقى مكتوفة الأيدي، وما فعلته في تجميد عائدات ضرائب السلطة الفلسطينية بعد توقيع اتفاق المصالحة مع حركة حماس، والذي حال دون تمكن السلطة من دفع رواتب 160 ألف موظف حكومي، قد يكون عينة بسيطة من أساليب اسرائيل الانتقاميّة. في المرحلة الراهنة، يبدو أن الهوة مهددة بالاتساع بين الأمل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية وبين الفوائد المرجوة منه. وليس مستبعداً رؤية الإحباطات المتتالية للشعب تتحول إلى عنف، وتهدّد باندلاع انتفاضة ثالثة. فهل ستستطيع السلطة الفلسطينية حينها السيطرة على تجاوزات محتملة؟ صحيح أن التحركات التي حصلت في ذكرى النكبة أثبتت أن الشارع الفلسطيني وشبابه قد تخطيا قيادتهم، غير أن الامل بتحقيق انتصار سياسي ومعنوي للشعب الفلسطيني مهدّد بالاحتفال على شفير الهاوية.

ترجمة: هيفاء زعيتر

السابق
إصابة 6 في حادث سير النبطية
التالي
الشاشات بين الاستغراق “بعيد التحرير” والتجاهل!